قفزت دير الزور السورية إلى واجهة الاهتمام الإعلامي، إثر عملية إنزال جوي قام بها طيران التحالف الدولي في ريفها الشرقي، وأكد اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بهذه المنطقة الغنية بالنفط، ما يعني إسقاط آمال النظام السوري وحليفته روسيا بالاستفراد في المنطقة والسيطرة عليها. وجاءت عملية الإنزال بالتزامن مع استعدادات تجري لشن عملية عسكرية واسعة النطاق للسيطرة على مدينة البوكمال التي تتبع دير الزور إدارياً، في مسعى لفصل سورية عن العراق جغرافياً، وتقطيع أوصال تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) في شرقي سورية، وغربي العراق.
وأكدت مصادر في الجيش السوري الحر لـ"العربي الجديد" أن طائرات تابعة للتحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، نفذت مساء الأحد عملية إنزال في قرية الصالحية التي تقع إلى الغرب من مدينة البوكمال بنحو ثلاثين كيلومتراً، مشيرة إلى أن العملية كانت بهدف "سحب عملاء للتحالف الدولي في الداخل، ربما كُشف أمرهم، أو انتهت مهمتهم"، وفق المصادر.
وأنجز التحالف عملية إنزال أخرى في بداية العام الحالي في منطقة التبني بين مدينتي الرقة ودير الزور استهدفت قياديين في التنظيم. كما نفذ التحالف في بداية الشهر الحالي عملية إنزال لمقاتلين في "قوات سورية الديمقراطية"، في منطقة الكرين في ريف الطبقة الغربي، تمركزوا على الفور فيها، وانطلقوا بعد ذلك للسيطرة على مطار الطبقة العسكري جنوب شرقي المدينة.
ورأى المحلل العسكري السوري، العقيد فائز الأسمر، أن عمليات الإنزال "خلف خطوط العدو" تحمل مخاطرة كبرى، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "أعتقد أن عملية الإنزال التي تمت مساء الأحد تعاملت مع هدف كبير في تنظيم الدولة الإسلامية، ولم تكن غايتها سحب عميل".
وأعادت عملية الإنزال الجوي الجديدة محافظة دير الزور السورية إلى الواجهة الإعلامية، إذ يبدو أن وزارة الدفاع الأميركية توليها اهتماماً لا يقل عن اهتمامها بمحافظة الرقة، ما يؤكد نيّتها قطع الطريق أمام قوات النظام في حال أقدمت الأخيرة على التوجّه إليها من مواقع لها في مدينة تدمر شرقي حمص في قلب البادية السورية.
وتُعد دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة، وتتمتع بأهمية كبرى نظراً لوجود ثروة نفطية كبيرة في أراضيها. كما تعد المحافظة امتداداً جغرافياً لغرب العراق، ما يزيد من أهميتها في الحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". ويسيطر التنظيم منذ عام 2014 على كامل محافظة دير الزور، باستثناء بعض أحياء المدينة، والمطار العسكري، إذ لا تزال تحت سيطرة قوات النظام. وفشل "داعش" في اقتحام المطار على الرغم من محاولاته المتكررة، ولكنه يفرض حصاراً برياً كاملاً عليه، وعلى أحياء قريبة منه، ما يعمّق مأساة أهالي المدينة التي تعرضت خلال سنوات الثورة لدمار كبير بغارات من طيران النظام وروسيا، وطيران التحالف الدولي، فضلاً عن مقتل وتشريد الكثير من سكان المدينة وريفها الواسع.
وأكدت مصادر مطلعة في المعارضة السورية المسلحة أن استعدادات حثيثة تجري من قِبل التحالف الدولي لشن عملية عسكرية واسعة النطاق، انطلاقاً من قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية، في محاولة جديدة لانتزاع السيطرة على مدينة البوكمال التي تقع إلى الشرق من مدينة دير الزور بنحو 130 كيلومتراً. وكان تنظيم "داعش" قد سيطر على مدينة البوكمال في منتصف عام 2014، إثر معارك مع فصائل تتبع للجيش السوري الحر، فتحوّلت المدينة الحدودية إلى معقل بارز للتنظيم في شرقي سورية. ورفضت المصادر الخوض في تفاصيل العملية المرتقبة، إلا أنها أشارت إلى أنها ستكون بدعم مباشر من قوات أميركية وبريطانية، وأن فصيلاً تابعاً للمعارضة السورية مكوّناً من أبناء المنطقة الشرقية في سورية يحمل اسم "المغاوير" سيكون "رأس حربة" في الهجوم المرتقب.
وكان "جيش سورية الجديد" التابع للمعارضة السورية المسلحة، قد حاول منتصف العام الماضي انتزاع السيطرة على مدينة البوكمال، إلا أنه تقهقر بعد خسارة جسيمة تكبدها في هجوم معاكس من قبل مقاتلي تنظيم "داعش"، وأكدت مصادر مقتل العشرات من مقاتليه في قاعدة حمدان الجوية القريبة من مدينة البوكمال.
وأشار العقيد فائز الأسمر، وهو من أبناء دير الزور، إلى أن لمدينة البوكمال أهمية كبيرة في الحرب ضد تنظيم "داعش"، موضحاً أن العملية العسكرية المقبلة تستهدف "عزل" مدينة دير الزور من جهة الشرق. وأعرب عن اعتقاده بأن الغاية الرئيسية من العملية هي السيطرة على الحدود السورية العراقية لقطع خطوط إمداد التنظيم في سورية، وتشتيت قواه في عدة معارك تُخاض ضده سواء في دير الزور والرقة، أو في البادية السورية، إذ تخوض فصائل تابعة للمعارضة السورية معارك ضده خصوصاً في القلمون الشرقي في ريف دمشق، وريف السويداء.
ومن المتوقع أن تشهد محافظة دير الزور، مترامية الأطراف، معارك كبيرة مع تنظيم "داعش" في المرحلة التي تلي انسحابه من مدينة الرقة، إذ من المرجح أن يحاول التنظيم الاستفادة من الطبيعة الجغرافية لدير الزور لتجميع قواه، وهذا ما يحاول التحالف الدولي تفاديه من خلال القيام بعملية البوكمال لتقطيع أوصال التنظيم، ومحاصرته من كل الاتجاهات.