استمع إلى الملخص
- **الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا**: يعاني الاقتصاد السوري من انهيار حاد وارتفاع الأسعار، حيث يعيش السوريون في ظروف معيشية صعبة مع رواتب متدنية، ويعتمدون على الحوالات الخارجية.
- **قيود السلطة التنفيذية ودور الأجهزة الأمنية**: تسيطر الأجهزة الأمنية على تعيين كبار الموظفين وتراقب عملهم لضمان الولاء المطلق للنظام، مما يحد من قدرة رئيس الوزراء الجديد على تحقيق تغييرات جوهرية.
كلّف الرئيس السوري بشار الأسد، أول من أمس السبت، محمد غازي الجلالي بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، بعد الانتخابات التشريعية في سورية التي أجراها النظام في يوليو/تموز الماضي، وفي خطوة لا يُتوقع أن يكون لها أي تأثير في المشهد السوري المعقد، لا سيما في ظلّ نظام يُدار من قبل الأجهزة الأمنية المتعددة التي تختار كبار الموظفين في جهاز الدولة، من رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم، والمديرين العامين والمحافظين، بناءً على مبدأ الولاء المطلق للنظام، لا الكفاءة والخبرة الإدارية.
والجلالي (55 عاماً)، المتحدر من الجولان السوري المحتل منذ عام 1967، مولود في العاصمة السورية دمشق، وهو مختص بالاقتصاد الهندسي وحاصل على درجة الدكتوراه في هذا الاختصاص من جامعة عين شمس المصرية في عام 2000، وسبق له أن شغل منصب وزير الاتصالات من 2014 إلى 2016، وهو عضو في اللجنة المركزية لحزب "البعث" الحاكم. ويخضع الجلالي لعقوبات من الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014 بسبب مشاركته في "المسؤولية عن القمع العنيف الذي مارسه النظام ضد السكّان المدنيين" خلال سنوات الثورة السورية.
منذ عام 1963، يتولى منصب رئيس الحكومة السورية قيادي في حزب البعث
ومنذ عام 1963، يتولى منصب رئيس الحكومة السورية قيادي في حزب "البعث". وجاء تكليف الجلالي لشغل هذا المنصب في وقت وصل فيه اقتصاد سورية إلى حافة الانهيار في ظلّ ارتفاع كبير بالأسعار وتدن لقيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية في ظل اشتداد الحصار والعقوبات المفروضة على النظام بسبب رفضه تسهيل مهام الأمم المتحدة في التوصل إلى حلّ سياسي للقضية السورية وفق مضامين القرار الدولي 2254. ويعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام، والمقدر عددهم بنحو تسعة ملايين نسمة، عددٌ كبير منهم نازحون من مناطقهم إلى مراكز المدن، من ظروف معيشية بالغة السوء، حيث يتقاضى الموظفون رواتب متدنية تعادل نحو 20 دولاراً شهرياً، لذا تعتمد أغلب العائلات في مناطق سيطرة النظام على الحوالات الخارجية من أبنائها المنتشرين في مختلف دول العالم.
ومنذ أن تسلّم بشار الأسد السلطة في سورية بعد وفاة والده حافظ الأسد منتصف 2003، تولى منصب رئيس الحكومة السورية في الحكومات المتعاقبة ثمانية أشخاص قبل الجلالي، هم: محمد مصطفى ميرو، محمد ناجي العطري، عادل سفر، رياض حجاب (انشق بعد أشهر من تعيينه احتجاجاً على وحشية تعامل النظام مع المتظاهرين)، عمر غلاونجي (مؤقت لعدة أيام عقب انشقاق حجاب)، وائل الحلقي، عماد خميس، وحسين عرنوس.
مؤسسة الحكومة السورية منزوعة القرار
ووفق الدستور السوري الذي وضع في 2012، فإن "مجلس الوزراء هو الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، ويتكون من رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء، ويشرف على تنفيذ القوانين والأنظمة، ويراقب عمل أجهزة الدولة ومؤسساتها". وينصّ الدستور على أن رئيس مجلس الوزراء في سورية "يشرف على أعمال نوابه والوزراء"، على أن يتولى المجلس "وضع الخطط التنفيذية للسياسة العامة للدولة، وتوجيه أعمال الوزارات والجهات العامة، ووضع مشروع الموازنة العامة للدولة، وإعداد مشروعات القوانين". كما ينص على قيام المجلس "بإعداد خطط التنمية وتطوير الإنتاج واستثمار الثروات الوطنية وكل ما من شأنه دعم وتطوير الاقتصاد وزيادة الدخل الوطني"، و"عقد القروض ومنحها، وعقد الاتفاقيات والمعاهدات ومتابعة تنفيذ القوانين والمحافظة على مصالح الدولة وأمنها وحماية حريات وحقوق المواطنين".
وائل علوان: النظام وضع رئيس الحكومة في الواجهة ليخفف من انتقاد الصحافة والمواطنين الغاضبين
ولكن المتابع للمشهد السوري على مدى أكثر من نصف قرن يدرك أن رئاسة مجلس الوزراء في سورية مؤسسة لا تملك سلطة القرار التنفيذي من دون الرجوع إلى الأجهزة الأمنية المتعددة، التي تختار من يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء والوزراء ونوابهم بناء على ولائهم المطلق للنظام وليس وفق معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة. ولا يملك الشخص المعيّن في هذا المنصب القدرة على اختيار من يراه مناسباً لشغل منصب وزير، ما خلا بعض الوزارات التي يعتبرها النظام هامشية، من قبيل وزارة الإدارة المحلية والشؤون الاجتماعية والعمل والصناعة والزراعة والاتصالات والكهرباء، على أن يحصل على موافقة الأجهزة على الأسماء التي يرشحها. ولا يتدخل رئيس مجلس الوزراء بعمل وزارة الدفاع ما خلا التوقيع على بعض الأوامر الإدارية وأوامر صرف الأموال. وليس لرئيس الحكومة أي سلطات على الأجهزة الأمنية المتعددة في البلاد، والتي تتدخل في عمل الوزرات والإدارات العامة والمحافظين. ومنح دستور عام 2012 سلطات مطلقة للرئيس السوري، فهو الذي يتولى تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه وتسمية الوزراء ونوابهم وقبول استقالاتهم من مناصبهم.
قيود ومراقبة
وأوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جهاز الدولة في سورية من وزراء ونوابهم ومحافظين ومديرين عامين، كلّه خاضع للأجهزة الأمنية في النظام"، مضيفاً: "هذه الأجهزة تسيطر على الجهاز الحكومي وعلى الجيش والسياسة وهي من تسيّر حزب البعث. من يحكم سورية هي العقلية الأمنية". وتابع علوان: "اليوم جهاز الدولة في سورية منهار تماماً وعاجز وغير قادر على تقديم أي شيء، وحزب البعث يُعاد تشكيله ليتوافق مع التحديات التي تواجه النظام وكي يكون أكثر مرونة أمام المتغيرات والاستحقاقات، التي ربما يضطر النظام إليها".
وأشار علوان إلى أن النظام "يقدم أشخاصاً للمناصب الحكومية لهم صفات أكاديمية وتكنوقراط، ولاؤهم بالكامل له"، مضيفاً أن "رئيس الوزراء الجديد محمد غازي الجلالي له صفة أكاديمية وليس سياسية". وتابع: "النظام وضع رئيس مجلس الوزراء في الواجهة ليخفف من انتقاد الصحافة والمواطنين الغاضبين من سوء الخدمات وتردي الحالة المعيشية". ورجّح علوان فشل محمد غازي الجلالي في مهامه "لأن النظام بات عاجزاً تماماً، ولا يمكنه تقديم شيء للمواطنين في مناطق سيطرته"، مضيفاً أن "النظام لا يريد زجّ الشخصيات المحسوبة عليه بشكل مباشر في محرقة الفشل". وبرأيه، فإن "المشكلة الرئيسية تكمن في المنظومة الأمنية التي تحكم النظام، وليس في جهاز الدولة المسخّر بشكل كامل لتنفيذ ما تفرضه الأجهزة الأمنية وتراه لبقاء النظام في السلطة".
ياسر الحسين: الحكومة السورية وسيلة لتحقيق أهداف الدولة الأمنية
من جانبه، بيّن الباحث الاقتصادي ياسر الحسين، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رئاسة مجلس الوزراء في سورية جهاز إداري وتنفيذي يتأثر بشدة بالنظام الأمني الذي يهيمن على القرارات السيادية والسياسية"، مضيفاً أن "هذه هي وسيلة لتحقيق أهداف الدولة الأمنية، فالقرارات الحيوية المتعلقة بالأمن والسياسة الخارجية وبعض الجوانب الاقتصادية تخضع لسيطرة أجهزة الأمن". وتابع: "في ظلّ الدولة الأمنية، تُقيَّد قدرة رئيس الوزراء والوزراء على اتخاذ قرارات مستقلة، فهم غالباً ما يكونون تحت مراقبة مباشرة من أجهزة الأمن لضمان استقرار النظام". وختم: "باختصار، في ظلّ الدولة الأمنية، تصبح رئاسة مجلس الوزراء جهازاً إدارياً يتبع تعليمات الأجهزة الأمنية مع تقلص كبير في الاستقلالية والسلطة الفعلية".