دروس التجربة التونسية المهدورة

20 ديسمبر 2021
تعرض معتصمو شارع بورقيبة لتضييقات أمنية واعتداءات (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -

يعيش التونسيون مرحلة صعبة للغاية، وتسود حالة من التوتر بسبب وضع الانقسام الذي يشق البلاد، وسط ضبابية كاملة حول مآلات هذا الصراع السياسي الذي يرتد على كل مجالات الحياة وينذر بنفاد صبر المواطنين الذين تتعقد أحوالهم أكثر فأكثر، ويسري فيهم اليأس من إمكانية الإصلاح بسبب ما تبيّنه المؤشرات الاقتصادية الكارثية التي تنذر بأيام صعبة جداً.

وتبدو أحداث الأيام الماضية مثيرة للتعجب وللأسف، من نخبة سياسية بالخصوص، لا يبدو أنها ترغب في التعلم من تجاربها السابقة، القريبة والبعيدة. فقد جربت البلاد كل شيء، الديكتاتورية والحرية، الوحدة والخلاف، الحوار والصراع، ولكن يبدو أن النسيان أو ربما العمى السياسي، يجعل الواحد لا يرى إذا ما سيطرت شهوة السلطة على عقله.

والغريب أن يأتي هذا التصرف من أحزاب وشخصيات ديمقراطية فرّقتها أوهام الفوز الممكنة، مع أنها تخسر أكثر مما تربح، ومع أن الرهان هذه المرة هو التجربة الديمقراطية كلها، بانتخاباتها وحريتها ومؤسساتها ومستقبلها.

تابع التونسيون ما لاقاه معتصمو شارع بورقيبة من تضييقات واعتداءات أمنية انتهت بهم إلى تعليق اعتصامهم، من دون أن ينبس حزب ديمقراطي واحد ببنت شفة، على الرغم من النداء الذي أطلقه مناضلو "المبادرة الديمقراطية" للأحزاب والمنظمات لدعمهم وتمكينهم من حق دستوري. ولكن الحسابات السياسية التافهة أخرست للأسف أغلب الأصوات يوم السبت الماضي، ولم يلقَ المعتصمون وقتها أي دعم باستثناء القليل.

لم يتعلم الديمقراطيون أن الألم قد يبدو في الأطراف ولكنه سيصل إليك في النهاية، ولم يتعلم المعتدون أن هناك محاكمات بسبب مثل هذه الاعتداءات لا تزال تجري إلى اليوم في تونس، ولم يتعلم التونسيون عموماً بأن سبيلهم هو الحوار، على الرغم من أنهم نجباء الحوار في العالم.

ولكن الأغرب هو ما أتاه أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، الذي يستشيره الرئيس قيس سعيد مع بعض زملائه في ملفاته القانونية، إذ قال إن ''الاجتهاد الجماعي الذي جُرب منذ سنة 2011 أفرز منظومة بعيدة كل البعد عن الديمقراطية، وانتخابات مزورة بوجود دستور وقوانين وهيئات وسلطة قضائية". وأكد في حوار إذاعي أن ''دور اللجنة ليس الإصلاحات الدستورية فقط، بل مراجعة كل ما يتعلق بالمناخ السياسي''، و"سيتم إصلاح القانون الانتخابي وقانون الأحزاب وسبر الآراء بمراسيم، وباستشارة لجنة الخبراء التي سيتم تكوينها".

لا ندري من أين أتى الأستاذ، على الرغم من كل علمه، بهذا الحق في إسقاط "التجربة الجماعية" لأنها لم تفلح في رأيه، والاقتصار على تجربته وزملائه لتحديد مصير ملايين من المواطنين، فيهم من يملك رأياً مثله... كأن بعض المثقفين والمفكرين لا يتعلمون من الماضي، مع أنه لا يزال هنا قريباً.