أكدت مصادر مصرية مطلعة على التحركات التي تقودها القاهرة بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أنه "لا تزال هناك ضغوط واسعة تُمارَس على الإدارة المصرية، من أجل القبول بمقترح استقبال النازحين من قطاع غزة في محافظة شمال سيناء المصرية".
وأوضح مصدر مصري لـ"العربي الجديد"، أن القاهرة "سبق أن تقدّمت بأكثر من مقترح، في محاولة للتخلص من الضغوط الغربية والأميركية المدفوعة بإلحاح إسرائيلي، والتي كان من بينها إمكانية المشاركة في الإشراف على مخيم للاجئين تتم إقامته داخل الأراضي الفلسطينية بالقرب من الشريط الحدودي من الجانب الفلسطيني في قطاع غزة، على أن يكون ذلك بالشراكة مع الأمم المتحدة".
تأكيد إعادة سكان شمال سيناء لمناطقهم
وفيما بدا أنها رسالة مصرية للرد على الضغوط الغربية بشأن القبول بتهجير سكان القطاع، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أنه "ستتم إعادة إسكان أهالي شمال سيناء في المناطق التي اضطروا للخروج منها أثناء مكافحة الإرهاب، وسيكون ذلك ضمن مجتمعات عمرانية مخططة".
أكد مدبولي أنه ستتم إعادة إسكان أهالي شمال سيناء في المناطق التي اضطروا للخروج منها
وأوضح مدبولي، خلال مؤتمر صحافي عقده في مقر الكتيبة 101 في محافظة شمال سيناء الثلاثاء الماضي في زيارة هي الأولى من نوعها، أنّ "مظاهر الحياة بدأت في العودة لطبيعتها في شمال سيناء بعد تطهير الأراضي، وفتح الطرق العامة والميادين، واستئناف الخدمات والأنشطة العامة بكل المرافق". وأضاف أنه "تم التوافق على إنشاء 21 تجمعاً سكنياً في شمال سيناء في المناطق الثلاث الرئيسة، رفح والعريش والشيخ زويد".
وكانت مصر قد شرعت منذ عام 2016 في إقامة منطقة عازلة على الحدود بين قطاع غزة ورفح المصرية، تحت دعوى "الإجراءات الأمنية"، في إطار خطة مواجهة عناصر تنظيم "ولاية سيناء". وتم توسيع تلك المنطقة وإخلاؤها من السكان على مراحل عدة وصلت في النهاية إلى عمق 5 كيلومترات بطول الشريط الحدودي مع قطاع غزة البالغ نحو 12 كيلومتراً.
احتجاجات مصرية على تصرفات إسرائيلية
في سياق ذلك، كشف المصدر المصري لـ"العربي الجديد"، أن "الضغوط الإسرائيلية بشأن المقترح الخاص باستقبال مصر النازحين من قطاع غزة تحت وطأة الاجتياح البري والضربات الجوية العنيفة، لم تقتصر على المطالب الغربية والإغراءات الاقتصادية في هذا الصدد، لكنها تضمنت كذلك ما يمكن وصفه بأساليب الضرب تحت الحزام".
وقال المصدر إن القاهرة، عبر قنوات الاتصال والتنسيق الخاصة مع حكومة الاحتلال، "أبلغت رسالة احتجاج شديدة اللهجة على إسقاط طائرتين مسيّرتين فوق الأراضي المصرية في طابا ونويبع". وكشف أن "التحقيقات المصرية انتهت إلى أنه كان بمقدور الدفاعات الجوية الإسرائيلية استهداف الطائرتين فوق البحر الأحمر بعيداً عن الأراضي المصرية، وتحديداً عن المناطق السياحية في نويبع وطابا".
وأشار المصدر إلى أنه بدا واضحاً أن الجانب الإسرائيلي تعمّد تأخير استهداف الطائرتين اللتين كانتا تستهدفان إيلات، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أجل إرسال رسائل للجانب المصري، وهو الأمر الذي حذرت القاهرة من تكراره خلال الرسالة التي بعثت بها للجانب الإسرائيلي.
وكانت الدفاعات الجوية للجيش الإسرائيلي، قد استهدفت طائرة مسيّرة قالت إنها آتية من جنوب البحر الأحمر يوم الجمعة الماضي، ما أدى إلى سقوطها في مدينة طابا المصرية مخلّفة نحو ست إصابات بعد سقوطها فوق مرفق طبي بالمدينة، وذلك قبل أن يتم بعدها بساعات اعتراض طائرة أخرى سقطت أجزاء منها بالقرب من محطة كهرباء بمدينة نويبع.
وأعلن جيش الاحتلال، الثلاثاء الماضي، إسقاط صاروخ مجنح فوق البحر الأحمر، كان يستهدف مدينة إيلات.
وتعد هذه ثاني رسائل الغضب المصرية التي تم نقلها عبر قنوات التنسيق المشتركة، في أعقاب الرسالة الأولى التي جاءت بعد استهداف إسرائيل في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي برج مراقبة عسكريا على الشريط الحدودي في شمال سيناء، وهي الواقعة التي قالت عنها إسرائيل إنها "جاءت بالخطأ".
علاقات أمنية قوية
وفي السياق، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، سعيد صادق، لـ"العربي الجديد"، إن "العلاقات المصرية الإسرائيلية الأمنية قوية، وهناك تفاهمات سمحت في الماضي بدخول القوات والأسلحة المصرية إلى سيناء، بالمخالفة لمعاهدة السلام".
وأضاف صادق أن "هذه العلاقات، تصدت لكل الأزمات السابقة، مثل أزمة الجندي محمد صلاح، الذي قتل 3 إسرائيليين، واتصل عندها رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتم احتواء الموقف، ولذلك هناك علاقات وثيقة، وتقوم الأجهزة الأمنية بين البلدين بالتعامل السريع مع أي أزمات أمنية طارئة، كما رأينا في حادث إطلاق دبابة إسرائيلية على برج مراقبة، والاعتذار الرسمي السريع".
صادق: العلاقات المصرية الإسرائيلية الأمنية قوية، وتصدت لكل الأزمات السابقة
ولفت أستاذ علم الاجتماع السياسي، إلى أن "الاتصال مستمر بين الطرفين، لإدخال المساعدات، وتبادل الأسرى، ومحاولة وقف النار، وعدم حدوث هجوم بري على غزة". وأضاف أن الاتصالات مع حركة حماس تسير بالتنسيق والتفاهم مع قطر.
في مقابل ذلك، كشف مصدر مصري آخر أن القاهرة "تلقت إخطارات من جانب عدد الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا، لاستقبال مصابين من قطاع غزة ونقلهم لتلقي العلاج في الخارج، وذلك تخفيفاً عن كاهل الدولة المصرية بعد التوصل إلى اتفاق لفتح معبر رفح لخروج الجرحى".
وقال مؤسس حركة مصريون ضد الصهيونية، المتخصص في الصراع العربي الإسرائيلي، محمد سيف الدولة، لـ"العربي الجديد"، إن "السياسة المصرية ثابتة منذ عام 1979 وحتى اليوم. لم تتغير في توجهاتها الاستراتيجية، فهي محكومة ومقيّدة باتفاقيات وقيود كامب ديفيد، التي لها فلسفة واضحة وواحدة وهي الحفاظ على أمن إسرائيل". وأضاف: "قد يتغير الرؤساء أو الحكومات أو الأحداث، ولكن تظل الفلسفة قائمة".
واعتبر سيف الدولة أن "المتغير الوحيد الحالي، هو الخوف المصري الشديد من التهجير القسري لأهالي غزة إلى سيناء، تحت تهديد القصف والقتل والإبادة الإسرائيلية، وهذا هو العامل الرئيس الذي يحكم مواقف مصر اليوم". ولفت إلى أن "تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة الذي شهده السيسي، والذي تم في الأيام الماضية، ليس إلا رسالة تحذير لإسرائيل، وهي ربما تكون أول رسالة من هذا النوع خلال 45 سنة هي عمر الاتفاقية".
لكنه أضاف: "مع ذلك تم عقد التفتيش في السويس وليس في سيناء بالقرب من الحدود ومكمن المخاطر، بسبب القيود المفروضة على القوات والتسليح المصري في ثلثي سيناء، بموجب المادة الرابعة من المعاهدة".