- ينتقد الأسد صلاح جديد بشدة، متهمًا إياه بالاستئثار بالسلطة ويحاول تبرئة نفسه من الطموحات السلطوية، مؤكدًا على التزامه بمبادئ الحزب ومهارات تطوير الجيش.
- بعد التصويت على إقالته، يتخذ الأسد خطوات جريئة لتأمين موقعه، يعتقل خصومه ويشكل قيادة قطرية موقتة، ممهدًا الطريق لرئاسته للجمهورية في 1971 ويؤسس حكمًا استمر حتى وفاته في 2000.
حسم حافظ الأسد قراره بالانقلاب على رفاقه عشية انفضاض المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي لحزب البعث ليلة 12-11-1970 بعد تصويت أعضاء المؤتمر مجتمعين على إقالة حافظ الأسد من منصبه وزيرا للدفاع ومصطفى طلاس رئيسا للأركان. وعارض القرار ثلاثة أعضاء من أصل 85 عضوا في المؤتمر في حين غاب عن التصويت الأمين العام نور الدين الأتاسي. كان المعارضون الأسد نفسه وطلاس ومحمد حيدر الذي سيدوّن تجربته الحزبية في كتابه (البعث والبينونة الكبرى).
قبل هذا التصويت وقف الأسد مطولا، حوالي أربع ساعات، وقد بدأ خطابه هذا بقوله: "حديثي قصير للغاية"، وذلك في المؤتمر العاشر الاستثنائي، مدافعا عن نفسه ومهاجما خصومه، بل وقد سماهم بأسمائهم وكأنه يهددهم بما حصل لاحقا وهو البقاء في السجن طويلا. يورد مجلي النصرواين عضو القيادة القومية عن الأردن والذي اعتقل في دمشق عام 1971 أنه قرّع الأسد بصفته رئيسا للمؤتمر لنعته بعض رفاقه بالخيانة متحدثا عن عيارات نارية أطلقها مرافقو الأسد.
يحتاج موضوع الساعات الطويلة للرفاق الشيوعيين والبعثيين في الخطابة لدارسة خاصة وقد بدأ الأسد خطابه هذا بقوله: "حديثي قصير للغاية".
احتكار السلطة
وجه الأسد أقسى الاتهامات لرفيقه اللواء صلاح جديد رغم أنه بدأ حديثه بالقول "أرجو أن يعلم الجميع أنني أكن للرفيق الأمين العام المساعد كل حب واحترام وأقدر ما يتمتع به من كفاءة وأقدر نضاله وأعرف عنه أكثر مما يعرف الكثيرون في هذا المؤتمر". بدأ الأسد بعد هذه المقدمة الاعتذارية بكيل التهم لجديد ولا سيما احتكار القرار وبأنه يأخذ السلطة والقوة حيثما ذهب: "كان صلاح جديد في اللجنة العسكرية قبل الثامن من آذار/مارس وعندها كانت اللجنة العسكرية كل شيء، وفي الأيام الأولى للثورة عين الرفيق صلاح معاونا لمدير شؤون الضباط وأصبح هذا المركز هو المركز الأثقل، أصبحت السلطة في هذا المركز.. بعد فترة انتقل الرفيق صلاح الى رئاسة الأركان فأصبحت رئاسة الأركان كل شيء وعندما كان الرفيق صلاح في القيادة القومية أصبحت القيادة القومية كل شيء .. عندما لم يرشح نفسه للقيادة القومية وأصبح عضوا في القيادة القطرية أصبحت القيادة القطرية هي المسؤولة عن السلطة".
اتهم الأسد جديد بإقصاء رفاقه في اللجنة العسكرية، ويورد مثالا على ذلك إقصاء محمد عمران موكدا أنه لا يعطف على عمران وأنه قد رافقه للطائرة التي أقلته شبه منفي لإسبانيا، ولكنه كان يريد لعمران العودة بعد هدوء الأوضاع في حين أن جديد كان يريد إقصاء عمران. لاحقا ستغتال مخابرات الأسد محمد عمران في مدينة طرابلس اللبنانية.
كما يتهم جديد بتصفية أحمد سويداني رئيس الأركان خلال حرب 67 رغم أن شهادات عدة توكد أن علاقة الأسد بسويداني كانت سيئة جدا. يستشهد على ذلك بقوله: "أحمد سويداني كان يتحدى القيادة بدون مبرر ويصرخ في وجه الجميع ويهدد بإطلاق النار، جاء أحمد سويداني لمكتبي مرات كثيرة قبل 23 شباط/فبراير وهو موجود الآن في السجن.. جاء الي مرة وقال: هؤلاء لا فائدة منهم، يجب أن نتحرك، هات هالعسكر وخلينا نمشي على القيادة القومية". كما ينسب لجديد إقصاء الرئيس أمين الحافظ ويذكر أن علاقة ثقة كانت تربطه بالحافظ، ولكنها تغيرت.
كانت الجدالات بين الأسد وأمين الحافظ عنيفة خلال اجتماعات القيادة القومية، وكانت تصل في بعض الأحيان لحد الشتائم والتهديد، وكان الحافظ قد بدأ في مرحلة متأخرة من حكمه يشير لتكتل طائفي ضده يقصد به جديد والأسد.
حاول الأسد في خطابه أن يحيّد الأمين العام، رئيس الدولة نور الدين الأتاسي من هجومه، واستشهد به للدلالة على تطور مهارات الجيش من خلال إشادة الأتاسي بالمعارك التي خاضها الجيش ضد إسرائيل في 24-26 حزيران/ يونيو 1970.
يشير الأسد الى أن الأتاسي وجديد أبلغاه بقرار تغيير مراكز القوى: "رجوت الرفيقين أن يقدرا مصلحة الحزب وألا نضع بعضنا في الزاوية وألا يدفع بعضنا البعض الآخر إلى مواقف حرجة". ويستشهد بأحد أعضاء اللجنة العسكرية، قائد الجبهة أحمد المير الذي قال له بعد هذا الرد: "أرجو ألا أراك مستقبلا يا أبو سليمان في وضع حرج"، ورد الأسد حينذاك بـ"سنرى من يكون في موقف حرج".
يوضح العلاقة بينه وزيرا للدفاع وبين رئيس الحكومة يوسف زعين بالقول: "باعتقادي، لم يشعر في يوم من الأيام أنني كنت أتصرف معه على أساس أنه واجهة.. كنت أشعر أنه رئيس وزراء وأنا وزير وهذا ينطبق على علاقتي بالرفيق الأمين العام". يورد الأسد في خطابه أسماء الذين سيعتقلهم لاحقا مثل عضو القيادة القطرية مروان حبش: "لست مسؤولا عن السلطة في المرحلة الماضية أبدا، في الوزارة أربعة من أعضاء القيادة أحدهم الأمين العام وثلاثة أعضاء قيادة منهم مروان حبش رئيس اللجنة الاقتصادية". يشير الأسد الى خصومه في الإعلام الحزبي كالرفيق مالك الأمين المسؤول عن الاعلام في القيادة القومية، ويشير لمنعه من دخول جريدة الحزب (الراية) من لبنان لأن الأمين "لم يكتف بقدرته الإعلامية فقط وإنما تكلم في المؤتمر بما فيه الكفاية وكال لنا من الاتهامات الكثير". ستحاول مخابرات الأسد لاحقا خطف الأمين من لبنان، ولكنها لم تنجح بذلك.
يرد على اتهامات عضو القيادة القطرية، السجين لاحقا، عبد الحميد المقداد بأن الحراسة الضخمة له ليس لحمايته من الرفاق.
كما يتحدث عن دور جريدتي البعث والثورة بالتحريض عليه وعلى الرفاق العسكريين: "جئنا بالرفيق نصر شمالي، وتحدث بما تحدث به فعلا، قلت لا نريد نشر غسيلنا الوسخ، لقد أصبح الرفيق نصر والرفيق مالك وكل رفاقنا، أصبحوا غيورين على هذا الحزب، أما نحن فبين ليلة وضحاها أصبحنا أعداء ألداء لهذا الحزب، رجعيين ارتبطنا بالإمبريالية". يفرد الأسد صفحات من خطابه لتأكيد أنه لا يحمل أية ضغينة لرفاق حزبه، وأنه رفيق حزبي ملتزم عازف عن السلطة وطلب المناصب مثل قراره في بداية ثورة آذار ألا يرشح نفسه للقيادة القطرية، وأنه لم يكن يريد تسلم وزارة الدفاع بعد حركة 23 شباط.
القرار 65
لم يغير خطاب الأسد من نية الرفاق في المؤتمر بالتصويت على قرار إقالة الأسد وطلاس، وعندما تم التصويت على القرار 65 القاضي بفصل الأسد وطلاس، قال الأسد لطلاس، كما يرد في مذكرات الأخير (مرآة حياتي: العقد الثالث): "لنذهب إلى القيادة العامة، أفضل من الاستماع الى هذه التفاهات واذا كانوا رجالا فليلحقوا بنا إلى هناك".
كان الاعتقاد السائد عند أغلبية البعثيين من غير العسكريين في تلك المرحلة، ومعظمهم ضد الأسد، أن وزير الدفاع لن يستطيع تنفيذ انقلاب عسكري لأن الجماهير الكادحة ستقف ضده من ناحية، وأنه لن يلقى الاعتراف والقبول من القوى التقدمية في العالم.
اعتقل الأسد، كما ذكرنا سابقا، صبيحة يوم 13-11- 1970 اللواء جديد ومحمد عيد عشاوي وفوزي رضا، وأرسل يفاوض رئيس الدولة نور الدين الأتاسي والذي كان معتصما في منزله منذ بداية شهر نوفمبر بسبب مضايقات سرايا النقيب رفعت الأسد له. ويورد طلاس أن السبب المباشر "لحرد الأتاسي" هو حفر النقيب رفعت في أراض تملكها زوجة الأتاسي في يعفور بحثا عن كنز دفين!
أرسل الأسد ضابطا لمنزل الأتاسي لإقناعه بالتعاون والعودة لممارسة سلطاته أمينا عاما للحزب ورئيسا للدولة، ناقلين الرسالة التالية: "عد ولك ما لنا وعليك ما علينا". أخبر الضباط الأسد أن الأتاسي رفض التعاون وأخبرهم بأنهم لا يعلمون ماذا يخبئ لهم صلاح جديد".
شكل الأسد قيادة قطرية موقتة ووضع جريدتي البعث والثورة تحت إدارة التوجيه المعنوي في الجيش. حسب رواية طلاس، فإن الأسد سأل أعضاء هذه القيادة عن أكبرهم سناً لترشيحه رئيسا للدولة وكان رسميا الأكبر عبد الحليم خدام، مواليد 1929، غير أن أحمد الخطيب نقيب المعلمين قال إنه من مواليد 1928 لكنه مسجل من مواليد 1933 وهكذا رست المهمة على الخطيب". تسلم الأسد رئاسة الوزراء بالإضافة لاحتفاظه بوزارة الدفاع وأطلق الحزب عليه شعار "قائد المسيرة"، ولم تدم رئاسة الخطيب الموقتة سوى بضعة أشهر حيث تسلم الأسد رئاسة الجمهورية في اذار/ مارس عام 1971 إلى أن مات في 10 حزيران/ يونيو عام 2000.
العضو الأخير في القيادة المؤقتة
صبيحة يوم 13 -11- 1970 وبعد اعتقال حافظ الأسد صلاح جديد، خرجت تظاهرة ضد الأسد من أمام قيادة فرع دمشق للحزب منددة بوزير الدفاع المتمرد على الشرعية الحزبية، وكان وراء هذه التظاهرة عضو قيادة فرع دمشق عبد الله الأحمد، أحد المحسوبين على جماعة جديد. فرّق الأمن التظاهرة بسهولة واعتقل منظمها الأحمد، ولكن اعتقاله لم يدم سوى أيام، حيث أُطلق سراحه بعد طلبه لقاء الأسد الذي عرض عليه ضمه إلى القيادة القطرية المؤقتة، فكان العضو رقم 11 والأخير في هذه القيادة المؤلفة من أحمد الخطيب، حافظ الأسد، عبد الحليم خدام، محمد حيدر، عبد الكريم عدي، عبد الله الأحمر، مصطفى طلاس، داود الرداوي، محمود الأيوبي، ناجي جميل وعبد الله الأحمد. أبلغ الأسد رفاقه قبل ذلك أن ضم الأحمد يشكل ضربة قاضية لجماعة جديد. يروي الأحمد في مذكرات غير منشورة أنه كان قد اتفق مع قيادة الحزب الشرعية على مسايرة حافظ الأسد، ولكنه اقتنع لاحقا بالأمر. ورغم انحياز الأحمد لحافظ الأسد، فقد بقيت علاقته بجديد نقطة ضعف له، ففي المؤتمر القطري السادس عام 1975، حذر عبد الحليم خدام الأسد من أن صلاح جديد "حر طليق وهو جالس إلى جانبه" بالإشارة إلى الأحمد.