تزايدت المؤشرات حول إخفاق ملتقى الحوار السياسي، في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة عن تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، هو نيكولاي ملادينوف، فيما لا يزال التحشيد العسكري مستمرا في مناطق التماس وسط البلاد.
وتزامنا مع تأكيد وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، على أن "أية تسويات سياسية لا ترتكز على نبذ العنف وإدانة العدوان وجبر الضرر ومحاسبة الجناة تظل تسويات هشة ونخشى أنها لن تصمد أمام جولة جديدة من العنف"، في إشارة إلى خطر التصعيد العسكري الحالي، قال المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت – الجفرة، التابعة لحكومة الوفاق، الهادي دراه، إن طائرة "يوشن" روسية هبطت في مطار قاعدة القرضابية، جنوب سرت.
وأوضح دراه، في بيان وزعه اليوم الأربعاء على وسائل الإعلام، أن الطائرة هبطت وعلى متنها مجموعة من المقاتلين السوريين ومعدات عسكرية، لافتا إلى أن القاعدة طوقت بالكامل من جانب مليشيات حفتر حفاظا على سرية الشحنة القادمة على متن الطائرة.
طائرة "يوشن" روسية هبطت في مطار قاعدة القرضابية، جنوب سرت، وعلى متنها مجموعة من المقاتلين السوريين ومعدات عسكرية
من جانبه وبعد التأكيد على رفض وجود اللواء المتقاعد خليفة حفتر في أية تسوية، قال النمروش، في تصريح نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة الوفاق، اليوم الأربعاء: "لن نقبل الضغوط غير المشروعة للتنازل عن الحقوق القانونية لأهلنا، وسنعمل على تقديم الجناة للعدالة وملاحقة الفارين منهم"، مؤكدا على ضرورة الاستعداد لـ"الحرب دعما لمسار السلم الحقيقي".
ورغم ترحيبه بـ"كل حوارٍ يهدف إلى سلام دائم في ليبيا"، إلا أنه أكد، في الوقت ذاته، على "رفض أي محاولة لجعل المعتدين على طرابلس والمدافعين عنها سواء".
ومقابل تزايد التوتر العسكري، تتزايد مؤشرات فشل مسار الحوار السياسي، بعد إخفاق البعثة الأممية في إقناع أعضاء ملتقى الحوار بالتصويت على مقترحاتها بشأن خفض نسبة التصويت على خلفية التناقص الكبير في الأعضاء.
وأعلنت رئيسة البعثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، عن استمرار "العملية السياسية" وخاصة في ما يتعلق بإيجاد سلطة تنفيذية موحدة وأيضا في ما يخص التحضيرات اللازمة لإجراء الانتخابات نهاية العام المقبل.
لكن مصادر مقربة من أعضاء الملتقى أضافت المزيد من التفاصيل حول كواليس الجلسة الماضية، التي بدأت عبر تقنية الفيديو، أول من أمس الاثنين، وانتهت مساء أمس الثلاثاء، مؤكدة أن اللقاء انتهى إلى "الإخفاق" في التوصل إلى أي توافق حول مقترحات البعثة بشأن خفض نسبة التصويت على آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة.
وأوضحت المصادر ذاتها، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن الإخفاق جاء بسبب "انسحاب 22 عضوا من أشغالها وعدم القدرة على الوصول إلى اثنين أخرين، ووفاة أحد الأعضاء بسبب إصابته بفيروس كورونا، فتناقص العدد إلى 50 عضوا فقط، ما حدا برئيسة البعثة إلى اقتراح تشكيل لجنتين، استشارية لردم هوة الخلافات بين الأعضاء حول مسألة التصويت، وقانونية ستعمل على صياغة قاعدة دستورية تمهد للانتخابات العامة نهاية العام المقبل".
ووسط اختلافات آراء الأعضاء بشأن إخفاق الملتقى، مع وجود آخرين يرون أن الحوار السياسي نجح في تحديد فترة المرحلة التمهيدية وبالتالي فرض ضرورة إعادة تشكيل المشهد السياسي، تقول المصادر إن البعثة أكدت أن "المرحلة التمهيدية" ستبدأ مع أول يوم لاجتماع اللجنة القانونية الذي حددت له يوم 21 من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ورغم تأكيد ويليامز على استمرار العملية السياسية، إلا أن الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي يرى وجود "تناقض في تصريحاتها منذ بدء مسار الحوار السياسي؛ ففرضها (ويليامز) لبدء المرحلة التمهيدية مع بدء أعمال اللجنة القانونية ينافي أحاديثها السابقة عن أن المرحلة ستبدأ مع تولي السلطة الجديدة أعمالها"، معتبرا أن ويليامز سعت من خلال تحديدها موعدا لبدء المرحلة الجديدة إلى "إضافة نجاح لسيرة أعمالها قبل مغادرتها منصبها، وإلا فما جدوى بدء المرحلة الجديدة قبل توفر هياكلها السياسية من مجلس رئاسي وحكومة"؟
الإخفاق السياسي بدأ منذ فشل الاتفاق العسكري في التقدم على أرض الواقع
إزاء ذلك، يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، مصطفى البرق، أن الحوار السياسي "أخفق حتى الآن، والبعثة تدرك ذلك جيدا منذ أول خطوة، عندما اختارت 75 شخصية ليبية كأعضاء للحوار لا يجمعهم مشروع وطني واحد، وسريعا ما تم اختراقهم من قبل الشخصيات النافذة في المشهد". ويستطرد شارحًا أسباب الإخفاق بقوله: "عدم وجود مشروع وطني يعني خلو المشهد من أي جديد سياسي يمكن على أساسه إنتاج طبقة سياسية جديدة، فأعضاء الملتقى وجدوا انفسهم رهائن المشهد الحالي ولا شيء ممكنً سوى إعادة تدويره"، مضيفا أن الإخفاق السياسي بدأ منذ فشل الاتفاق العسكري في التقدم على أرض الواقع"، وأن "الكلمة لا تزال للسلاح وقادته".
وتوازيا مع رفض النمروش وجود حفتر في أية تسوية، أكد وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، أن "مشروع حفتر قد انتهى بعدما قام بارتكاب جرائم وآخرها الهجوم على طرابلس".
وخلال لقائه عددا من النشطاء السياسيين والمدنيين، مساء أمس الثلاثاء، عرض باشاغا مشروعا لوزارته بشأن البدء في خطوات عملية نحو دمج عدد من المجموعات المسلحة في الأجهزة الأمنية التابعة للوزارة، مشيرا، أثناء حديثه عن مستجدات الوضع السياسي، إلى أن حفتر "بات مكشوفا أمام العالم ولم يعد طرفا في أي معادلة بالدولة الليبية"، وأن عددا من حلفائه تخلوا عنه.
وجاء تصريح باشاغا بعد يوم من أنباء تناقلتها وسائل إعلام روسية بشأن توجيه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، دعوة رسمية لباشاغا لزيارة موسكو، وهي الدعوة التي ربطها مراقبون بقرار حكومة الوفاق بشأن إطلاق سراح معتقلين روسيين، الخميس الماضي، سبق وأن لمّح باشاغا، في تصريحات صحافية، إلى علاقة تربطهم بمرتزقة "فاغنر" الذين قاتلوا إلى جانب مليشيات حفتر أثناء عدوانها على طرابلس لأكثر من عام. ويفسر الجواشي ذلك بأنه خطوة جديدة في إطار تحشيد موافقة دولية على تولي باشاغا منصب رئاسة الوزراء ضمن السلطة التنفيذية الجديدة، ولذا يرى الجواشي أن العراقيل التي يمر بها مسار الحوار السياسي "لن تذهب به في طريق الانهيار الكامل".
ويؤكد الجواشي أن خيار العودة لمشهد الحرب "مرجح بنسبة ضئيلة، فربما تحدث مناوشات، ولكنها لن تزيد عن حد الضغط في اتجاهات لدعم شخصيات بعينها لتولي مناصب الحكم الجديد".
وعن سيناريوهات المشهد المقبل، يرى الجواشي أن إعلان ويليامز عن لجان استشارية جديدة لدعم مسار الحوار السياسي يشير إلى السيناريو الأول؛ وهو إطالة أمد فترة الحوار وتمييعه بسبب التشابك الحاصل في ملفات أخرى متصلة بالملف الليبي، إلى حين وضوحها. ويرى أن "البعثة تدرك جيدا أن إقناع وربما إجبار أعضاء الحوار وكل الأطراف في ليبيا ممكن وفي زمن قصير، كما حدث مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة في اتفاقهم العسكري المفاجئ، ولذا فالنتائج في المسار السياسي مؤجلة إلى حين وضوح خيارات دولية بشأن ملفات أخرى".
والسيناريو الثاني، بحسب الجواشي، سيذهب إلى استثمار موقف النواب ونجاحهم في توحيد مجلس النواب بطرح مقترح جديد في ظل إخفاق أعضاء الملتقى في التوافق على المقترحات الحالية، موضحا أن المقترح الجديد المرجح هو ترميم المجلس الرئاسي الحالي والتوافق على تكليف حكومة موحدة جديدة لقيادة "المرحلة التمهيدية" التي ستنتهي بالوصول إلى موعد الانتخابات في نهاية العام المقبل.