استمع إلى الملخص
- **تمسك إثيوبيا بموقفها**: ترفض إثيوبيا التوقيع على اتفاق قانوني ملزم بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، وتصر على حقها في استخدام مياه النيل الأزرق لتلبية احتياجاتها الزراعية وتخزين المياه.
- **موقف مصر من العجز المائي**: حددت مصر مستوى معيناً من العجز المائي كخط أحمر، وتؤكد على ضرورة التوصل إلى اتفاق ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة ويضمن التكامل بين دول المنبع والمصب.
تجري تحركات دبلوماسية ومشاورات من جانب وسطاء لتخفيف حدة الأزمة بين مصر والسودان من جه،ة وإثيوبيا من جهة أخرى، في ظل استمرار رفض الحكومة الإثيوبية التوقيع على اتفاق قانوني ملزم بشأن عملية ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، على نهر النيل. وتتولى تركيا أبرز تلك الاتصالات، عبر وزير خارجيتها هاكان فيدان، الذي نقل بالفعل رسائل بين كل من مصر وإثيوبيا خلال زيارات مكوكية قام بها لكلا البلدين في الأيام الماضية، وذلك قبل أن يبحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، مع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، "العلاقات الثنائية ومستجدات إقليمية وعالمية"، بحسب الرئاسة التركية.
رسائل فسرها كثر بأنها ترجمة لما ألمح إليه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قبل أسبوعين، عن أن جهداً "يُبذَل في الغرف المغلقة حتى نحقق هدفنا"، فيما لقي عرض أنقرة تأدية دور في تقريب وجهات النظر بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي، قبولاً وترحيباً من جانب القاهرة وأديس أبابا، خصوصاً أن تركيا تعمل جاهدة على التوصل لحل يرضي جميع الأطراف بحكم علاقتها الطيبة بالطرفين.
إثيوبيا تتمسك بموقفها بشأن سد النهضة
وعلى الرغم من ذلك، وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن "الرسائل التي وصلت إلى الجانب المصري من الجانب الإثيوبي، تضمنت تمسك أبي أحمد برفض الالتزام بتمرير حصص محددة من مياه النيل الأزرق إلى كل من مصر والسودان، سواء خلال مرحلة الملء الحالية أو المقبلة، وكذا خلال عملية تشغيل السد عقب الانتهاء من عملية ملء خزانه". وتضمنت أيضاً "التمسك بأن بلاده ستحصل على احتياجاتها من المياه لعمليات الزراعة الدائمة، إضافة إلى الكميات اللازمة للملء الخامس للسد"، باعتبار تلك المياه "مورداً طبيعياً" خاصاً بإثيوبيا، "يأتي عبر تساقط مياه الأمطار على أراضيها، مثله مثل البترول والغاز الطبيعي لدى دول أخرى، وأنه لا يمكن لأي طرف أن يفرض على بلاده حدوداً لاستغلال ذلك المورد".
وتشير التقديرات الإثيوبية إلى أن كمية المياه اللازمة لتلبية احتياجات الزراعة الدائمة في المنطقة القريبة من سد النهضة، التي تحظى باستثمارات أجنبية كبيرة في مجال الزراعة، تقارب الـ19 مليار متر مكعب من المياه سنوياً. وتعمل إثيوبيا على تخزين قرابة 23 مليار متر مكعب من المياه في خزان السد خلال عملية الملء الذي بدأت مرحلته الخامسة مع موسم الفيضان، يوليو/تموز الماضي، وأوشكت على الانتهاء، لتضاف إلى نحو 40 مليار متر مكعب أخرى خُزِّنَت على مدار أربع مراحل سابقة.
العجز المائي بالنسبة للقاهرة خط أحمر لعدم تصعيد أزمة السد
حل وسط بين مصر وإثيوبيا
وفي المقابل، نقل مسؤولون مصريون، وفق المعلومات، رسائل إلى أديس أبابا، حددت خلالها القاهرة "مستوىً معيّناً من العجز المائي، يعد بمثابة خط أحمر يجب على أديس أبابا عدم تجاوزه تحت أي ظرف، لعدم الذهاب بأزمة سد النهضة إلى منحى جديد من التصعيد لن يخرج منه أي طرف كاسباً". وشدد المسؤولون المصريون على أن الحل "لا يزال هو التوصل إلى اتفاق ينظم عملية ملء سد النهضة وتشغيله، ويضمن التكامل بين دول المنبع والمصب".
وفي السياق، قال السفير المصري السابق لدى تركيا، عبد الرحمن صلاح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه بخصوص سد النهضة "فتركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين، إذ تعمل أكثر من 200 شركة تركية في إثيوبيا"، مضيفاً أن "أديس أبابا تتلقى من تركيا أيضاً مساعدات عسكرية ساعدت حكومتها على حسم الحرب الأهلية الأخيرة لصالحها (2022)". ولفت إلى أن تركيا "عرضت قبل ذلك التوسط بين السودان وإثيوبيا لحل نزاعات الحدود بين البلدين"، معتبراً أنها "يمكن أن تساهم مع بقية الدول التي توسطها مصر، في إقناع الحكومة الإثيوبية بقبول حل وسط مع مصر بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي".
وكانت أديس أبابا قد شدّدت خلال عمليات التفاوض كافة التي امتدت على مدار أكثر من عشر سنوات، على رفضها الاعتراف بوجود حصة ثابتة لكل من مصر والسودان من مياه النيل، وهي تلك الحصة التي نظمتها اتفاقية وُقعت عام 1959 بين القاهرة والخرطوم. وتحصل مصر بموجب الاتفاقية على حصة تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من المياه، بينما يحصل السودان على 18 مليار متر مكعب، وذلك في وقت تعتمد فيه مصر على نهر النيل لتلبية 97% من احتياجاتها من المياه.
محمد حافظ: الأمر حالياً أصبح خاضعاً لمبادئ اتفاقية عنتيبي التي تتضمن بنوداً مجحفة لمصر
من ناحيته، رأى أستاذ هندسة السدود المصري محمد حافظ، أن الأمر حالياً أصبح كله خاضعاً لمبادئ اتفاقية عنتيبي (اتفاقية الإطار القانوني لدول حوض النيل التي وقعت عليها ست دول من بينها إثيوبيا)، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فيها العديد من البنود المجحفة لمصر". وأوضح أن من أهم تلك البنود "أن كل دولة يمكنها أن تستخدم مياه النيل وفقاً لنسبة مدخلاتها أو مساهمتها في النيل. فمثلاً، إجمالي مساهمة إثيوبيا في مياه النيل تعادل 86%، بينما مساهمة مصر تعادل تقريباً صفراً". وأشار إلى أنه "لا اتفاقية عنتيبي ولا اتفاقية مبادئ سد النهضة، تترجمان معنى الضرر الكبير بأرقام، فمن الممكن أن يموت الناس في مصر من العطش، ويقال إن هذا ليس ضرراً كبيراً، لأن الناس يموتون أيضاً من العطش في الصومال".