رسائل أميركية لإيران وراء الضربات على "الحشد الشعبي"... وماذا عن المفاوضات النووية؟

29 يونيو 2021
استهدفت الضربات الأميركية مواقع حدودية داخل العراق وسورية (أيمن حنة/فرانس برس)
+ الخط -

للضربات الأميركية الثانية من نوعها في عهد الإدارة الحالية، فجر الاثنين، على مواقع حدودية داخل العراق وسورية، تابعة لفصائل عراقية مسلّحة مدعومة مع إيران، أبعاد ورسائل، تتجاوز مجرد استهداف قدرات مجموعات مسلّحة تهاجم المصالح الأميركية في العراق.

وما يزيد من أهميتها ودلالاتها هو توقيتها الحساس، فضلاً عن جغرافيتها الجيوسياسية في الحسابات الإقليمية الإيرانية، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة أرادت من خلال هذه الهجمات تسجيل عدة نقاط على حساب إيران، طرفها الأساسي، وإيداع رسائل متعددة في بريدها.

ولعل إيران هي الجهة المعنية بالأساس بـ"رسالة قوية ومهمة"، التي قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إن بلاده وجهتها من خلال هذه الضربات التي وصفها بأنها "إجراء ضروري ومناسب ومدروس".

وبعد ساعات، عبّرت طهران، سريعاً، عن موقفها السياسي من الهجمات الأميركية على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة، حيث قال إنها تظهر "الغطرسة" الأميركية، وسير واشنطن في "الاتجاه الخاطئ".

واتهم خطيب زادة، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، الولايات المتحدة الأميركية بـ"إثارة التوترات في المنطقة وزعزعة أمنها"، داعياً إياها إلى "تصحيح أخطائها ووقف التدخلات"، مع تأكيده أن الضربات "لن تكون في مصلحة أميركا"، في تهديد غير مباشر بأنها ستُقابل بردود فعل على المصالح الأميركية.

ولجهة التوقيت، تشنّ الولايات المتحدة الأميركية الضربات على "الحشد الشعبي"، على وقع أجواء تشاؤمية باتت تخيم على مفاوضاتها غير المباشرة مع طهران في فيينا، بغية إحياء الاتفاق النووي، وذلك قبل انطلاق جولتها السابعة، والتي لم يحدَّد لها موعد بعد، وسط تلميحات متبادلة بالانسحاب من المباحثات للضغط على الطرف الآخر لتقديم تنازلات.

وهذه الهجمات هي الأولى من نوعها التي تُشنّ أثناء المفاوضات النووية، التي بدأت منذ إبريل/نيسان الماضي، بين طهران وواشنطن في فيينا، بواسطة أطراف الاتفاق النووي، ما يعكس "حالة الانسداد التي وصلت إليها المفاوضات"، حسب الخبير الإيراني علي موسوي خلخالي.

ويقول خلخالي، رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، لـ"العربي الجديد"، إن الطرفين الإيراني والأميركي أعلنا أن مفاوضات فيينا "باتت بطيئة ولم تعد سريعة"، وسط تحذيرات أميركية وأوروبية من أنها "لن تستمر إلى الأبد"، وتأكيدات إيران بأنها لن تعود إلى تنفيذ تعهداتها النووية بالاتفاق النووي ما لم تحصل على ضمانات بتنفيذ الاتفاق من جانب الطرف الآخر.

ويضيف خلخالي أن "هذا الانسداد أو المأزق يدفع الطرفين إلى ممارسة الضغط على الآخر في ساحات الاشتباك الإقليمية للحصول على تنازلات منه"، مشيراً إلى "أنهما يوجهان أرض اللعبة إلى مناطق يريان أنه بإمكانهما الضغط على الطرف الآخر فيها".

وفي السياق، يشير الخبير الإيراني إلى "هجمات متصاعدة من مجموعات المقاومة العراقية خلال الأسابيع الأخيرة ضد المواقع الأميركية في العراق، مثل الهجوم بالمسيّرات في أربيل"، قائلاً إن الاستعراض العسكري الذي أجرته "الحشد الشعبي"، السبت الماضي في العراق، واستخدامها أسلحة إيرانية فيه، حمل "رسائل قوة إيرانية" إلى الجانب الأميركي بأنها "موجودة في الميدان، وإذا ما أرادت (واشنطن) التفاوض مع طهران في مكان آخر، فيجب أن تؤمّن مصالحها وتأخذها بعين الاعتبار"، في مقابل "شنّ الولايات المتحدة أيضاً تلك الغارات لممارسة ضغط معاكس على إيران لأخذ تنازلات منها" في المفاوضات، حسب رئيس تحرير موقع "الدبلوماسية الإيرانية"، الذي أضاف أن واشنطن "أرادت أيضاً تأكيد حضورها ووجودها في الساحة بقوة".

كما أرادت الإدارة الأميركية توجيه رسالة أخرى لإيران، مفادها، كما يقول موسوي خلخالي، أن انسحابها مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان ومفاوضاتها مع العراق لخفض عديد قواتها الحربية فيه "لا تعني ترك الساحة للأبد لإيران وحلفائها، والسماح بأن تصبح هي اللاعب الوحيد المهم في الساحة، وتسليمها لقوة معادية للمصالح الأميركية".

إلى ذلك، يتوقع الخبير الإيراني زيادة التعقيدات والتشنجات والتوترات في المنطقة بين إيران والولايات المتحدة "ما لم تحدث انفراجة في مفاوضات فيينا، ولم تتجه الدولتان نحو خفض التوترات عملياً وعدم بنائهما الحدّ الأدنى من الثقة لدى الآخر".

ويضيف موسوي خلخالي أن "المنطقة لن تشهد تحولاً سياسياً إيجابياً ما لم تحصل تلك الانفراجة، وخفض التصعيد وبناء الثقة المتبادلة" بين طهران وواشنطن.

أما الخبير الإيراني علي رضا مجيدي فيشير، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أهمية جغرافية الضربات، لكونها تستهدف بالأساس منطقة الممر الأرضي الذي توليه إيران "أهمية كبيرة" لوصل أراضيها وبحر قزوين والخليج بالبحر الأبيض المتوسط، عبر الأراضي العراقية، مروراً بسورية ولبنان أيضاً.

لكن مجيدي يؤكد أن الهجمات الجوية "وحدها لا تؤثر على مشروع الممر"، مشيراً، في السياق ذاته، إلى أن إسرائيل نفذت مثل هذه الهجمات عشرات المرات في هذه المنطقة، واستهدفت قاعدة "الإمام علي"، موضحا أن "الهجمات الجوية لا تترك تأثيراً مستمراً على الأرض كما تخلفه الهجمات البرية".

ويلفت الخبير الإيراني النظر إلى استراتيجية إيران في مواجهة هذه الهجمات، قائلاً إنها "تتبع قاعدة الصبر الاستراتيجي، لقناعتها أن الضربات الجوية تأثيرها محدود للغاية ما لم تكن مسنودة بعوامل برية"، قائلاً إن طهران منذ عام 2018، بناءً على هذه الاستراتيجية، "قررت أن يكون جزء من ردها على أي هجمات هو الاحتفاظ بالأرض والقواعد، وإعادة بنائها والبقاء فيها كجزء من الصبر الاستراتيجي".

ويضيف مجيدي أيضاً أن الضربات الجوية تستهدف عادة أماكن مثل مخازن السلاح داخل القواعد، ولا تستهدف تسويتها والمنشآت بالأرض "لتدميرها بالكامل، وهذا أيضاً يجعل آثارها محدودة"، لافتاً إلى أن "التحدي الأساسي للممر راهناً يتمثل في طريق بادية الشام، الملوثة بوجود (داعش)، وتأمينها ليس سهلاً"، فضلاً عن أن التحدي الثاني هو "جغرافية الأنبار العراقية"، حسب قوله.

واختيار واشنطن البوكمال السورية لاستهداف المجموعات العراقية المدعومة من إيران له دوافع أخرى، كما يقول الخبير الإيراني علي رضا مجيدي لـ"العربي الجديد"، وهي أن الإدارة الأميركية الراهنة ترى أولاً أنه "في هذه الحالة، لا يبقى للحكومة والقوات المسلحة العراقية أي حق في ردة فعل"، لـ"كون وجود هذه المجموعات المسلحة في سورية من دون إذن القيادة العسكرية العليا في العراق"، وثانياً لـ"إثارة مسألة وجود هذه المجموعات في سورية، في العراق"، وثالثاً لـ"إضعاف معنويات الفصائل الولائية عبر إثارة تساؤلات حول عدم دخول إيران بنفسها في المواجهة، بينما تتعرض هذه الفصائل للضربات نيابة عنها، وهي أيضاً تهاجم الجيش الأميركي نيابة عن إيران، ثأراً لقادة المقاومة".

غير أن الولايات المتحدة استهدفت، خلال هجومها الثاني منذ مطلع العام، نقطة تابعة لهذه المجموعات المدعومة من إيران داخل منطقة القائم العراقية أيضاً، فيما في الهجوم الأول، اكتفت باستهدافها في البوكمال فقط، ولذلك تهدف الإدارة الأميركية إلى تحقيق أمرين، حسب مجيدي، الذي قال إن الهدف الأول هو إيصال رسالة أن "صبرها بدأ ينفد، وإذا أرادت يمكنها ضرب (الحشد) داخل العراق"، والهدف الثاني هو "جرّ الجيش العراقي إلى الحدود لضبطها والسيطرة عليها وإبعاد إيران عنها".

ويرى الخبير مجيدي أن هذه الضربات الأميركية، بغض النظر عن أهدافها ودلالاتها، تشكل أيضاً "فرصة لإيران وحلفائها في العراق لتوظيفها في سياق تشديد المواجهة بغية (إخراج القوات الأميركية من العراق كقوات محتلة)"، مضيفاً أن إيران ستسعى في هذا الإطار إلى "تأليب النخبة السياسية العراقية ضد الوجود الأميركي في العراق لتكثيف الضغوط على الولايات المتحدة".

ويشير إلى أن "كثراً من النخبة السياسية العراقية، وحتى من داخل تيار المقاومة، لا يؤيدون الخيار المسلّح لإخراج القوات الأميركية، لذلك هذه الضربات تشكل فرصة لاستمالتهم واستقطاب دعم السياسيين والمؤسسات العسكرية والأمنية لإخراج هذه القوات، عبر إثارة المشاعر القومية لدى النخبة، من خلال التركيز على أن أميركا تستهدف قوات عراقية على الحدود تكافح تنظيم (داعش)".

بالإضافة إلى ذلك، فـ"المجموعات (العسكرية) الأكثر عقائدية ستصعّد هجماتها ضد القوات الأميركية لتكثيف ضغوطها الميدانية عليها لإخراجها"، حسب مجيدي.

المساهمون