تنشغل قيادة العمليات العراقية المشتركة، منذ أيام، في وضع خطط أمنية جديدة بمناطق شمالي وشمال شرقي العراق وغربه، لمواجهة التهديدات المتصاعدة لجيوب وبقايا تنظيم "داعش"، والتي تواصل للشهر الثالث على التوالي، تسجيل خسائر في صفوف قوات الأمن والجيش و"الحشد الشعبي" ومقاتلي العشائر، فضلاً عن المدنيين.
ومنذ نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، سجّل العراق أكثر من 40 اعتداءً، راح ضحيتها نحو مائة من عناصر الجيش والأمن والحشد الشعبي والمدنيين، فضلاً عن إصابة عشرات آخرين، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية في بغداد.
وأوضحت المصادر أن محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، كانت الأعلى في عدد الهجمات ودمويتها، تليها نينوى، وأخيراً الأنبار التي تشهد أوضاعاً أمنية أفضل من غيرها خلال الفترة الراهنة.
وعزا مسؤولون ذلك إلى "وضع أفضل للحدود السورية في الأنبار مما تشهده نينوى المحاذية لمحافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين"، حيث تسيطر فصائل "الحشد الشعبي"، على الجزء الحدودي المحاذي لسورية مع الأنبار، وتفرض سيطرتها على المنطقة الممتدة لأكثر من مائة كيلومتر من مجموع 600 كيلومتر من الحدود المشتركة بين البلدين.
خطط عراقية جديدة لمواجهة "داعش"
وفي أحدث العمليات الاستباقية للقوات العراقية، أعلنت خلية الإعلام الأمني ليل الثلاثاء - الأربعاء، أن "القوات الأمنية تمكنت من رصد وجود لعناصر داعش في محافظة صلاح الدين، من خلال جهد استخباري مكثف في المناطق التي تعتقد العصابات الإرهابية أنها بعيدة عن أنظار جهاز الأمن الوطني". وتحدثت الخلية عن "تنفيذ 4 ضربات جوية ضمن قاطع قيادة عمليات صلاح الدين للجيش، أسفرت عن تدمير 3 أوكار للإرهابيين وقتل من فيها".
تمّ رفع عديد المقاتلين والقوات الأمنية العراقية في المناطق الساخنة
وجاء البيان بعد ساعات من إعلان الخلية الأمنية، مساء الثلاثاء، اعتقال عنصر من "داعش" بنصب كمين محكم في مدينة عيت بمحافظة الأنبار. وأكدت قيادة العمليات العراقية المشتركة، يوم الإثنين الماضي، مقتل 37 عنصراً من "داعش" بعمليات أمنية نفذت خلال الشهرين الماضيين.
وتفاوتت اعتداءات "داعش" في العراق، خلال الأشهر الأخيرة الماضية، بين هجمات مسلحة استهدفت ثكنات وحواجز أمنية للجيش والشرطة الاتحادية و"الحشد الشعبي" و"الحشد العشائري"، وأخرى بتفجير عبوات ناسفة وقصف بقذائف الهاون. كما سُجّل ارتفاع في عمليات الخطف التي انتهت أغلبها بقتل الضحايا، فيما أطلق سراح قسم قليل جداً وسط معلومات عن دفع ذويهم مبالغ مالية كبيرة للتنظيم لقاء ذلك.
وتحدث جنرال عراقي رفيع في بغداد لـ"العربي الجديد"، عن رفع عديد المقاتلين والقوات الأمنية في المناطق التي وصفها بالساخنة، وتحديداً في كركوك وديالى وصلاح الدين، وفي المدن الحدودية مع الأراضي السورية.
وأضاف المسؤول العراقي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن خططاً عديدة، وليس خطة واحدة، أصبحت جاهزة لكل منطقة جغرافية، وهو تكتيك جديد يراعي جغرافية المناطق ووضعها السكاني والأمني أيضاً. ولفت إلى أنه تم تقسيم المدن والمناطق إلى "قواطع مسؤولية"، منفصلة عن الأخرى، مع وجود غرفة عمليات مشتركة لتبادل المعلومات وتنسيق العمليات العسكرية والهجمات.
وأشار المصدر إلى أن "تنظيم داعش لم تعد له ماكينة تجنيد محلية يمكن أن تكسبه مقاتلين جدداً، لافتاً إلى أن أغلبية الهجمات نفذّها مقاتلون وافدون من سورية".
وحمّل الجنرال العراقي قوات النظام السوري ومسلحي "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) "مسؤولية تسيّب الحدود في الفترة الأخيرة، حيث إن هناك مسلحين من داعش اعتُقلوا أكدوا أنهم دفعوا مبالغ مالية لقاء عبورهم إلى العراق في أوقات الضباب وتراجع معدلات الرؤية، ليتمكنوا من العبور من مناطق جبلية وعرة أو أنفاق ونقاط هشّة على الحدود".
وتحدث المصدر عن قتل أكثر من 55 مسلحاً من "داعش" خلال الفترة الماضية، واعتقال عشرات من المشتبه فيهم أو العناصر المؤكدة بالتنظيم، ضمن عمليات ناجحة لقوات الأمن و"الحشد الشعبي" وسلاح الجو العراقي.
تحسُّب من تداعيات هجوم سجن الحسكة
ويوم الإثنين الماضي، تحدث مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، عن خطورة وجود 10 آلاف من مقاتلي داعش في الجانب السوري، معتبراً أنهم يشكلون تهديداً حقيقياً للعراق مبيناً إثر لقائه مع قائد بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في العراق، مايكل إنكر، أن "الطريق الأسلم هو استلام الدول رعاياها الموجودين في السجون، وهم قيادات في داعش، كونهم يشكلون تهديداً حقيقياً"، لافتاً إلى أن "قوات قسد غير مؤهلة للتعامل مع هكذا إرهابيين خطيرين".
من جهته، أشار المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، يوم الأحد الماضي، إلى أن التهديد الناجم عن تنظيم "داعش" في سورية والعراق، لا يزال قائماً. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن كيربي قوله: "لا نريد تمدد رقعة النزاع، لكن هدفنا في البنتاغون يكمن في إبقاء التركيز على التهديد النابع من داعش في سورية، وفي العراق أيضاً بصراحة القول".
ورأى العقيد رائد الزهيري، من قيادة قوات حرس الحدود العراقية، أن "الحدود العراقية مع الجانب السوري تخضع لرقابة شديدة من صنوف عسكرية متفرقة، لكن من الضروري التأكيد على أن المهمة لا تكتمل من دون تعاون مع الجانب الآخر في الأراضي السورية".
ولفت الزهيري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "أي نشاط لتنظيم داعش في الجانب السوري، يؤدي أيضاً إلى حراك ونشاط جزئي لدى خلاياه الموجودة داخل العراق، ما يؤكد عودة الجانبين إلى التنسيق تحت إدارة أو قيادة واحدة، كما أن عملية التنظيم في سورية أخيراً التي استهدفت سجن الصناعة (غويران) في مدينة الحسكة تمثل عامل تحفيز للموجودين من أمثالهم في العراق".
وقال الزهيري إنه "من غير المنطقي تشبيه العمليات التي يقوم بها داعش حالياً بعملياته السابقة التي مكّنته من احتلال المدن، فهو يسعى إلى الظهور عبر عمليات إجرامية صادمة، لكنه في الحقيقة عبارة عن جماعة متفرقة تفتقر إلى السلاح والتمويل، وتعيش في حصار دائم".
ونفذ جهاز مكافحة الإرهاب في العراق، الإثنين الماضي، حملة ضخمة هي الأولى من نوعها، طاولت ستة سجون رئيسية في البلاد يوجد فيها نحو 12 ألفاً من المعتقلين بتهم الإرهاب. وأبرز هذه السجون، التاجي والحوت والحلّة والكرخ وكوبر.
وقامت قوات الجهاز خلال الحملة بتفتيش زنازين السجناء ومصادرة أي قطع حديدية أو أدوات يمكن أن تستخدم في تنفيذ هجمات، حتى على مستوى ملاعق الأكل والشوك، بينما أعادت إدارة السجون توزيع القوات الأمنية في محيطها ونصب كاميرات مراقبة وتعطيل طرق رئيسية تفضي إلى بوابات السجن ضمن هذا الإطار، تحسباً من تكرار هجوم سجن الصناعة (غويران) في الحسكة السورية.
وبرأي القيادي في "الحشد الشعبي"، علي الحسيني، فإن "هجمات داعش لم تتوقف أصلاً كي نتحدث عن عودتها، بل يمكن اعتبار أن نشاطه تراجع كثيراً مقارنة بما كان عليه بين عامي 2014 و2017، لكنه ظلّ يمارس نشاطات منفردة بين فترة وأخرى في المناطق الرخوة أمنياً، وعلى أطراف المدن، حيث يستهدف القرى والأرياف ويستقر في بعض الجبال والبساتين النائية، وهو يعتاش على عمليات الخطف والابتزاز".
وأكد الحسيني، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "القوات العراقية تواصل تحييد معظم قادة التنظيم من خلال عمليات مهمة، إضافة إلى استخدام الطيران الحربي الذي بطش بالتنظيم أخيراً في عمليات نوعية". لكنه لفت إلى أن "المشاكل السياسية، وما يحدث في الجانب السوري من اضطرابات أمنية ومحاولات عناصر التنظيم للهروب من السجون، تغذي حسّ المبادرة لدى بعض عناصر التنظيم في العراق لتنفيذ عمليات".
رائد الزهيري: أي نشاط لداعش في الجانب السوري يؤدي إلى حراك لخلاياه في العراق
أما اللواء طارق العسل، وهو قائد شرطة الأنبار السابق، ويعمل حالياً مساعدا لقوات "الحشد العشائري"، فحذّر من أن "المخاطر الأمنية للتنظيم مرتفعة"، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يمكن تصنيف التنظيم حالياً على أنه الهاجس الأمني الأشد ضراوة وخطورة في العراق، ويأتي بعده نشاط بعض المليشيات والجماعات المسلحة المدعومة سياسياً داخل البلاد".
ورأى العسل، أن "التهديدات المتمثلة بمعتقلي داعش في سجن الحسكة السورية ستكون أكثر خطورة في حال لم يُعالج هذا الملف، إذ إن كثيراً من عناصر التنظيم داخل العراق يسعون للثأر لعناصر في سورية، وهناك تواصل بين الطرفين".
وشدّد العسل على أن المسؤولية "تقع على جميع دول العالم لمعالجة هذا الملف، لأنه لا يهدد العراق وسورية فقط، بل يشكل خطراً عالمياً، خصوصاً بعدما شاهدنا شراسة وقتال عناصر التنظيم الذين سيطروا على سجن غويران في الحسكة".
ثغرة استخبارية لدى القوات العراقية
وتقييماً لجهوزية القوات العراقية الأمنية والعسكرية، رأى الخبير الأمني أحمد الشريفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "قدرات القوات العراقية باتت متطورة، ولديها الإمكانيات القتالية الكبيرة، ولا سيما بعد نجاحها في القضاء على داعش في المعارك التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، كما أن القوات المسلحة تتمتع بتمويل عالٍ".
أما نقطة الضعف، برأيه، فتكمن في أزمة المعلومات الاستخبارية التي لا تزال تعاني منها هذه القوات، إذ حدث في أكثر من مرة أنها تذهب إلى معالجة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وذلك بعد وقوع الحوادث، ما يتسبب بموجة غضب شعبية".
أحمد الشريفي: يجب معالجة الأهداف ومهاجمة أوكار التنظيم قبل وقوع العمليات
وقدّم مثالاً على ذلك، تنفيذ القيادة العسكرية هجمات استهدفت أوكاراً لـ"داعش" في جبال حمرين (تمتد من ديالى إلى كركوك) بعد مقتل ضابط عراقي كبير، وقتل عدد من عناصر التنظيم في منطقة العظيم، بعد مقتل نحو 11 عسكرياً عراقياً.
وتوضيحاً لذلك، رأى الشريفي، أن "هناك حاجة إلى معالجة الأهداف قبل وقوع الكوارث، ولا بد من استهداف أوكار التنظيم قبل وقوع عمليات ضد القوات الأمنية أو المدنيين".
وكان رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قد أعلن في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2017، انتهاء الحرب ضد تنظيم "داعش"، وسيطرة القوات العراقية بشكل كامل على الحدود مع سورية، بعد نحو ثلاث سنوات من المعارك مع "داعش" الذي احتل مساحات واسعة من العراق وسورية.
ودفع المدنيون في العراق ضريبة هذه الحرب، بأكثر من ربع مليون قتيل وجريح، وآلاف المغيّبين، فضلاً عن دمار هائل طاول البلاد، وخسائر مالية كبيرة تصل إلى قرابة 88 مليار دولار، وفقاً لتقديرات السلطات العراقية.