"هآرتس": الجيش الإسرائيلي يستخدم مدنيين فلسطينيين دروعاً بشرية لتمشيط الأنفاق والمباني

14 اغسطس 2024
قوات الاحتلال بعد إخلائها مقر أونروا في مدينة غزة، 8 فبراير 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **استخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية**: كشف تحقيق لصحيفة "هآرتس" أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم مدنيين فلسطينيين دروعا بشرية عند تمشيط الأنفاق والمباني بقطاع غزة، بمعرفة مكتب رئيس الأركان وضباط كبار.

- **شهادات الجنود الإسرائيليين**: نقلت "هآرتس" عن جنود إسرائيليين قولهم إن حياتهم أهم من حياة الفلسطينيين، وأظهرت مقاطع فيديو جنودا يلبسون المعتقلين الفلسطينيين الزي العسكري قبل إرسالهم للمنازل المدمرة وفتحات الأنفاق.

- **ردود الفعل والمطالبات**: دعا القيادي في حماس، عزت الرشق، محكمة العدل الدولية إلى ضم هذه الاعترافات إلى ملف جرائم الحرب، بينما ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن التعليمات تحظر استخدام المواطنين الغزيين في مهام عسكرية.

كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، الثلاثاء، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم بشكل ممنهج مدنيين فلسطينيين دروعا بشرية عند تمشيط الأنفاق والمباني بقطاع غزة. وأضافت الصحيفة أن استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية بغزة يجري بمعرفة مكتب رئيس الأركان هرتسي هليفي وضباط كبار بالجيش الإسرائيلي. وعبر سلسلة شهادات من جنود وقادة بجيش الاحتلال الإسرائيلي، كشفت الصحيفة أن عناصره يقومون بنقل فلسطينيين من غزة غير مشتبه بكونهم "مسلحين" إلى وحدات مختلفة تابعة له؛ حيث يقوم باحتجازهم كمعتقلين، ثم يرسلهم لمرافقة قواته عند تفتيش الأنفاق والمنازل بالقطاع.

وأضافت أن "هؤلاء الفلسطينيين عادة ما يكونون في العشرينيات من عمرهم، وغالبا ما يرتدون زي الجيش الإسرائيلي، لكن بنظرة أكثر تركيزاً ستكتشف أنهم ينتعلون أحذية رياضية، وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم، ووجوههم تظهر عليها علامات الخوف". وتابعت الصحيفة: "هؤلاء هم الفلسطينيون الذين تستخدمهم وحدات الجيش الإسرائيلي في غزة بهدف واحد: أن يكونوا دروعا بشرية للجنود في عملياتهم؛ حيث يمشطون الأنفاق والمباني قبل دخول القوات إليها".

"حياتنا أهم من حياتهم"

وفي تحقيقها، نقلت "هآرتس" عن جنود إسرائيليين قولهم: "قالوا (لنا في الجيش) إن حياتنا أهم من حياتهم (الفلسطينيين)، وإنه في النهاية من الأفضل أن يكون جنودنا على قيد الحياة، وأن ينفجروا هم جراء عبوة ناسفة". و"يتكرر الأمر مراراً وتكراراً"، بحسب الصحيفة؛ حيث يقوم جنود الاحتلال بتحديد الشبان الفلسطينيين "المناسبين" للمهام وإحضارهم إلى ألوية وكتائب الجيش العاملة في القطاع.

ونقلت "هآرتس" عن جندي مكلف بتحديد الشبان الفلسطينيين "المناسبين" للاستخدام دروعا بشرية: "الرتب العسكرية الكبيرة تعلم بالأمر، وهناك فخر بذلك في أوساط الجيش". ورغم ارتكابه بشكل منهجي هذه الممارسات التي تتناقض مع القانون الدولي الإنساني، واتفاقية حنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، تقول "هآرتس" إن جيش الاحتلال الإسرائيلي "حاول الظهور بمظهر البريء عندما نشرت قناة الجزيرة القطرية قبل نحو شهرين مقاطع فيديو توثق استخدامه الفلسطينيين دروعا بشرية في غزة".

وفي مقاطع الفيديو التي تم عرضها آنذاك، "شُوهد جنود من الجيش الإسرائيلي وهم يقومون بإلباس المعتقلين الفلسطينيين الزي العسكري، ويثبتون الكاميرات عليهم، قبل إرسالهم للمنازل المدمرة وفتحات الأنفاق، وكل ذلك بينما كانت أيديهم مقيدة بالأصفاد"، وفق "هآرتس". ووقتها أبدت الإدارة الأميركية غضبها، لكن نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل علق بقوله: "أفاد الجيش الإسرائيلي بأنه يُحقق في الأمر"، وبأن ما ورد في مقاطع الفيديو "لا يعكس قيمهم، ويُعد مخالفة للتعليمات والإجراءات".

وقالت "هآرتس" إن مقاطع الفيديو التي بثتها الجزيرة لم تثر دهشة الجنود الإسرائيليين في غزة بطبيعة الحال. ونقلت عن جندي شارك في استخدام فلسطينيي غزة دروعا بشرية قوله: "عندما شاهدت تقرير الجزيرة، قلت: نعم، هذا صحيح، ثم رأيت رد الجيش الإسرائيلي الذي لا يعكس الواقع على الإطلاق، رغم أن ذلك يتم على الأقل بعلم قائد لواء".

مسنون وفتيان دروع بشرية أيضاً

ووفق الشهادات التي جمعتها "هآرتس" عبر تحقيقها، يتبين أن معظم الفلسطينيين، الذين يتم استخدامهم كدروع بشرية، هم من الشبان، لكن هناك أدلة على أنه في بعض الحالات تم استخدام "فتيان صغار أو مسنين أيضًا". ومن واقع تجربة شخصية لأحد الجنود كان يُقال للفلسطينيين عند إجبارهم على العمل كدروع بشرية: "قم بمهمة واحدة فقط، وسيتم إطلاق سراحك". لكن هذا الوعد لم يكن يُعطى للجميع؛ إذ كان بعض الفلسطينيين تبقيهم القوة الإسرائيلية كـ"دروع بشرية" لمدة 24 ساعة، والبعض الآخر يبقى لمدة يومين أو حتى أسبوع أو أكثر، وفق "هآرتس".

وحسب الصحيفة العبرية، تم استخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية بمناطق مختلفة من غزة، لكن نمط العمل كان مشابهاً جداً، كما يقول جندي إسرائيلي مكث هناك لعدة أشهر. يقول هذا الجندي للصحيفة إنه "عندما وصل هو وزملاؤه إلى حيث يقيم قائد اللواء شاهد شاباً مجهولاً يمشي ذهاباً وإياباً، وهو يرتدي زياً عسكرياً بدون سترة، وينتعل حذاءً رياضيا، برفقة جنود يحرسونه". وطُلب من الجندي مرافقة هذا الشاب طوال الوقت بما في ذلك خلال ذهابه للحمام.

وتقول "هآرتس": "يذكر الجندي أنه في هذه المرحلة لم يكن يفهم ما يدور حوله، لكن في اليوم التالي اتضحت الصورة بالنسبة له". إذ "طُلب من القوة الخروج لتفقد أحد الأنفاق الموجودة ضمن منطقتها القتالية، وقبل دخول الجنود إلى هذا النفق تم إرسال الشاب (الفلسطيني) إلى داخل النفق بعد تثبيت كاميرا على ظهره وتقييد يديه".

ولفتت "هآرتس"، في تحقيقها، إلى أن استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية ليس وليد الحرب الحالية على غزة. وأوضحت أنه أثناء عملية "الجدار الوقائي" عام 2002، استخدم الجنود الإسرائيليون السكان المدنيين بالضفة الغربية لتفتيش المنازل؛ بسبب خوفهم من أن تكون مفخخة. وأضافت: "مع تواتر القصص والتقارير من هذا النوع، تقدمت منظمات حقوق الإنسان بالتماس إلى المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية بإسرائيل)، والتي قضت في عام 2005 بأن هذا الإجراء مخالف لقواعد القانون الدولي وغير قانوني". وتابعت: "أمر رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك دان حالوتس الجيش بتطبيق قرار المحكمة بشكل كامل، لكن بعد مرور نحو 20 سنة يبدو أن هذه الممارسة عادت من جديد".

بعلم كبار المسؤولين

ووفق ما أفاد به مصدر عسكري بقيادة الجيش لـ"هآرتس"، يتضح أن من بين كبار المسؤولين بالجيش الإسرائيلي الذين كانوا على علم باستخدام الفلسطينيين في غزة دروعا بشرية، رئيس الأركان هرتسي هليفي، وقائد المنطقة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان. وقال المصدر: "في كل نقاش طُرح فيه هذا الموضوع، كان هناك قادة يحذرون من الآثار القانونية إذا تم الكشف عن القضية علنا".

بدوره، أفاد جندي بأحد ألوية الجيش للصحيفة بأن ظاهرة استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية في غزة "ليست جديدة، ولم تبدأ في الأسابيع القليلة الماضية فقط، بل قبل ذلك بكثير". ومضى موضحا: "قبل حوالي 5 أشهر، تم إحضار فلسطينيين اثنين إلينا، كان أحدهما في العشرينيات من عمره والآخر في السادسة عشرة من عمره. وقيل لنا: إنهما من سكان غزة استخدموهما دروعاً بشرية".

في ذلك اليوم، يقول الجندي، بدأ زملاؤه في الوحدة بطرح الأسئلة، محاولين معرفة سبب الأمر، ومن أعطى التعليمات باستخدام مدني درعا بشريا. ويضيف الجندي أنه في إحدى المحادثات التي واجه فيها الجنود القادة حول سبب استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية قيل لهم من بين أمور أخرى، إن السبب هو أن العديد من كلاب وحدة "عوكيتس" المستخدمة في الكشف عن المتفجرات قُتلت أو أُصيبت خلال المهام أو جرى تسريحها بعد تراجع حواسها العملياتية.

حماس تدعو لضم الاعترافات لملف جرائم الحرب

تعليقاً على ذلك، قال القيادي في حركة حماس، عزت الرشق، إن "ما كشف عنه تحقيق صحيفة هآرتس العبرية اليوم من استخدام جيش الاحتلال النازي المدنيين الفلسطينيين دروعا بشرية لتمشيط الأنفاق والمباني في غزة، يؤكد مجدداً ارتكاب جيش العدو جرائم حرب موصوفة تجب إدانتها من كل العالم". ودعا محكمة العدل الدولية إلى ضم هذه الاعترافات إلى ملف جرائم الحرب التي يحاكم عليها الاحتلال، مطالباً المنظمات الدولية والحقوقية بفضح وإدانة هذه الجرائم، وملاحقة ومحاسبة قادة الاحتلال.

من جانبه، ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أن "التعليمات تحظر استخدام المواطنين الغزيين الذين يتم القبض عليهم في الميدان في مهام عسكرية تشكل خطرا متعمداً على حياتهم". وأضاف هاغاري، في رده على "هآرتس" التي طلبت تعليقه على التحقيق: "تم توضيح تعليمات وأوامر الجيش في هذا الشأن للقوات، وتم تحويل الادعاءات (بشأن استخدام الغزيين دروعا بشرية) إلى الجهات المختصة لفحصها".

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون