دلالات إطلاق الحوثيين صاروخاً فرط صوتي على إسرائيل

18 سبتمبر 2024
صاروخ "فلسطين 2" الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل (رويترز)
+ الخط -

مثّلت العملية الأخيرة التي استهدفت فيها جماعة الحوثيين مدينة تل أبيب بصاروخ فرط صوتي، يوم الأحد الماضي، نقلة نوعية في الهجمات التي تشنها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) على إسرائيل ومصالحها في المنطقة، ليدخل التصعيد مرحلة جديدة جعلت الحكومة الإسرائيلية تقف أمامها في اجتماعها الأسبوعي متوعدة بالرد. وكان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع كشف، في مقطع فيديو عبر منصة "إكس" الأحد الماضي، أن "القوة الصاروخية في القوات المسلحة اليمنية نفذت عملية عسكرية نوعية استهدفت هدفاً عسكرياً في منطقة يافا في فلسطين المحتلة"، وأن العملية نُفذت بصاروخ باليستي جديد فرط صوتي وأن دفاعات العدو أخفقت في اعتراضه والتصدي له.

وبحسب بيان القوات المسلحة التابعة إلى الحوثيين فإن "الصاروخ قطع مسافة 2040 كيلومتراً خلال 11 دقيقة و30 ثانية". كما أكد البيان أن "القوة الصاروخية طوّرت تقنياتها استجابة لمتطلبات المعركة وتحدياتها مع العدو للوصول إلى الأهداف وتجاوز كافة المنظومات الاعتراضية". كما أشار الحوثيون إلى أن الصاروخ الذي أطلق عليه "فلسطين 2"، يبلغ مداه 2150 كيلومتراً، وسرعته تصل إلى 16 ماخ، ويعمل بالوقود الصلب على مرحلتين، ويتميز بتقنية التخفي، ويمتلك قدرة عالية على المناورة التي تتجاوز أحدث وأقوى منظومات الدفاعات الجوية في العالم بما فيها القبة الحديدية.

المرحلة الخامسة من تصعيد الحوثيين

وجاءت العملية الأخيرة للحوثيين ضمن سياق ما يسمى بالمرحلة الخامسة من التصعيد، حيث بدأت المرحلة الأولى باستهداف الأراضي المحتلة، والبدء باستهداف السفن الإسرائيلية، ثم كانت المرحلة الثانية باستهداف أي سفينة تمر عبر البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن باتجاه موانئ فلسطين المحتلة بغض النظر عن جنسيتها، ومن ثم المرحلة الثالثة باستهداف أي سفينة تمر عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح باتجاه الموانئ الفلسطينية المحتلة، أعقبتها المرحلة الرابعة بحظر الملاحة باتجاه أي من موانئ فلسطين المحتلة، واستهداف سفن أي شركة تنتهك قرار الحظر، لتأتي المرحلة الخامسة والتي تمثلت في استهداف عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة.

عبدالعليم أبو طالب: اليمن لا يملك كهرباء فما بالنا بصواريخ فرط صوتية

التطور اللافت في العملية هو استخدام صاروخ فرط صوتي يتم من خلاله استهداف الأراضي المحتلة لأول مرة. وكانت جماعة الحوثيين أعلنت في 26 يونيو/حزيران الماضي عن استخدام صاروخ فرط صوتي "محلي الصنع" تحت اسم "حاطم 2" يكشف عنه للمرة الأولى تم به استهداف سفينة "MSC SARAH V" الإسرائيلية في البحر العربي. وقال الحوثيون حينها إن الصاروخ فرط صوتي محلي الصنع، يمتلك تكنولوجيا متقدمة ودقيق الإصابة، ويصل إلى مديات بعيدة.

تساؤلات عن نوع أسلحة الحوثيين

امتلاك الحوثيين لهذا النوع من الأسلحة يظل محل تساؤلات عديدة عن وصول هذا النوع من الأسلحة إلى قبضة الجماعة، خصوصاً أن عدداً قليلاً جداً من الدول يملك هذا النوع من الصواريخ، والتي تصل سرعتها إلى خمسة أضعاف سرعة الصوت. وتعد روسيا الدولة الأهم التي استطاعت منذ 2018 تطوير كل أنواع الصواريخ الفرط صوتية بدءا من صاروخ "كينجال" العملياتي الذي يطلق إلى مسافة 2000 كلم، وتبلغ سرعته 12 ماخ (نحو 13500 كلم/ساعة)، ومروراً بصاروخ "تسيركون" المجنح متوسط المدى (1000 كلم) الذي يخصص لإصابة السفن البحرية، بينها حاملات الطائرات ويحلّق بسرعة 9000 كلم/ساعة، وانتهاء بصاروخ "أفانغارد" الذي يمكن أن يصيب أي هدف على الكرة الأرضية محلقاً بسرعة تصل إلى 30000 كلم/ساعة.

وفي فبراير/شباط 2023 نجحت الصين في اختبار صاروخ "DF-27" الفرط صوتي بنجاح عندما قطع الصاروخ مسافة 2100 كلم في 12 دقيقة، وبمقدوره أن يحمل رؤوسا نووية وكلاسيكية على حد سواء. لذلك يمكن اعتباره سلاحاً استراتيجياً وتكتيكياً في وقت واحد. شركة "بوينغ" قامت بتطوير صاروخ "X-51 Waverider" الأميركي بما هو صاروخ مخصص لاختبار التكنولوجيات الفرط صوتية الضاربة. وبالإضافة لهذه الدول كشفت كوريا الشمالية في معرض "الدفاع الذاتي ـ 21" في بيونغ يانغ عن صاروخ "هواسونغ 8" الفرط صوتي الذي نجحت في اختباره.

كما أزاح الحرس الثوري الإيراني في 2022 الستار عن الصاروخ الفرط صوتي "فتاح" القادر على التحليق بسرعة تصل إلى 15 ضعف سرعة الصوت كما أفادت به وكالة إرنا الإيرانية. فيما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية بأن صاروخ "فتاح" يصل مداه الأقصى إلى 1400 كيلومتر، وتصل سرعته إلى 13 و15 ماخ، وهو قادر على التغلب على كافة الأنظمة الدفاعية الجوية للعدو. وتُتهم إيران بالوقوف وراء دعم الحوثيين بترسانتهم الصاروخية، وهو ما دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الاثنين الماضي، إلى نفي أن تكون بلاده قد قدمت هذا النوع من الصواريخ إلى الحوثيين في اليمن. وقال إن "ما يمتلكه اليمنيون من صواريخ نتاج جهودهم، والصاروخ المستخدم في هجوم الأحد غير موجود في إيران"، مضيفاً: "لا نقدم صواريخ لليمنيين، وهم من يملك تقنية تصنيعها"، لكنه أكد وجود "رؤية مشتركة مع اليمنيين لدعم الفلسطينيين في مواجهة الكيان الصهيوني". بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لقناة المسيرة التابعة إلى الحوثيين، إن اتهام إيران بإرسال أسلحة إلى اليمن إهانة بحق الشعب اليمني، لأن اليمن يمتلك التقنيات وأصبح قادراً على تعزيز ترسانته العسكرية.

استغباء اليمنيين والعالم

وتعليقاً على هذه التطورات، قال الخبير العسكري العقيد عبدالعليم أبو طالب، لـ"العربي الجديد"، إن "جماعة الحوثيين تستغبي شعبها والعالم، حين تتحدث أن الصواريخ التي تطلقها هي صواريخ محلية الصنع، بما فيها صواريخ فرط صوتية، فاليمن لا يملك حتى كهرباء كي يملك مصانع بسيطة، فما بالنا بصواريخ فرط صوتية لا تملكها الدول العظمى. ومعروف أن هناك حوالي خمس دول فقط تملك هذا النوع من الصواريخ هي روسيا وأميركا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وهذا يدعو للسؤال: من أين حصل الحوثيون على هذه الصواريخ؟".

الكرار المراني: العملية الأخيرة أثبتت فشل منظومات العدو الدفاعية

وأضاف الخبير العسكري أن "هذه الصواريخ بلا شك آتية من إيران وقد تكون صناعة إيرانية وقد تكون صناعة دولة أخرى، لكن المؤكد أنها تصل للجماعة من إيران ويقوم بتشغيلها خبراء عسكريون إيرانيون، وهذه أمور لم تعد خافية على أحد، فالحوثيون قاموا بتحويل اليمن إلى قاعدة عسكرية إيرانية تماماً كما هو حاصل في العراق وسورية ولبنان".

من جهته، قال الصحافي المقرب من الحوثيين الكرار المراني، لـ"العربي الجديد"، إن "عشر سنوات من العدوان والحصار السعودي الأميركي ضاعف في تسارع إنتاج وتطوير القدرات العسكرية، ووفّرت بيئة عملية للتجربة والاختبار للصناعات والتعديل عليها والتطوير المستمر لها، حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم من تطور كبير حد إنتاج صواريخ فرط صوتية".

وأوضح أن "تأثير الجبهة اليمنية كجبهة إسناد هو تأثير قوي وفاعل في معركة طوفان الأقصى، بداية من حظر الملاحة الإسرائيلية، ثم الحظر الكامل لكل السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني والذي أدى إلى إغلاق ميناء إيلات وتكبيد كيان العدو خسائر مادية ضخمة، والعملية الأخيرة أثبتت أن قلب كيان العدو الصهيوني وعاصمته الاقتصادية، التي ظل يتفاخر أنها آمنة، أصبحت غير آمنة، وفي دائرة الاستهداف". واعتبر أن "العملية الأخيرة كسرت هيبة العدو الصهيوني وأثبتت فشل منظوماته الدفاعية المتطورة التي لم تستطع اعتراض الصاروخ اليمني، وذلك لما يتميز به من تقنيات متطورة"، مضيفاً: "هذا التطور يعد ورقة ضغط كبيرة للمقاومة الفلسطينية في المفاوضات، لأن العدو يعرف أنه إذا واصل عدوانه على غزة والضفة سيكون أمام ضربات يمنية جديدة أكبر وأخطر تستهدف عمق كيانه وكل المصالح الحيوية الهامة في كيانه المؤقت".

المساهمون