دينيس كيرييف.. "منقذ كييف" الذي أعدم بسبب "سوء تفاهم"

19 يناير 2023
جندي أوكراني يستعد للذهاب إلى خط الجبهة (Getty)
+ الخط -

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال، أمس الأربعاء، في تقرير أن الفضل في صدّ الهجوم الروسي على كييف لاحتلالها في بداية الغزو الروسي يعود إلى مصرفي أوكراني بنى علاقات مع أجهزة الاستخبارات الروسية بطلب من الأجهزة الأوكرانية، ولكنه قتل في 2 مارس/آذار 2022 بشبهة الخيانة، بعد وقت قصير من اعتقاله على يد شعبة مكافحة التجسس في العاصمة كييف.

ونقلت الصحيفة عن رئيس الاستخبارات الأوكرانية كيريل بودانوف قوله إن المعلومات التي قدمها المصرفي دينيس كيرييف عشية الحرب الروسية على أوكرانيا سمحت بحماية كييف.

ووفقًا لبودانوف، فقد علم كيرييف بخطط الغزو الروسي في خريف عام 2021 وكان أول من حذر السلطات. وفي فبراير/ شباط 2022 حين اتضح أن الحرب باتت حتمية قرر المصرفي ورجل الأعمال البقاء في وطنه وعدم الذهاب في رحلته الشتوية المعتادة مع عائلته إلى جبال الألب. ونقلت الصحيفة عن وزجته قوله حينها: "إذا ذهبت في إجازة، فلن أتمكن من النظر إلى نفسي في المرآة بعد الآن".

وعشية الحرب كشف كيرييف لأجهزة الاستخبارات الأوكرانية عن جزء مهم من مخططات روسيا لغزو أوكرانيا، وأخبر الاستخبارات أن روسيا تخطط لإنزال جوي لقسم كبير من القوات في مطار أنطونوف ( غوستوميل سابقا) الواقع على بعد 25 كيلومترا من العاصمة كييف لاستخدام هذه القوات في الاستيلاء على مدينة كييف.  

وأكد رئيس الاستخبارات الأوكرانية للصحيفة أن معلومات كيرييف هي التي ساعدت في الحفاظ على كييف، حيث كان لدى الأوكرانيين الوقت الكافي لنقل القوات للدفاع عن المطار. وخلص بودانوف إلى القول: "لولا كيرييف، لكان من المحتمل أن تسقط كييف".

وواجه الرجل الذي "أنقذ كييف" مصيراً مأساوياً في 2 مارس/آذار إذ قتل على يد شعبة مكافحة التجسس أثناء احتجازه بشبهة الخيانة في وسط العاصمة كييف أثناء توجهه إلى جولة المفاوضات الثانية بين روسيا وأوكرانيا في مدينة غوميل البيلاروسية. واتضح لاحقا أن كيرييف كان يعمل في المديرية الرئيسية للاستخبارات في أوكرانيا وقُتل بسبب "سوء تفاهم".

واجه الرجل الذي "أنقذ كييف" مصيراً مأساوياً في 2 مارس/ آذار إذ قتل على يد شعبة مكافحة التجسس أثناء احتجازه بشبهة الخيانة في وسط العاصمة كييف

وفي 5 مارس/آذار الماضي، قالت المديرية الرئيسية للاستخبارات الأوكرانية في بيان صحافي إن كيرييف قتل أثناء تأدية مهمة خاصة. في وقت لاحق، أصدر الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسوما بمنح المصرفي وسام بوهدان خميلنيتسكي الثالث بعد وفاته لمساهمته المميزة في "حماية سيادة الدولة"، وبعد بضعة أيام تم دفنه مع مرتبة الشرف العسكرية في مقبرة بايكوف في كييف.

وكان كيرييف في عمر 45 عاماً حين قتل، وهو مصرفي ورجل أعمال أوكراني بدأ حياته المهنية موظفا في المصارف المحلية وفروع المصارف العالمية في كييف في بداية الألفية الحالية، وحسب مصادر "وول ستريت جورنال" فإن اهتمام كيرييف بالعمل في مجال التجسس مع أجهزة الاستخبارات بدأ في 2003 بعد تعيين أحد أقاربه نائبا لرئيس جهاز الأمن الأوكراني.

ونسج كيرييف علاقات جيدة مع رجال أعمال نافذين في منطقة دونيتسك ومقربين من الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش (فر إلى روسيا في 2014 بعد أحداث الميدان). وبعد ضم القرم واندلاع الحرب في دونيتسك على خلفية الحركة الانفصالية، ساعد كيرييف الشقيقين أندريه وسيرغي كيلوباييف المقربين من يانوكوفيتش في تهريب أموالهما إلى خارج أوكرانيا باستخدام نفوذه وموقعه كنائب لرئيس مجلس إدارة مصرف سبيربانك الأوكراني.

 ومعلوم أن أندريه كليوباييف شغل أثناء حكم يانوكوفيتش منصب النائب الأول لرئيس وزراء أوكرانيا (2010-2012) وسكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا (2012-2014).  وفتح الشقيقان كليوباييف قنوات اتصال بين الاستخبارات الروسية وكيرييف.

وفي ربيع 2021، حين بدأت روسيا في حشد قواتها على الحدود الأوكرانية، استدعى رئيس مديرية المخابرات الرئيسية في أوكرانيا كيريل بودانوف كيرييف إلى المقر، وعرض عليه العمل في المخابرات الأوكرانية، نظرا لأن لديه اتصالات مع شخصيات فاعلة ساعدها في تسهيل معاملاتها المالية في أوكرانيا. وحسب مصادر الصحيفة فقد وافق كيرييف المفتون بقصص التجسس على الاقتراح، وسافر بانتظام إلى موسكو، وحصل على معلومات كثيرة.

وإضافة إلى المعلومات الاستخباراتية القيمة، طلب جهاز الاستخبارات الأوكراني من كيرييف المشاركة في جولة المفاوضات الأولى التي انطلقت في 28 فبراير/شباط إثر فشل الإنزال الروسي في مطار غوستوميل. وراهن جهاز الاستخبارات الأوكرانية على أن معرفة كيرييف الشخصية لعدد من أعضاء الوفد الروسي ستسهل عملية طلب هدنة إنسانية تستغلها كييف لترتيب أمورها. ورغم رفض كيرييف في البداية نظرا لأن مشاركته ستكشف تنسيقه مع الاستخبارات الأوكرانية فقد وافق "تلبية لنداء الوطن" حسب أحد حراسه.

وبعد المفاوضات، أجرى كيرييف محادثة طويلة مع رئيس الاستخبارات بودانوف، وحذره من أنه أصبح في خطر، ولكن بودانوف أصرّ على مشاركة كيرييف في جولة المفاوضات التي كانت مقررة في 3 مارس.

وعشية جولة المفاوضات الثانية تلقى كيرييف مكالمة من مكتب رئيس مكافحة التجسس ألكسندر بوكلاد طلب فيها مقابلته، ولم تكشف "وول ستريت جورنال" سبب عدم انعقاد اللقاء، ولكنها قالت إن المصرفي كان يتوقع أن تحاول أجهزة مكافحة التجسس احتجازه وطلب منهم عدم التدخل وتسهيل مهمة الضباط، وهو ما حصل، ولكن بعد ساعة ونصف من الاحتجاز وجدت جثة كيرييف في وسط العاصمة كييف، ولم تتضح حتى الآن ملابسات قتله بعد اعتقاله وعدم نقله إلى مركز مكافحة التجسس، والتحقيق معه.

ويسلط مصير كيرييف المأساوي الضوء على محنة الشخصيات الأوكرانية التي ربطتها بروسيا علاقات جيدة، ولكنها فضلت الدفاع عن وطنها أوكرانيا رغم الإغراءات والموارد الضخمة التي وظفتها روسيا لتجنيد عملاء في أوكرانيا، ومن جهة أخرى فإن قتل كيرييف يكشف عن سوء التنسيق بين الأجهزة الأمنية الأوكرانية، وربما اختراقات جدية في صفوفها من قبل الاستخبارات الروسية.

المساهمون