يسود الهدوء الحذر في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات بسورية، عقب اشتباكات بين قوى تابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، دفعت التحالف الدولي للتدخّل لتسوية الخلاف في هذا الريف المضطرب الذي يعاني سكانه أزمات معيشية على الرغم من غناه بالثروات الطبيعية.
وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن اجتماعاً عُقد، أمس الأول الثلاثاء، في بلدة الصور بريف دير الزور الشرقي، بين قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لـ"قسد" أحمد الخبيل، ووفد من التحالف الدولي ضد الإرهاب.
وخلال الاجتماع سوّي الخلاف الذي جرى في البلدة بين عناصر من المجلس وآخرين من الشرطة العسكرية التابعة لـ"قسد"، والذي تسبّب باشتباكات أدت إلى مقتل عنصرَين من المجلس المذكور. وأكدت المصادر أن الاقتتال توقف، مشيرة إلى أنه ستتم محاكمة قتلة عناصر المجلس التابع لـ"قسد" في محكمة عسكرية.
اشتباكات عنيفة بين عناصر "قسد"
وكان ريف دير الزور الشرقي الخاضع لقوات "قسد" شهد أول من أمس، اشتباكات وُصفت بـ"العنيفة"، بين عناصر من مجلس دير الزور العسكري وجهاز الشرطة العسكرية، وكلا الجانبين تابع لـ"قسد"، وهو ما أدى إلى قطع الطرقات وإحراق مقار عسكرية ونزوح أهال في القرى والبلدات القريبة من أماكن الاشتباك.
مصادر: اجتماع عُقد بين أحمد الخبيل ووفد من التحالف الدولي
وقُتل عنصران من المجلس في هذه الاشتباكات غير المسبوقة التي بدأت عقب اعتراض 4 سيارات تابعة للشرطة العسكرية طريق مجموعة من عناصر مجلس دير الزور العسكري أثناء عودتها من مناوبة لها في مدينة الحسكة، بحجة عدم حيازة عناصر المجموعة على إثباتات شخصية.
وفي السياق، وصف المركز الإعلامي لـ"قسد" في بيان ما جرى في بلدة الصور بـ"المشكلة الفردية"، مشيراً إلى أنه شُكّلت "لجنة لمتابعة المشكلة وحلّ الخلاف وفق النظام الداخلي"، مضيفاً: "تم التوافق على اعتقال المتورطين وملاحقة المحرضين على الفتنة والفوضى قانونياً".
كما ذكرت مصادر مطلعة مقربة من "قسد" أن قيادة هذه القوات عقدت، أمس الأربعاء، اجتماعاً في حقل "العمر" بريف دير الزور لمناقشة ما جرى، مضيفة أن ما حدث هو خلاف فردي وانتهى، ولن تكون له آثار سلبية.
ولا يمكن عزل هذا الحادث عن التوتر الذي يشهده هذا الريف نتيجة تراكم مشاكل اقتصادية ومعيشية في ظل محاولات لم تنقطع لتهميش العرب، الذين يشكلون كل سكان محافظة دير الزور سواء الجزء الخاضع لـ"قسد" شمال نهر الفرات، أو ذاك الخاضع للنظام والإيرانيين جنوب النهر.
وطفت على السطح أخيراً الخلافات بين مجلس دير الزور العسكري وبين قيادة "قسد" التي حشدت خلال الشهر الحالي تعزيزات لها إلى المنطقة في استعراض كما يبدو للقوة، كي لا يخرج هذا الريف الغني بالثروات عن سيطرتها.
ولطالما شهد هذا الريف اضطرابات وتظاهرات شعبية رفضاً لسياسة "قسد"، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، في إدارة المنطقة التي تعاني أزمات معيشية على الرغم من غناها بالثروات النفطية والزراعية.
إعادة هيكلة المجلس العسكري التابع لـ"قسد"
وفي هذا الصدد، أوضح الناشط الإعلامي عهد الصليبي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قوات سوريا الديمقراطية تريد إعادة هيكلة المجلس العسكري في دير الزور وإقالة قائده أحمد الخبيل المعروف بـأبو خولة، والمجلس يرفض ذلك".
وأضاف أن "قسد لا تسيطر على الخبيل، فضلاً عن حديثه المتكرر عن انتمائه للثورة السورية، وهذا خطاب لا يُناسب قسد". وأشار الصليبي إلى أن "كوادر حزب العمال حاولوا السيطرة على ريف دير الزور، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل لهذا تريد قسد إعادة هيكلة المجلس".
البوكمالي: تخوّف من هيمنة قسد على المنطقة التي تحكمها أعراف عشائرية
الأمر الذي أشار إليه أيضاً الناشط الإعلامي أبو عمر البوكمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، موضحاً أن موقف "قسد" المهادن مع النظام، ورفضها الصدام مع قواته على الضفة الأخرى من نهر الفرات، أو استعادة القرى التي تُسيطر عليها شمال النهر "لعب دوراً في تأجيج الناس ضدها، وأدى إلى خلق أزمة ثقة معها".
وأشار إلى أن "قسد حاولت في الفترة الأخيرة إيجاد بديل للخبيل بسبب خلافات معه، لكن هذا الأمر أدى إلى ظهور موجات رفض وغضب. ولفت إلى هذا الرفض "ليس حباً بأبو خولة، ولكن بغضاً للبديل الذي سيفتح الباب أمام هيمنة قسد على المنطقة التي تحكمها أعراف قبلية وعشائرية بعيداً عن الآليات المتبعة لدى قوات قسد".
واعتبر البوكمالي أن ما جرى الثلاثاء "جاء نتيجة تراكم مشاكل"، مضيفاً أن خلايا تابعة للنظام تعمل على شحن الناس ضد "قسد"، وإلصاق تهم فساد بالمجلس العسكري. ولفت إلى أن ذلك يأتي في محاولة لخلق الفوضى والاقتتال لتمهيد الطريق أمام عودة قوات النظام إلى المنطقة، وهو ما يرفضه عموم سكان هذا الريف.
استياء من إدارة "قسد" لريف دير الزور
يأتي ذلك في ظل استياء الناس أيضاً من قوات قسد وأذعها الإدارية، بسبب سوء الحالة المعيشية، على الرغم من غنى الريف بالنفط، فضلاً عن الفساد المستشري في مفاصل الإدارة، بحسب البوكمالي. وأضاف أنه "ليس هناك أي اهتمام بالخدمات والمدارس على الرغم من مرور نحو خمس سنوات على سيطرة هذه القوات على المنطقة".
في غضون ذلك أشار مدير مركز "الشرق نيوز" (المهتم بأخبار المنطقة الشرقية من سورية)، فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التوتر ما يزال موجوداً بريف دير الزور".
فراس علاوي: تضارب مصالح بين أحمد الخبيل وبين قيادة "قسد"
وأضاف أن هناك مشاكل وخلافات وتضارب مصالح بين أحمد الخبيل وبين قيادة "قسد". وأوضح أن لدى الخبيل مشروع زعامة قبلية تعارضه "قسد" وسط عدم تدخّل من التحالف الدولي.
ولفت إلى أنه "في الآونة الأخيرة أزالت قسد الحواجز التابعة للخبيل، وهو ما أدى إلى توتر ظهر الثلاثاء بالصدام بين الجانبين، وتمّ حلّه من قبل التحالف، لكن التوتر في المنطقة لم ينته بعد".
وكانت "قسد" قد سيطرت على كامل ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات باستثناء بضع قرى، مطلع عام 2019 حين أسقطت آخر معقل لتنظيم "داعش" في هذا الريف، وهو بلدة الباغوز على الحدود السورية العراقية.
ويضم ريف دير الزور، الواقع تحت سيطرة "قسد"، أكبر وأهم حقول النفط والغاز في سورية، أبرزها حقل العمر، والذي تحوّل إلى أكبر قاعدة للتحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة في منطقة شرقي نهر الفرات.