دفء في العلاقات السعودية الأميركية

09 اغسطس 2023
رغم توتر شهدته العلاقات السعودية الأميركية فإنه لم يصل لحدّ القطيعة (أسوشييتد برس)
+ الخط -

تؤشر سلسلة زيارات قام بها مسؤولون أميركيون إلى السعودية مؤخراً إلى عودة الدفء إلى العلاقات بين الرياض وواشنطن.

فبعد أقلّ من عام على توجيه واشنطن تحذيراً للرياض من "عواقب" غير محددة، على خلفية خلاف حول إمدادات النفط، أوفد الرئيس الأميركي جو بايدن مساعدين كباراً له لعقد لقاءات مع العائلة المالكة السعودية.

وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وصل مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان إلى مدينة جدة، الساحلية المطلة على البحر الأحمر، لحضور محادثات بشأن الحرب في أوكرانيا، وهي ثالث زيارة يقوم بها إلى المملكة في غضون بضعة أشهر.

وحصلت جلسات ثنائية بين الجانبين الأميركي والسعودي، لا سيما خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في يونيو/حزيران، التي استمرّت ثلاثة أيام، تطرّقت إلى مواضيع عدة بينها الإرهاب والحرب في اليمن. وكان تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بنداً أساسياً على جدول الأعمال.

ويرى المحلّل السعودي، المقرّب من الحكومة، علي الشهابي أن "العلاقات الأميركية السعودية بلا شكّ تحسّنت في الأشهر الأخيرة".

ويضيف "أصبح الحوار أكثر شمولاً وودّاً"، مشيراً إلى أن موضوع التطبيع مع إسرائيل كان "المحرّك لذلك".

لكن لا تزال العقبات أمام التوصل إلى اتفاق فعلي على التطبيع، كبيرة. ويُقال إن الرياض تفاوض بشراسة لانتزاع مكاسب من الأميركيين، بما في ذلك ضمانات أمنية ومساعدة في برنامج نووي مدني قادر على تخصيب اليورانيوم.

ولطالما تعهّد المسؤولون السعوديون الالتزام بموقف جامعة الدول العربية منذ عقود، وهو عدم تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل حلّ النزاع مع الفلسطينيين.

ويقول مدير برامج الأمن القومي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في الرياض هشام الغنّام إنه على الرغم من ذلك، فإن التنسيق بين واشنطن والرياض حالياً "أفضل من أي وقت مضى في العامين الماضيين".

ويؤكد أن العلاقات في الوقت الراهن "أكثر دفئاً وقرباً. ليست في وضع مثالي، لكنها في أفضل حال منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه".

توتر مألوف

والقضايا التي توتّر العلاقات الأميركية السعودية القائمة منذ عقود، معروفة، وأبرزها ملفّ حقوق الإنسان، والمخاوف السعودية بشأن مصداقية واشنطن كشريك أمني.

وتزايدت هذه المخاوف بعد الهجمات على منشآت النفط السعودية عام 2019 التي تبناها المتمردون الحوثيون في اليمن، واتُهمت إيران بالوقوف خلفها. وقد تسبّبت بخفض إنتاج الخام إلى النصف لفترة مؤقتة.

وشعر آنذاك السعوديون بخبية أمل كبيرة بسبب فتور ردّ إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على هذه الهجمات، ما أدى بالنسبة للرياض إلى تقويض عملية مقايضة النفط في مقابل الأمن التقليدية مع واشنطن.

ويرى الغنّام أن التعاون المتنامي مع موسكو وبكين يُظهر أن الرياض لم تعد راضية عن وضع "كل البيض في السلّة الأميركية".

ويشير إلى أنه حتى في الوقت الذي يعمل فيه السعوديون على بناء ما وصفه أحد مستشاري الحكومة بـ"محفظة علاقات مع قوى عالمية"، من المهم عدم المبالغة في تقييم أي تراجع لمكانة واشنطن.

ويتابع "ليس لدى أي قوة عظمى وجود عسكري كبير في المنطقة غير الولايات المتحدة، وستبقى الحال كذلك لسنوات عديدة مقبلة". وأحدث دليل على ذلك هو نشر الولايات المتحدة ثلاثة آلاف جندي أميركي في البحر الأحمر هذا الأسبوع، ضمن الردّ على احتجاز إيران ناقلات نفط في المنطقة.

"المسؤولية على عاتق إسرائيل"

ويقول مسؤول أميركي كبير سابق في السياسة الخارجية جون هانا الذي يزور المملكة منذ ثلاثة عقود، إن كلّا من واشنطن والرياض شعرت خلال فترة الخلاف حول إنتاج النفط، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالانزعاج من التراشق الكلامي شديد اللهجة الذي نجم عن الخلاف.

ويضيف أن التراشق "امتدّ إلى حدّ قول مسؤولين سعوديين كبار: حسناً ربما تعيدون تقييم العلاقة وقد تكون لديكم أسئلة حول مستقبل هذه الشراكة، لكن دعونا نقول لكم إننا نفعل ذلك أيضاً".

ورغم ذلك، لم يتمّ التفكير يوماً بشكل جدّي في قطيعة فعلية.

على خطّ موازٍ، كان السعوديون يطرحون شروطهم لإبرام اتفاق تطبيع مع إسرائيل، من شأنه ضمان تعاون طويل الأمد مع واشنطن.

ويقول هانا الذي يعمل حالياً في المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي إن سلسلة الزيارات الأخيرة لمسؤولين أميركيين إلى السعودية و"النقاشات الجدّيّة الرامية إلى الارتقاء بالعلاقات الأمنية إلى مستويات جديدة" تشير إلى وجود "مناخ أفضل بكثير بين كبار صنّاع القرار".

ولم يمرّ التقارب الأميركي السعودي الجديد مرور الكرام لدى البعض خصوصاً لدى السلطة الفلسطينية التي تأمل في أن تتمسّك الرياض بمطلبها إقامة دولة فلسطينية مستقلّة.

وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لصحافيين، في رام الله الأسبوع الماضي، "آمل أن يتمسّك السعوديون بهذا الموقف وألا يرضخوا لأي نوع من الضغط أو الترهيب الممارس من جانب إدارة بايدن أو أي قوة أخرى".

وفي مقابلة الأحد مع صحيفة "إيلاف" الإلكترونية السعودية، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إن "القضية الفلسطينية لن تكون عائقاً أمام السلام".

غير أنّ الغنّام يؤكد أن الرياض في حاجة إلى أن تعرف ما إذا كان الإسرائيليون "يعملون فعلياً على إحراز تقدم ملموس في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي".

ويضيف "المسؤولية الآن لا تقع على عاتق السعودية إنما على إسرائيل لإبداء استعدادها لتحقيق السلام مع المملكة".

(فرانس برس)

المساهمون