بعد سبعة أسابيع من الغزو الروسي لأوكرانيا، عيّن الكرملين ألكسندر فلاديميروفيتش دفورنيكوف لتولي قيادة الساحة الأوكرانية، بعدما عانت القوات الروسية عددا من الانتكاسات.
قبل ذلك، لم يكن لروسيا قائد حرب مركزي على الأرض، وجاء تعيين دفورنيكوف، بحسب خبراء عسكريين، بمثابة تغيير تكتيكي لافت لتعويض النقص في تماسك القوات الروسية.
وبحسب مسؤولين ومحللين غربيين، يفترض أن يشرف دفورنيكوف على الحملة العسكرية التي تشنها موسكو على أوكرانيا وسط تزايد عدد القتلى المدنيين والدمار الواسع والتقدم البطيء، مع معاناة القوات الروسية من مشاكل لوجستية وأخطاء عسكرية.
ويأتي قرار إنشاء قيادة جديدة لساحة المعركة في أوكرانيا في وقت يتوقع أن روسيا تستعد لشن هجوم أكثر تركيزاً لتوسيع السيطرة الروسية في منطقة دونباس، بعد محاولة فاشلة للسيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف.
جزّار سورية
وقبل تعيينه، كان دفورنيكوف يقود المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا، وهو منصب رئيسي حصل عليه بعدما خدم قائدا للقوات الروسية في سورية، حيث تتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب كما في أوكرانيا.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أمس الأحد، إنه يتوقع أن يعمد الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف، المعين حديثاً للإشراف على العمليات في أوكرانيا، إلى تدبير جرائم وأعمال وحشية بحق المدنيين الأوكرانيين.
وفي مقابلة مع برنامج "حالة الاتحاد" الذي تبثه شبكة "سي.أن.أن"، قال سوليفان إن "الكرملين مسؤول" عن استهداف المدنيين".
وقال الأدميرال المتقاعد في البحرية الأميركية والقائد العسكري السابق في حلف شمال الأطلسي، جيمس ستافريديس في حديثه أمس الأحد لبرنامج "إن بي سي نايتلي نيوز"، إن "تعيين هذا الجنرال الجديد يشير إلى نية فلاديمير بوتين مواصلة هذا الصراع لأشهر، إن لم تكن لسنوات".
وأشار ستافريديس إلى أن دفورنيكوف معروف باسم "جزّار سورية"، محذرا من أن إحضار دفورنيكوف، وهو رجل معروف بقسوته على المدنيين، هو محاولة لكسر معنويات الشعب الأوكراني.
وقال ستافريديس: "إنه الرجل الأبله الذي استدعاه فلاديمير بوتين لتسوية مدن مثل حلب في سورية". وأضاف: "لقد استخدم أدوات الإرهاب طوال تلك الفترة، بما في ذلك العمل مع القوات السورية، ومراكز التعذيب، والاغتصاب المنهجي، وغازات الأعصاب".
الجنرال المتقاعد من الجيش الأميركي، باري ماكافري، قال لـ "إم إس إن بي سي"، يوم السبت، إن جيش بوتين فشل في تولي زمام الأمور في وقت مبكر وبدل تكتيكاته الآن على ما يبدو. وأشار إلى أن التركيز أصبح على إرهاب المدنيين، ودفورنيكوف هو أول قائد روسي في سورية، مُنح جائزة بطل الاتحاد الروسي لإسقاط "البراميل المتفجرة على المدنيين العزّل واستخدام الغاز السام ضدهم".
وتكشّفت الأسبوع الماضي بشكل صارخ الفظائع المحتملة التي يواجهها الأوكرانيون تحت الاحتلال الروسي، بعد استعادة القوات الأوكرانية بلدة بوتشا بالقرب من العاصمة كييف. وصف السكان عمليات القتل التعسفي والترهيب والنهب على أيدي الجنود الروس في الأسابيع الخمسة الخاضعة لسيطرتهم. ويقدر المسؤولون الأوكرانيون أن مئات المدنيين قتلوا في بوتشا ويتهمون موسكو بارتكاب جرائم حرب هناك. ونفت روسيا استهداف أهداف غير عسكرية واتهمت أوكرانيا بارتكاب فظائع لتشويه سمعتها.
جنرال من "المدرسة القديمة"
اعتبر بعض المحللين العسكريين أن دفورنيكوف رجل له تاريخ في استهداف المدنيين، وتوليه العمليات في أوكرانيا يُعتبر مؤشرًا على أن روسيا تعتزم ترويع المدنيين مع تقدم الحرب.
وذهبت "ذا غارديان" في تقرير لها، أمس الأحد، إلى أن دفورنيكوف (60 عامًا) جنرال من "المدرسة القديمة" وهو "قومي بالدم والتربة"، تدرب على العقائد العسكرية السوفييتية التي تنظر إلى محو الأهداف المدنية كوسيلة لاكتساب زخم في ساحة المعركة.
وبصفته ضابطًا عسكريًا محترفًا، فقد ارتقى بشكل مطّرد في الرتب منذ أن بدأ قائدًا فصيل في عام 1982. قاتل خلال الحرب الثانية في الشيشان وتولى عدة مناصب عليا قبل أن يتم تعيينه مسؤولاً عن القوات الروسية في سورية.
وتابعت الصحيفة، أن دفورنيكوف أشرف على القوات الروسية خلال فترة حرجة من الحرب السورية، عندما بدا في عام 2015 أن الأسد، الحليف القديم، قد لا ينتصر ضد الجماعات المتمردة المناهضة للحكومة التي تشكلت بعد انتفاضة سورية عام 2011، وانزلقت إلى حرب أهلية ومعارك إقليمية بالوكالة.
وكانت لروسيا قاعدة بحرية واحدة في سورية قبل الحرب، ودعمت الأسد دبلوماسياً منذ البداية. وبدءًا من عام 2015 ، ساعدت موسكو في قيادة حروب الأسد الجوية ضد المدن والمدنيين السوريين، مما قلب المعادلة لصالح الأسد الذي استعاد السيطرة على جميع أنحاء البلاد تقريبًا، والتي لا يزال الكثير منها يعاني من ندوب عميقة بسبب تكتيك الأرض المحروقة الذي يتبعه تحالف الأسد.
أرسل بوتين دفورنيكوف في سبتمبر/أيلول 2015 في مهمة عاجلة لتحقيق الاستقرار في وضع قوات النظام السوري، التي اعتقدت طهران وموسكو أنها على وشك الوقوع في أيدي المعارضة.
وفي سورية، أنشأ دفورنيكوف بسرعة قاعدة جوية بالقرب من الساحل الشمالي الغربي، حيث دمرت القاذفات البلدات والمدن في جميع أنحاء محافظة إدلب. يعود سقوط مدينة حلب الثانية في سورية إلى حد كبير إلى الضربات الجوية الروسية التي انطلقت من قاعدة حميميم واستهدفت بشكل روتيني المستشفيات والمدارس وطوابير الخبز وغيرها من ركائز الحياة المدنية.
البطاريات المضادة للطائرات التي قام بتركيبها أعطت الطائرات الروسية والسورية تفوقًا جويًا على إدلب، ونُفذت عمليات قصف مدمرة دون عقاب على مدى السنوات الخمس الماضية. تم إسقاط العديد من الطيارين المقاتلين الذين شاركوا في الحرب السورية فوق أوكرانيا.
وكان دفورنيكوف مسؤولاً أيضًا عن الحملة الروسية ضد تنظيم "داعش" في شرق سورية، وحاولت الدعاية الروسية الخلط بين النزاعين، بدعوى أنهما تقاتلان العدو نفسه على جانبي البلاد.
كان تدخل بوتين في سورية بحجة محاربة الإرهابيين الذين كانوا يحاصرون البلاد. ومع ذلك، لم تستهدف الضربات الجوية الروسية الأولى تنظيم "داعش" أو جبهة النصرة، التي كانت نشطة في ذلك الحين في إدلب. وبدلاً من ذلك، قاموا بضرب جماعات المعارضة التي أدت هجماتها على أرتال المدرعات السورية إلى إضعاف سيطرة بشار الأسد بشكل خطير على الساحل السوري، وبالتالي على دمشق.
من سورية إلى أوكرانيا
ورأت "ذا غارديان" أن الهجوم الروسي قلب مجرى الحرب لصالح الأسد. كانت حرب الروايات أيضًا مائلة جزئيًا نحو الرئيس السوري، مع تمحيص أقل بكثير تجاه النفي الروسي لاستهداف البنية التحتية المدنية كوسيلة لإرهاب السكان وإجبارهم على الخضوع، والتعاطف في كثير من الأوساط مع ادعاءات الزعيمين بأن القتال ضد الأسد كان تحت قيادة "الجهاديين".
اعتبر بوتين الحملة الروسية في سورية نجاحًا، ومنح دفورنيكوف واحدا من أرفع الأوسمة في البلاد. فقدت روسيا عددًا قليلاً جدًا من القوات أو الطائرات في الصراع، وتمكنت من الحفاظ على التفوق الجوي طوال الوقت.
وبرأي الصحيفة أن الأمور ليست دائما متشابهة بين سورية وأوكرانيا، فدفورنيكوف، الذي شغل منصب قائد المنطقة العسكرية الجنوبية منذ عام 2016، يواجه مجموعة مختلفة تمامًا من التحديات في أوكرانيا، حيث لا يسيطر سلاح الجو الروسي على الأجواء، وقواته البرية قد استُنزفت بشكل خطير بسبب الإمدادات المنتظمة من الأسلحة المتطورة التي لم تكن متاحة للمتمردين السوريين.
كما أن عليه مواجهة الكمّ الهائل من البيانات القادمة من منطقة الحرب والتي تدحض مزاعم روسيا بشأن النجاح في ساحة المعركة.
ونقلت "واشنطن بوست" عن وكالات الاستخبارات الغربية تأكيدها أنه بعد انسحاب القوات الروسية من ضواحي كييف، لتعيد تركيز جهودها على الاستيلاء على جنوب وشرق أوكرانيا، فإن دفورنيكوف كان يتولى القيادة بالفعل. ورغم أن الكثير لا يزال غير معروف عن القائد العسكري الروسي، إلا أن تجربته في الإشراف على القوات في جنوب وشرق أوكرانيا، والوقت الذي قضاه قائدا في سورية هما عنصران أساسيان في خلفيته.
وأضافت الصحيفة عن مارك جالوتي، الأستاذ الفخري في جامعة كوليدج لندن، أن دفورنيكوف يخوض السباق ليحل محل رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، والمعروف عنه أنه أحد الضاربين الحقيقيين بين العسكريين من جيله.
وبحسب الصحيفة، فإن خبراء ومراكز أبحاث يجدون في تعيين دفورنيكوف قائدا عاما أمرا منطقيا، بالنظر إلى أن الجهود الروسية الرئيسية المعلنة كلها تقريبًا في منطقة مسؤوليته، وأنه قبل هذا التغيير، كان دفورنيكوف من بين قائدين أو ثلاثة قادة آخرين مسؤولين عن جبهات مختلفة في أوكرانيا، وإن كان الجنرال الروسي خيارا مثيرا للاهتمام فإنه لم يكن مستبعدا نظرًا لتجربته في الشرق وسمعته كقائد مبتكر و"شخص يمكنه التعامل مع وضع جديد وغير مألوف".
أما مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، فقد قال خلال برنامج "حالة الاتحاد" على شبكة "سي أن أن"، يوم الأحد: "لا يمكن لأي تعيين لأي جنرال أن يمحو حقيقة أن روسيا واجهت بالفعل فشلًا استراتيجيًا في أوكرانيا"، مضيفا أن هذا الجنرال بالذات لديه "سيرة ذاتية تتضمن الوحشية ضد المدنيين في مسارح أخرى في سورية. ويمكننا توقع المزيد من نفس الشيء في هذا المسرح".
وقال سوليفان لـ" سي أن أن" إن هذا الجنرال "سيكون مجرد مرتكب آخر للجرائم الوحشية ضد المدنيين الأوكرانيين (...) الولايات المتحدة مصممة على بذل كل ما في وسعها لدعم الأوكرانيين وهم يقاومونه ويقاومون القوات التي يقودها".
وأضاف: "سياستنا لا لبس فيها، إننا سنفعل كل ما في وسعنا لمساعدة أوكرانيا على النجاح (...) مما يعني أننا بحاجة إلى الاستمرار في منحهم الأسلحة حتى يتمكنوا من إحراز تقدم في ساحة المعركة. ونحن بحاجة إلى الاستمرار في منحهم الدعم العسكري والعقوبات الاقتصادية القوية لتحسين وضعهم ووضعهم على طاولة المفاوضات".