يدور جدل كثيف وكبير في الأوساط السودانية بشأن وصول مجموعات متشددة دينياً، ضمنها أجانب، والاستقرار في إحدى مناطق إقليم دارفور المضطرب. البعض ربط المجموعة بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بالنظر إلى تشددها و"تبشير" أهل المنطقة بإقامة مدينة إسلامية في إقليم دارفور، فضلاً عن إنشاء خلوة لتحفيظ القرآن والعقيدة والدعوة. فيما رأى البعض الآخر أنها محاولات حكومية لتغيير تركيبة المنطقة بتوطين أشخاص من خارج دارفور، وهو جدل بقي قائماً منذ انطلاقة الحرب في إقليم دارفور عام 2003، إذ ظلت الحركات المسلّحة تتهم الحكومة بتوطين قبائل عربية متداخلة مع دول مجاورة في الإقليم ضمن اتهامها بإبادة وتهميش قبائل الزرقة في دارفور. بينما تعتقد مجموعة أخرى أن الدعاة مجرد مجموعات دينية درجت على التنقل من منطقة إلى أخرى وإن بدا عليها التشدد.
كما اتهم جناح عبدالواحد نور في حركة "تحرير السودان"، الحكومة أيضاً بجلب مجموعات جهادية بجنسيات مختلفة وبكامل أسلحتها إلى دارفور وتحت حماية الأجهزة الأمنية. وأشار في بيان إلى "توجيهات حكومية بتوطين نحو ثلاثة آلاف وثلاثمائة جهادي في سبع مناطق بولاية وسط دارفور، فضلاً عن أربعمائة آخرين في منطقة ديسة بالقرب من كتم شمالي دارفور". واعتبر الخطوة "في إطار استراتيجية الحكومة لتغيير الخارطة السكانية لدارفور بإحلال مجموعات سكانية جديدة من المستوطنين الجدد والجهاديين الإسلاميين وتوطينهم في قرى السكان الأصليين الذين شرّدتهم الحرب والقصف الحكومي".
لكن الحكومة السودانية نفت تماماً صحة الواقعة واعتبرتها مجرد أكذوبة تروّجها المعارضة. وأكد نائب والي شمال دارفور آدم النحلة، لوفد عسكري ألماني زار البلاد نهاية مارس/آذار الماضي، خلو الولاية من أي وجود لتنظيمات إرهابية، مشيراً إلى الانتشار الواسع للجيش السوداني في المناطق الحدودية مع الجارتين ليبيا وتشاد، لمنع تسلل عناصر من "داعش" و"بوكو حرام" إلى السودان. وكان جهاز الأمن السوداني قام بتخريج دفعة من ألف عنصر من قوات الدعم السريع "الجنجويد"، معلناً أن مهام تلك القوة حماية حدود البلاد، لا سيما مع الجارة ليبيا.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فإن المجموعة دخلت أولاً إلى مدينة المالحة في شمال دارفور، والتي تُعدّ منطقة حدودية مع ليبيا والنيجر حيث تنشط الجماعات الإرهابية هناك، لكنها لم تجد المنطقة مريحة لها بسبب خلافات حصلت فضلاً عن صعوبة تكيّفها مع الوضع في المالحة، ما قاد المجموعة للانتقال إلى منطقة ديسة في شمال كتم شمال دارفور.
ووفق شهادات بعض الأهالي، فإن جميع النساء اللواتي رافقن المجموعة كنّ يرتدين النقاب، كما أن المجموعة تضم عناصر من جنسيات مختلفة من نيجيريا ومالي والصومال فضلاً عن دول شرق آسيا. وما أثار مخاوف الأهالي، أن المجموعة أتت من جهة منطقة الدندر التي أوقفت السلطات السودانية فيها أكثر من مرة مجموعات دينية متشددة كانت تخطط لهجمات إرهابية خارجية وداخلية. لكن البعض أعرب عن اندهاشه بسبب "وصول تلك المجموعة تحت حماية قوات الدعم السريع (الجنجويد)"، ما أثار الشكوك حول تلك المجموعة والمهام التي ستقوم بها وإن كان الأمر جرى بعلم الحكومة.
وحذر النائب المستقل إبراهيم الطيب من وصول جماعات دينية إلى منطقة كتم، مطالباً السلطات بالإسراع في إبعادها. وأوضح الطيب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المجموعة عند وصولها إلى منطقة ديسة شمال كتم، ادعت أنها تتبع الطريقة التجانية لكن عند سؤال أهل المنطقة نفوا تماماً علمهم بطريقة هذه الجماعة، إضافة إلى أن المتابع يجد أن سلوك هذه المجموعة وممارستها للدين تختلف عن الطريقة التجانية، إذ إن طريقة لبس عناصرها تختلف، فالمرأة لديهم منقبة تماماً ورجالهم ملتحون ويرتدون ملابس قصيرة باللون الأخضر، وهو ما أثار ذعر أهل المنطقة خصوصاً أن معهم أجانب. واستبعد تماماً أن يكونوا دعاة كما يزعمون، موضحاً أن "الدعاة لا يخرجون بصحبة أسرهم، فيما عدد المجموعة تجاوز 430 شخصاً، إضافة إلى أن دارفور معروفة بتدينها"، معلناً أنه كنائب دارفوري قام بالاتصال بالأجهزة المحلية وطالب بإبعادهم فوراً، مشيراً إلى أنه تلقى وعداً بإبعادهم.
ويرى مراقبون أن الأوضاع في إقليم دارفور الذي يشهد حرباً منذ ما يزيد عن 12 عاماً، فضلاً عن الحروب القبلية وانتشار السلاح بصورة مخيفة وحدود البلاد الممتدة والمفتوحة والتي يصعب السيطرة عليها، كلها عوامل تجعل إمكانية تسلل المجموعات الإرهابية سواء من "داعش" أو "بوكو حرام" من الدول المجاورة أمراً ممكناً، خصوصاً في حال التضييق عليها، ليشكّل السودان منفذاً ومتنفساً لها.
وفي ندوة لهيئة علماء السودان، رجّح عميد كلية أصول الدين في جامعة أم درمان الإسلامية صلاح الدين عوض، انتشار "داعش" في دارفور بالتزامن مع إجراء الاستفتاء الإداري للإقليم والذي يبدأ التصويت عليه في 11 إبريل/نيسان الحالي، متوقعاً أن يدخل السودان ضمن خارطة تنظيم "داعش" بشكل عملي وواقعي عام 2020، في استراتيجية قال إنها تُقابل انتخابات العام 2020 التي تؤسس للدولة المدنية. وتوقّع أنه في حال فشل المشروع القائم حالياً (في إشارة للنظام الإسلامي في البلاد) فإن ذلك سيمثّل أحد المداخل لوصول "داعش" إلى السودان. وكان تقرير أممي صدر عن لجنة حظر دخول الأسلحة إلى دارفور العام الماضي، قد حذر من سهولة اختراق حدود إقليم دارفور من قبل الجماعات المتطرفة، لا سيما "بوكو حرام" والمجموعات المتشددة في مالي والنيجر وأفريقيا الوسطى بالنظر إلى التداخل القبلي بين تلك الدول ومبدأ التضامن بينها.
ويعتقد المحلل السياسي أحمد ابراهيم أن بداية "داعش" في أية منطقة تكون بأعداد قليلة للتبشير بالدعوة والاستقطاب ومن ثم يزداد العدد للآلاف. وعلى الرغم من استبعاده أن تكون المجموعة التي دخلت إلى دارفور من "داعش"، إلا أنه يرى أن بيئة انتقال "داعش" إلى السودان موجودة، بعد انتقال الخرطوم إلى مربع محاصرة ومحاربة التنظيم، فضلاً عن أن جزءاً من الجيش السوداني يقاتل في اليمن ضمن التحالف العربي، ما يجعل المنطقة مكشوفة ويسهل التصرف فيها، خصوصاً إذا كان لدى "داعش" أموال لاستقطاب المواطنين. ولكنه يرجح أن "يكون دخول تلك المجموعة إلى دارفور ضمن استراتيجية حكومية لتوطينها في المنطقة، فيما المعارضة المسلحة في دارفور عمدت للترويج لها وربطها بـ"داعش" للفت نظر العالم والحد من عملية الاستيطان في دارفور وتغيير تركيبتها".