درعا السورية... فوضى أمنية وفلتان بغطاء رسمي

25 مارس 2024
عناصر من قوات النظام في درعا البلد، 2021 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- محافظة درعا في جنوب سورية تشهد فوضى واضطراب أمني مع اشتباكات وعمليات اغتيال وخطف، تورط فيها أجهزة النظام ومجموعات مسلحة محلية، بالإضافة إلى تدخلات من أطراف دولية مثل روسيا.
- منذ بداية العام، درعا سجلت 66 حادثة استهداف أدت إلى مقتل 79 شخصًا، ما يعكس استمرار العنف واستراتيجية النظام في استخدام الفتنة والاغتيالات للسيطرة على المحافظة.
- الوضع في درعا يؤثر على الأمن الإقليمي، خاصة بتهريب المخدرات إلى الأردن ودول الخليج، مع استخدام النظام السوري للفوضى كاستراتيجية لتعزيز سيطرته وإضعاف المعارضة.

لا تكاد الأوضاع الأمنية في محافظة درعا جنوبي سورية، تتراجع عن واجهة المشهد، حتى تعود بأبعاد جديدة تؤكد أن الفوضى التي تضرب المحافظة، منذ استعادة النظام السيطرة عليها قبل نحو ست سنوات، إنما تحصل تحت غطاء رسمي من الأجهزة الأمنية التابعة لهذا النظام.

واندلعت أول من أمس السبت اشتباكات واسعة النطاق بين مجموعة تابعة لـ"اللواء الثامن" الذي يتبع الجانب الروسي، وأخرى من جهاز الاستخبارات الجوية، التي يتزعمها المدعو محمد عماد الكردي، في بلدة المسيفرة، انتهت بخروج المجموعة الأخيرة إلى بلدة مجاورة.

وذكر "تجمع أحرار حوران"، وهو "مؤسسة إعلامية مستقلة تنقل أحداث الجنوب السوري وتوثق الانتهاكات فيه"، أن الكردي متورط بتنفيذ عشرات عمليات الاغتيال والخطف لصالح أجهزة النظام الأمنية، خصوصاً لصالح الاستخبارات الجوية التي تدعم المجموعة بالأسلحة والبطاقات الأمنية وتؤمن التنقل والحماية لعناصرها في المنطقة، وفق المصدر.

بلغت حصيلة الاستهدافات في درعا، منذ مطلع العام الحالي، 66 حادثة تسببت بمقتل 79 شخصاً، وفق المرصد السوري

وأشار التجمع إلى أن "مجموعة الكردي حاولت أخيراً خلق فتنة عشائرية من خلال قيامها بخطف شاب من أبناء منطقة اللجاة وتسليمه للاستخبارات الجوية، لتحصل عمليات خطف مضادة"، موضحاً أن تدخّل وجهاء من الريف الشرقي وآخرين من اللجاة أسهم في حل الخلاف.

محافظة درعا ضحية انتقام النظام

ولا تزال محافظة درعا ساحة قتل واغتيال منذ منتصف عام 2018 حين استعاد النظام السيطرة عليها بعد اتفاقات تسوية مع فصائل المعارضة بضغط روسي، تبين لاحقاً أن النظام اتخذها وسيلة للفتك بكل معارضيه وتسليم المحافظة للفوضى من خلال مجموعات محلية متفلتة تمارس كل شيء بدعم وإشراف من الأجهزة الأمنية. ويبدو أن النظام لم ينس أن شرارة الثورة السورية ضده انطلقت من درعا في 18 مارس/آذار 2011، لذا يمعن كما يبدو في عمليات انتقامية بحق سكانها.

ولا يكاد يمر يوم من دون عمليات قتل واغتيال بحق أشخاص في المحافظة، فضلاً عن عمليات أخرى تقوم بها مجموعات تابعة للمعارضة تستهدف من خلالها ضباطاً وعناصر من قوات النظام ومن الأجهزة الأمنية.

وفي هذا الصدد، ذكرت مصادر محلية وشبكات إخبارية، أمس الأحد، أنه جرى استهداف تجمّع لقوات النظام بعبوة ناسفة قرب تل الجابية في محيط مدينة نوى غربي درعا، مرجحة سقوط قتلى ومصابين من عناصر هذا التجمع. وقُتل أول من أمس السبت شابان إثر استهدافهما بالرصاص المباشر من قبل مسلحين مجهولين بالقرب من مؤسسة الإسمنت في مدينة طفس غربي درعا، وفق مصادر محلية أشارت إلى أن القتيلين كانا يعملان ضمن مجموعة محلية يقودها خالد الطيباوي الزعبي في مدينة طفس.

كما قُتل السبت شخص في منطقة طريق السد جراء استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين. وفي السياق، سقط أول من أمس أربعة قتلى في مدينة الصنمين، في ريف درعا الشمالي، بإطلاق نار مباشر بعد مداهمة مسلحين مجهولين منزلاً كان القتلى يقيمون فيه. كذلك قُتل شاب إثر عملية اغتيال طاولته من قبل مسلحين مجهولين في حي طريق السد بدرعا، السبت، أسفرت أيضاً عن مقتل الطفل عمر حمدان وإصابة 4 مدنيين بجروح متفاوتة، حالات بعضهم خطيرة، كانوا في موقع الاستهداف. وأشارت شبكات إعلامية محلية إلى أن المسلحين كانوا يستقلون سيارة توجهت إلى مركز مدينة درعا عقب تنفيذ عملية الاغتيال، لافتة إلى أن القتيل يتحدر من مخيم درعا، وعمل في السابق ضمن صفوف "الجيش السوري الحر"، ولم ينخرط في صفوف النظام عقب التسوية.

يوسف مصلح: المجموعات المسلّحة لديها صلاحيات تنفيذ عمليات سرقة وخطف مقابل تنفيذ اغتيالات وتهريب المخدرات

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بلغت حصيلة الاستهدافات في درعا، منذ مطلع العام الحالي، 66 حادثة تسببت بمقتل 79 شخصاً، هم: 17 من المدنيين، بينهم امرأتان و4 أطفال، و30 من قوات النظام والأجهزة الأمنية التابعة لها والمتعاونين معها، و4 من المتهمين بترويج المخدرات، و2 من "اللواء الثامن" الموالي لروسيا، و12 من تنظيم "داعش" بينهم قيادي، و12 من الفصائل المحلية المسلحة، وعقيد منشق عن قوات النظام، وشخص مجهول.

وأشار المحلل العسكري العميد أسعد الزعبي (وهو من أبناء محافظة درعا)، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن النظام "يريد هذه الفوضى وهذا الفلتان الأمني والتدهور الحاصل في المحافظة"، مضيفاً أن النظام "يريد التخلص من كل أبناء الجنوب السوري حيث استخدم الفتنة والتفرقة والخطف والاغتيال والتهجير والمخدرات".

كما رأى الزعبي أن أجهزة النظام الأمنية وقواته "تريد إضعاف محافظة درعا للتفرغ للسويداء"، المتاخمة من الجهة الشرقية، والتي تشهد حراكاً شعبياً ثورياً ضد النظام منتصف العام الماضي، عجز النظام حتى اللحظة عن التعامل معه.

رسائل للداخل والخارج

وعن أسباب تفاقم التدهور الأمني في الآونة الأخيرة في محافظة درعا، أعرب الزعبي عن اعتقاده بأن النظام "يريد توجيه رسائل للخارج مفادها أن استقرار الجنوب السوري لا يتم إلا بوجوده، وأن الفوضى تؤثر على دول الجوار". وبرأيه، فإنه "من الواضح أن لدى النظام جملة أهداف يريد تحقيقها من وراء تغذية الفوضى في درعا، من بينها إفراغ الجنوب من الشباب لاستقدام الكثير من المليشيات الموالية له".

أسعد الزعبي: النظام يريد إضعاف محافظة درعا للتفرغ للسويداء

وتعد محافظة درعا أهم منافذ تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج العربي وخصوصاً السعودية. وتشير المعطيات إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تقف وراء جلّ عمليات تهريب المخدرات، وهو ما دفع الجانب الأردني للتدخل عسكرياً حيث قصفت طائرات أردنية العديد من المواقع في الجنوب السوري خلال العامين الماضي والحالي في محافظتي درعا والسويداء.

بدوره، رأى الناشط الإعلامي يوسف مصلح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "فروع النظام الأمنية تغذي الفوضى في محافظة درعا لتتمكن من بسط سيطرتها على مدن وبلدات المحافظة بشكل أكبر".

وتابع مصلح أن "هذه الأجهزة مستمرة في عمليات تصفية معارضي النظام والمؤثرين في محافظة درعا"، مضيفاً أنها "وراء انتشار مجموعات مسلحة محلية في عموم المحافظة مدعومة منها، ولديها صلاحيات في تنفيذ عمليات السرقة والخطف والنهب وإثارة الفوضى مقابل تنفيذ اغتيالات وتهريب المخدرات وبيعها لصالح هذه الأجهزة".

المساهمون