تقارب مهلة الثلاثين يوماً التي أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز الماضي على الانتهاء، وهي مهلة التدابير الاستثنائية التي أقرها وجمّد فيها البرلمان وأقال الحكومة. ومنذ ذلك اليوم والأحزاب التونسية ومنظمات كثيرة تعيش حالة من الدهشة والذهول إلى اليوم، كأن شللاً أصاب جهازها العصبي منذ صدمة تلك الليلة، ومنعها من التفكير وعطّل لديها قدرة المبادرة والاقتراح، على الرغم من أن تونس تعيش أكبر أزماتها التاريخية، وتقف على شفا مصير مجهول قد يقذفها في هذا الاتجاه أو ذاك.
تقف الأحزاب التونسية ومنظمات مدنية تتفرج، تنتظر جميعها خريطة الطريق التي سيقترحها سعيّد، تعاين كما بقية المواطنين ما يتخذه رئيس الجمهورية من قرارات يومية، وتعلّق أحياناً على بعضها وتلوذ بالصمت أحياناً كثيرة أخرى. يبدو أن بعض هؤلاء يعيشون لحظة دهشة طويلة كشفت مدى هشاشة هذه البناءات الحزبية وخوائها الفكري والسياسي، وفقدانها روح التفاعل مع تقلبات الحياة السياسية، وفكرة الاقتراح والتداول في مسالك الخروج من الأزمات. بعضهم خائف يترقب، وآخرون يقيّمون الربح والخسارة، ومنهم من ينتظر إلى أين ستنتهي العاصفة، فيما يلوذ كثيرون بالصمت ينتظرون أن يجهز سعيّد على أعدائهم، من الإسلاميين خصوصاً، متوقعين فراغ الساحة أمامهم بمجرد كبسة زر تغيّر المشهد برمته، ليريحهم من عناء منافسيهم من دون أن تتلطخ أياديهم بعار الإقصاء أو ما قد يتجاوز الإقصاء.
تسيطر الحسابات السياسية على الجميع، وكأن الدرس الذي ضربه 25 يوليو للتونسيين لم يقرأه هؤلاء ولم يتعظوا منه ولو بالقليل، لم يستوعبوا أو لعلهم لا يريدون أو لا يستطيعون أن يستوعبوا أن التونسي يفهم السياسة على أنها خدمة الناس في يومهم المرّ الصعب، وهو في الحقيقة أساس كل عمل سياسي، أن يكون هدفه الأسمى خدمة الناس ومصالحهم وتذليل الصعوبات أمامهم. أما بيانات الولاء والتموقع الغبي والاصطفاف الأيديولوجي الأحمق فلا يعني الناس في شيء ولا يزيد في رصيد شعبية أي كان. وحتى أولئك الذين يتوهمون أنهم منتصرون اليوم، سيعودون غداً إلى خلافاتهم القديمة بعد أن تكون البلاد قد ضيّعت فرصتها في النجاة مرة أخرى.
كثيرون يتلذذون اليوم بفكرة الانتقام والتشفي، ولا يهمهم أن يكون الثمن ضياع أمل الديمقراطية في البلاد بعد أن دفع شهداء أرواحهم من أجل ذلك. المهم أن يُقضى على عدوهم اليوم، ولكن ماذا نفعل بوطن يبنى على أنقاض الضغينة والحقد، وضياع الحرية؟ لقد تعلّم التونسيون كيف يعاقبون من أخطأ في حقهم، يذهبون إلى صندوق الاقتراع ويمحون أسماءهم من الورقة، فلمَ هذه الوصاية على شعب يعرف؟