رفض غالبية المرشحين إلى انتخابات الرئاسة التونسية: ضربة أخرى للديمقراطية

14 اغسطس 2024
من انتخابات الرئاسة التونسية في 13 أكتوبر 2019 (Getty)
+ الخط -

أثار قرار الهيئة العليا للانتخابات في تونس، القبول الأولي لثلاثة مرشحين فقط لاستحقاق انتخابات الرئاسة التونسية المقرّر إجراؤه في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من بينهم الرئيس قيس سعيّد الذي يسعى إلى الفوز بولاية ثانية، جدلاً في صفوف المعارضة التي اعتبرت القرار ضربة جديدة للديمقراطية وخطوة إلى الوراء. ورفضت هيئة الانتخابات في تونس، 14 مرشحاً من أصل 17 طلب ترشح لانتخابات الرئاسة، فيما قُبل ترشح سعيّد، والأمين العام لحزب حركة الشعب زهير المغزاوي، والأمين العام لحركة "عازمون" العياشي زمّال، في خطوة اعتبرتها غالبية المعارضة متوقعة، فيما تتأرجح مواقفها الأولية بين "التنديد وفضح الخروقات الانتخابية" و"مقاطعة مسرحية سيئة الإخراج"، بحسب توصيفها.

وأكد المتحدث باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، محمد التليلي المنصري، في تصريحات صحافية لوسائل إعلام أول من أمس الاثنين، أنه تمّ يوم الأحد الماضي الشروع في إعلام المرشحين بقرارات الهيئة مُعلّلةً، وذلك بعد الإعلان يوم السبت الماضي عن قائمة المقبولين أولياً للترشح في انتخابات الرئاسة التونسية. وأشار إلى أن الهيئة تفتح (بداية من الاثنين 12 أغسطس/آب الحالي)، باب الاعتراض والنزاعات لدى المحكمة الإدارية بخصوص الترشحات للانتخابات الرئاسية بطوريها الابتدائي والاستئنافي، على أن تتم المصادقة نهائياً على المقبولين للترشح في انتخابات الرئاسة التونسية في أجل أقصاه 3 سبتمبر/أيلول المقبل.

الهيئة فتحت باب الاعتراض بخصوص الترشحات للانتخابات على أن تتم المصادقة نهائياً على المقبولين في أجل أقصاه 3 سبتمبر

ورأى الأمين العام للتيار الديمقراطي، نبيل حجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، متهكماً، أن "تونس تعيش اليوم عرساً انتخابياً بترشيد العملية الانتخابية وحصرها في عدد أقل من المرشحين زمن (الرئيس الراحل زين العابدين) بن علي، والنتائج تكاد تكون محسومة، وهو ما يجعل التونسيين فخورين بهذا المنجز العظيم". وتدارك حجي قائلاً: "ما أعلن عنه كان متوقعاً فالعملية واضحة، واستعدنا مشهداً من انتخابات زمن بن علي، وبالتالي مبروك عليهم الفوز". وبيّن أن "نتيجة الانتخابات معلومة منذ سنة والعملية محسومة"، بحسب رأيه.

واستبعد حجي أن "يجازف قضاة المحكمة الإدارية بقبول الطعون في ظلّ الضغوط وبعد عزل القضاة"، مشيراً إلى أن "حزبه قدّم طعناً واعتراضاً استعجالياً لإيقاف تنفيذ العملية الانتخابية، ولكن لم تنظر فيه المحكمة حتى اليوم"، متوقعاً "ألا يُنظر بالطعن إلا بعد الانتخابات". وبيّن أن "انتخابات الرئاسة التونسية ستكون شكلية في كل الحالات، ومن دخل غمار المنافسة لا نعلم إمكاناته، فالمغزاوي هو من داعمي مسار 25 يوليو/تموز 2021، ولا نعلم على ماذا سينبني خطابه". وتساءل: "هل سيتهم المغزاوي سعيّد بالفشل بعد دعمه أم سيُنازعه على ملكية 25 يوليو، بينما لا نعلم حظوظ العياشي زمّال، ولكن نتمنى له التوفيق رغم أن المسألة صعبة وليست سهلة بالمرة".

انتخابات الرئاسة التونسية بشروط مجحفة

اعتبر الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات، خليل الزاوية، لـ"العربي الجديد"، أن "ما حدث ليس مفاجئاً، انطلاقاً من تعامل هيئة الانتخابات والشروط المُجحفة التي أبعدت جزءاً مهماً من المرشحين الذين لم يتسلموا بطاقات السوابق العدلية رغم أن المحكمة الإدارية قضت سابقاً ببطلان المطالبة ببطاقة عدد 3، وهناك سابقة قضائية في انتخابات الرئاسة التونسية 2019. ولكن الهيئة ارتأت التمسك بها، ومن الواضح أن هذا الإصرار كان لإقصاء عدد من المرشحين". وأضاف: "نحن الآن في وضع لا انتخابي، فلا ننتظر منافسة ديمقراطية ولا تنافساً انتخابياً، ومن المنتظر أن تحسم الأمور من الدور الأول". وتابع: "هذه انتكاسة كبرى للمسار الانتخابي في تونس عموماً بعد الثورة".

خليل الزاوية: من المنتظر أن تحسم الأمور من الدور الأول للانتخابات

وفسّر الزاوية أن "المرشح زهير المغزاوي من المدافعين عن مسار قيس سعيّد، ومن الغريب كيف سيقيّم وينتقد الوضع الحالي، وترشحه بخطاب حركة الشعب المساند لا معنى له، وكذلك المرشح العياشي زمّال محسوب على المنظومة القديمة وكان في حزب تحيا تونس الذي أسّسه يوسف الشاهد وليس له حضور إعلامي وسياسي ومواقفه غير واضحة". وقال إن "المعارضة اليوم لا تستطيع التصويت في انتخابات الرئاسة التونسية للمغزاوي لأنه من المدافعين عن 25 يوليو ومساندي قيس سعيّد، لأنه لن يكون هناك معنى لمعارضة سعيّد، وموقع المغزاوي يشبه تموضع الأحزاب زمن بن علي"، موضحاً أنه "نوع من المعارضات الموجودة في البرلمان السابق للثورة". وكذلك، بالنسبة إليه، فإن "زمّال هو سليل التجمع وحزب تحيا تونس ليوسف الشاهد، ونعلم وضعية الحزب لدى التونسيين"، مبيناً أن "تونس لا تعيش انتخابات، ولا وجود لانتخابات تنافسية".

ولفت القيادي ورئيس كتلة تحيا تونس سابقاً مصطفى بن أحمد، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما أُعلن عنه كان متوقعاً، بالعودة إلى خطاب الرئيس الذي كان واضحاً ويقسّم البلاد إلى وطنيين وغير وطنيين، وانطلاقاً من إضافة شروط غير موجودة في القانون الانتخابي، والأجواء المحيطة التي توحي بإقصاء أهم المرشحين المنافسين لسعيّد". وقال: "لا أعتقد أن لدى المغزاوي وزمّال حظوظاً بالمرة، وأشك في وجود منافسة أصلاً، فبهذه الأجواء والإطار أعتقد أنه من شبه المستحيل نجاح أي منهما". وشدّد على أنه "لن تكون هناك منافسة باعتبار العزوف الشعبي والتراجع الكبير عن المشاركة والمراهنة على العملية الانتخابية منذ 2019 في ظل حالة الشلل السياسي وتعطل الأحزاب، وبالتالي فإن شريحة صغيرة ستذهب نحو التصويت للرئيس".

وبيّن بن أحمد أن "القواعد الانتخابية الكبرى موزعة أساساً بين الإسلاميين والدساترة (الحزب الدستوري)، وبكل واقعية فإن هاتين الشريحتين تمّ ضربهما، أولاً (رئيسة الحزب الدستوري الحرّ) عبير موسي في السجن ومنعت من الترشح، ثم رُفض ملف منذر الزنايدي الذي يعد جناحاً ثانياً للدساترة. أما (حركة) النهضة فجلّ قياداتها في السجن وهي أعلنت موقفها، وبالتالي فإن أغلبية قيادات المعارضة في السجون وملاحقون ولا توجد ثقة في العملية السياسية والانتخابية". واستبعد بن أحمد "الذهاب في عملية تصويت عقابية من أجل إحداث تغيير أو أن تتفق المعارضات على دعم مرشح منافس لسعيّد وذلك لاعتبارات عدة، بما فيها عدم ترسخ الممارسة الديمقراطية في ظل هذه الأجواء التي تتسم بنفوق الفعل السياسي وتفسخه".

وكانت حركة النهضة اعتبرت في يوليو الماضي أنه "لا يمكن أن تكون الانتخابات ديمقراطية ونزيهة وشفّافة وتنافسية حقاً إلا بتنقية المناخ السياسي، وضمان تكافؤ الفرص، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع القيود عن نشاط الأحزاب، وضمان حرية التعبير والترشح والاختيار". وأضافت أنها "لن تقدم مرشحاً عنها للتنافس على الرئاسة"، وأن "القرار النهائي بخصوص المشاركة أو المقاطعة لم يتخذ بعد، وسوف تتخذه بالتشاور والتنسيق التام مع قيادة جبهة الخلاص".

محسن السوداني: دعم المغزاوي غير وارد بالنسبة لجبهة الخلاص لأنه داعم للسلطة، أما زّمال فلا نعرف عن طرحه شيئاً

وقال القيادي بحركة النهضة وعضو جبهة الخلاص، محسن السوداني، لـ"العربي الجديد": "لم أتوقّع أن يصل عدد الذين يتم استبعادهم من الترشح للانتخابات الرئاسية إلى هذا الرقم، خصوصاً أن أغلبهم تدارك النقائص التي رصدتها هيئة الانتخابات في ملفاتهم أول الأمر، واستكمل التزكيات المطلوبة، بل وتخطّى العدد المطلوب بكثير". وأضاف أن "يتمّ قبول ثلاثة مرشحين فقط بينهم الرئيس والاثنان الآخران منافسان غير جديين، الأول متماهٍ تمام التماهي مع الانقلاب وأحد منظّريه والمشرّعين له، والثاني لا حظوظ له، فذلك يظهر مشهداً انتخابياً وسياسياً سوريالياً لم يسبق أن عاشته تونس في أحلك فترات الاستبداد مع (الحبيب) بورقيبة وبن علي". وبرأيه، فإنه "على الرغم من أن المرشحين الذين تم استبعادهم يعتزمون الذهاب إلى المحكمة الإدارية، فإن المؤشرات الحالية لا تشجّع، وإنما هي فقط استكمال لكل مراحل ودرجات الصراع السياسي والقانوني الذي يريد المرشحون المستَبْعَدون استيفاءه".

وشدّد السوداني على أن "العملية شبه محسومة الآن، ويبقى بصيص أمل في المحكمة الإدارية التي سيتظلّم المرشحون لديها. ولكن المسألة ذات بعد سياسي صرف"، مذكّراً بأن "السلطة سبق أن عطّلت أحكاماً قضائية صادرة عن المحكمة الإدارية تنصف القضاة المطرودين من عملهم، ورفضت الامتثال لقرارات القضاء". وأضاف: "لذلك فإنه لا يمكن القول إن هناك أدنى شروط للتنافس النزيه ولا للتعددية التي هي شرط أساسي للانتخابات الديمقراطية. سوف تكون العملية أقرب إلى وان مان شو (استعراض فردي في إشارة إلى فوز سعيّد المرتقب)، ولن يكون المرشحان المنافسان للرئيس سوى شبحين في حفل تنكّري باهت"، وفق تعبيره. وحول موقف جبهة الخلاص، أكد السوداني أن "الجبهة إلى الآن لم تجتمع لتقرر في الأمر، ولكن أعتقد أن دعم المغزاوي غير وارد لأنه داعم لسلطة الانقلاب وله نفس التوجه السياسي، وقد يكون أشدّ خطورة على ما تبقّى من مكاسب محدودة في الحرية والديمقراطية. أما بالنسبة إلى العياشي زمال فلا نعرف عن طرحه ولا عن رؤيته للأمور شيئاً".

سعيّد يبحث عن المقاطعة

أكد القيادي في ائتلاف الكرامة، زياد الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الواضح والجلي أن قيس سعيّد مرعوب من انتخابات الرئاسة التونسية المقبلة لمعرفته ويقينه أن لا فرصة له في الفوز في انتخابات تعددية ونزيهة، علماً أنه ذاهب إلى الصندوق الانتخابي مرغماً ودون رضاه". وأوضح أنه "لهذا السبب ذهب سعيّد إلى الخطة البديلة وهي استعمال القوة الصلبة داخل الدولة في إقصاء كل مرشح جدّي يهدّد فرصه في الانتخابات وذلك بمنع وزارة الداخلية البطاقة عدد 3 (بطاقة السوابق العدلية وهي شرط للترشح) عن المرشحين، والقضاء في إصدار أحكام مستعجلة تقضي بإقصاء أو سجن بقية المرشحين".

وتابع: "هذا يدلنا على أن قيس سعيّد يسيطر على جزء من العملية الانتخابية، وليس كلّها، وخصوصاً الأصوات داخل الصندوق"، مشيراً إلى أن "الأمل قائم وكبير في إقصاء سعيّد من الحياة السياسية بالصندوق، بالرغم من العدد القليل من المقبولين أولياً من خلال الهيئة". كما يبقى الأمل، وفق رأيه، "في إعادة عدد آخر من المرشحين من خلال الطعون لدى القضاء الإداري وإن كان هذا الأمل ضعيفاً جداً صراحة لأنه اليوم لم يعد لدينا قضاء مستقل تماماً". وبيّن الهاشمي أن "المقاطعة الانتخابية هي ما يبحث عنه قيس سعيّد، وقد أشار في أكثر من مناسبة لذلك، لهذا فإنه ليس من مصلحة المعارضة إعلان المقاطعة، فهي الأمل الوحيد المتبقي لسعيّد حتى يبقى في السلطة بالرغم من انقلابه على إرادة الشعب". وحول دعم أحد المنافسين المرشحين، قال الهاشمي إنه "بالنسبة للمعارضة أعتقد أنها لن تدعم مناصرين للانقلاب كالمغزاوي، ولكن بالنسبة لزمّال فهذا حل وارد جداً طبعاً بعد الاطلاع على برنامجه الانتخابي".


 

المساهمون