ثمة ما يؤشر إلى أن التكهنات باحتمال تبنّي الرئيس الأميركي الفائز جو بايدن المدافع عن الاتفاق النووي، مقاربة أخرى مع إيران، تختلف عن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد لا تكون في محلها، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن انفراجة ما خلال السنوات المقبلة في التوتر القائم بين طهران وواشنطن منذ أكثر من عامين إثر انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي يوم 8 أيار/مايو 2018.
السلوك الذي تتخذه الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) الشريكة في الاتفاق، تجاه طهران، هذه الأيام، وبالذات بعد الإعلان عن فوز بايدن، يحمل في طياته مؤشرا قويا إلى أن هذا الفوز قد لا يشكل تلك "الفرصة" للجانب الإيراني الذي تحدث عنها، بغية إنهاء سياسة الضغط الأقصى الأميركية وإلغاء العقوبات الشاملة.
وفي السياق، يمكن قراءة البيان الذي أصدرته الترويكا الأوروبية، الخميس، حول البرنامج النووي الإيراني، والذي اتسم بلغة حادة وإلى حد ما غير مسبوقة منذ التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) يوم 14 يوليو/تموز 2015.
وهاجمت الدول الأوروبية الثلاث طهران في هذا البيان بشدة، احتجاجا على ما وصفته بمواصلة انتهاك الاتفاق النووي، من خلال خطواتها الخمس خلال العامين الأخيرين، والتي قلصت إيران بموجبها من تعهداتها النووية، ردا على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق و"المماطلات الأوروبية". وطالبت الحكومة الإيرانية بوقف هذه "الانتهاكات"، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن استفساراتها حول موقع مشتبه به.
والمفارقة أن الترويكا الأوروبية وجهت انتقاداتها الحادة لطهران في بيانها، بينما اكتفت تجاه الموقف الأميركي من الاتفاق النووي بإبداء الأسف لانسحابها منه وإحياء العقوبات المرفوعة، من دون أن تدعو الإدارة الأميركية المقبلة إلى العودة إلى الاتفاق وإلغاء العقوبات، التي تقول إيران إنها السبب وراء خفض تعهداتها النووية، وأنه بحال رفعها ستعود إلى تنفيذ هذه التعهدات.
وعليه، فاستخدام أوروبا تلك اللغة الحادة تجاه إيران في بيانها الأول بعد الإعلان عن فوز بايدن وعدم إشارتها إلى موضوع عودة واشنطن في عهده إلى الاتفاق النووي وإلغاء العقوبات، يعني بشكل أو آخر أن شركاء الاتفاق الأوروبيين ليسوا مقتنعين باستمرار هذا الاتفاق بهذا المضمون، وأن الأولوية لهم في عهد بايدن ليست عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي، وإنما الدفع باتجاه اتفاق شامل بديل عنه، أشار إليه أخيرا مسؤولون في الدول الثلاث، منهم وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، الذي دعا في وقت سابق من الشهر الجاري إلى توسيع الاتفاق وتضمينه قضايا أخرى، في إشارة غير مباشرة إلى ملفات عالقة أخرى مع طهران، هي برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي.
ولذلك، فالدعوة الأوروبية المكررة إلى الحفاظ على الاتفاق النووي خلال العامين الأخيرين، هي بالأساس محاولة لإبقاء إيران على الالتزام ببقية تعهداتها، في مقدمتها الرقابة الأممية "الصارمة" على برنامجها النووي، وفي الوقت ذاته، للحؤول دون عودة هذا البرنامج إلى سابق عهده قبل التوصل إلى الاتفاق النووي، إذ أنه رغم الخطوات الإيرانية الخمس لإلغاء قيود، لكن مستواها يبقى أقل بكثير مما وصلت قبل الاتفاق.
وبناء على ما سبق، فيمكن اعتبار البيان الأوروبي الحاد تجاه إيران أكثر من مجرد احتجاج على مواصلة الأخيرة خفض تعهداتها النووية، ليحمل رسالة إليها، مفادها أن الرهان على تبلور وضع مختلف في عهد بايدن لا يبدو في محله، وأن نشوء هذا الوضع له متطلباته وحساباته، وبالأحرى فواتير، على إيران دفعها، بحسب الرؤية الأوروبية.
وخلاصة القول إنه مادامت تتخذ أوروبا هذا الموقف المتشدد تجاه إيران بعد خسارة ترامب وفوز بايدن، فذلك يكشف أن موقف الإدارة الأميركية المقبلة لن يكون أحسن منه، إن لم يكن الأسوأ.
وإذا أضفنا إلى هذه المعطيات، التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، المنتقدة لطهران، فيمكن التكهن بإجماع بين الأطراف الثلاثة على غرار ما كان موجودا قبل التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015. وعلى الأغلب ستسعى هذه الأطراف معا خلال السنوات المقبلة لممارسة الضغوط على الحكومة الإيرانية، والاستثمار فيما زرعه ترامب خلال السنوات الماضية لتحصيل ما عجز عنه، وذلك خلال مفاوضات ترجح أن تستأنف بين طهران وواشنطن خلال ولاية بايدن.
غير أن إيران رغم حديثها عن "الفرصة" واحتمال تبلور ظروف مختلفة بعد هزيمة ترامب وفوز بايدن، لم تبد أي استعداد حتى اللحظة لتوسيع الاتفاق النووي، رافضة إعادة التفاوض بشأنه.