خيارات "قسد" بمواجهة العملية التركية: التنسيق مع النظام السوري وارد

25 نوفمبر 2022
مقاتلان من "قسد" خلال تدريبات مع القوات الأميركية في الحسكة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

مع تزايد الضغط العسكري التركي على "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شمالي وشرقي سورية، تجد الأخيرة نفسها مرة أخرى أمام خيارات محدودة للمواجهة، يأتي في مقدمتها، كما في مرّات سابقة، التنسيق والتعاون مع النظام السوري، وهو ما له محاذيره الكثيرة، وثمّة شكوك في مدى فعاليته بالنسبة لـ"قسد". وعلى خطّ مواز، وربما مُناقض، تدفع هذه التطورات فرص تسريع التقارب بين نظام بشار الأسد وتركيا قدماً، وهي خطوة تتردد حيالها تركيا، للأسباب نفسها التي تدفع "قسد" إلى التردد، والتي تدور حول سؤال مركزي: ماذا في جعبة النظام السوري ليقدمه؟

ورداً على سؤال لموقع "ألمونيتور"، أول من أمس الأربعاء، قال قائد قوات "قسد"، مظلوم عبدي، إنهم يسعون إلى اتفاق مع النظام السوري، والروس يشجعون، والولايات المتحدة لا تمانع، لكن المشكلة هي لدى نظام دمشق، فهو غير مستعد لمثل هذا التعاون، والروس لا يمارسون عليه ضغوطاً كافية. وأوضح أن النظام يرى أنه لا يمكن الاستغناء عنه، و"هذه العقلية تجعله أكثر استعصاءً على الحل ولا يستجيب لمطالبنا".

"قسد" وخيبة الأمل من واشنطن وموسكو

وبطبيعة الحال، يعود لجوء "قسد" إلى خيار زيادة التنسيق مع النظام في كل مرة تتعرض فيها لضغط عسكري تركي، إلى خيبة أملها من الحليف الأميركي ومن الوسيط الروسي، إذ تعتقد أنهما يغضّان الطرف عن العملية التركية بحدودها الحالية، أي من دون الوصول إلى اجتياح بري.

قال عبدي إن واشنطن لا تمانع اتفاقاً لـ"قسد" مع النظام

وتعليقاً على ذلك، يرى المحلل السياسي الكردي، الدكتور فريد سعدون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الخيارات الاستراتيجية تضيق أمام "قسد"، لكن لا يزال لديها العديد من أوراق الضغط إزاء القوى الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها أنها لا تزال تسيطر على المخيمات والسجون التي تضم الآلاف من عناصر "داعش"، وما زالت القوة الضاربة التي تحارب التنظيم، والولايات المتحدة تراهن عليها، ما يعني أن خيار إنهائها في هذه المرحلة ليس وارداً. ويعتبر سعدون أن القوات الكردية تحتاج إلى تحالفات جديدة، قد يكون أبرزها التعاون مع نظام الأسد ودخول قواته إلى مناطقها، لكن ذلك سوف يقوّض مكاسبها. ويوضح أن "قسد" تحاول التعاون مع النظام مع الحفاظ على الإدارة الذاتية لمناطقها، لكن النظام يدرك أنها في ضائقة، وسيحاول استغلال ذلك، لتعود الإدارة بالكامل إلى سلطته.

أما بالنسبة للخيارات الأخرى، فيلفت سعدون إلى أن أحدها هو التعاون مع الروس والإيرانيين، لكنه يعتبر أن "قسد" لا تزال مطمئنة حتى الآن إلى الموقف الأميركي، وهي تعتقد أن الهجمات التركية ستظل محدودة، معرباً عن اعتقاده بأن الحوار مع النظام لن يؤدي إلى أي نتيجة، في ظلّ وجود خلافات جوهرية بين الطرفين.

وتلوّح "قسد" دائماً بورقة محاربتها الإرهاب، وهي تحدثت أمس عن هروب محتجزين من عوائل "داعش" في مخيم "الهول" الذي تديره بريف محافظة الحسكة الشرقي، شمال شرقي البلاد، وذلك نتيجة الغارات الجوية التركية. وكتب المتحدث باسمها، فرهاد شامي، على "تويتر"، أن "الطيران الحربي التركي استهدف قوى الأمن الداخلي (الأسايش الكردية) المسؤولة عن حماية مخيم الهول، وذلك ليمكّن بعض عائلات داعش من الفرار".

وكانت الطائرات الحربية التركية استهدفت بغارتين، ليل الأربعاء - الخميس، حقل الطوقجي النفطي، وموقعاً عسكرياً لـ"قسد" قرب بحيرة الخاتونية شرقي الحسكة، ومحطة النفط في قرية القوس بمحيط بلدة الجوادية شمال شرقي الحسكة، موقعةً قتلى وجرحى في صفوف "قسد". وأمس، استهدف الطيران المُسيّر التركي مقراً عسكرياً لـ"قسد" في قرية علي آغا بريف الجوادية، بالإضافة إلى قصف مدفعي استهدف الدردارة والكوزلية وتل اللبن، في ريف ناحية تل تمر، وقرى دادا عبدال، أم حرملة، تل الورد ومحيط ناحية أبو راسين بريف الحسكة الشمالي.

وحذّرت الولايات المتحدة، أمس، من أن تقوض العمليات التركية جهود محاربة "داعش". ودعت خارجيتها إلى "وقف فوري للتصعيد"، وقال المتحدث باسمها نيد برايس إن "الأعمال العسكرية الأخيرة تزعزع استقرار المنطقة وتعرّض المدنيين والأفراد الأميركيين للخطر". وأضاف: "نتفهم أن لدى تركيا مخاوف أمنية مشروعة في ما يتعلق بالإرهاب، لكننا عبّرنا باستمرار عن مخاوفنا الجدية إزاء تأثير التصعيد في سورية على مواجهة داعش وعلى المدنيين على جانبي الحدود".

لكن أنقرة أكدت استمرارها في العملية. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، خلال مباحثات هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، إن تركيا "ستستمر في الرد على الاستفزازات والهجمات التي تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة، والأعمال التي تستهدف المناطق المدنية والمواطنين الأتراك". وأشار بيان لوزارة الدفاع التركية، أن أكار أكد لشويغو مجدداً على "أولوية تركيا في منع التهديد والممر الإرهابي وتحييد التنظيمات الإرهابية شمالي سورية بشكل دائم، وعلى أهمية الامتثال للاتفاقيات السابقة بشأن هذه القضية"، بحسب وكالة "الأناضول".

احتمالات لتسريع التقارب بين النظام وتركيا

وعلى خط مواز، تدفع التطورات إلى تسريع خطوات التقارب السابقة بين تركيا ونظام الأسد التي ترعاها روسيا. وقال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، أمس، إن موسكو مستعدة لتنظيم محادثات بين الجانبين على أعلى مستوى، مضيفاً لوكالة "سبوتنيك" أن "موسكو ستكون مستعدة لتوفير منصة، إذا كانت هناك رغبة مشتركة بين الطرفين، لكن من المبكر الحديث عن ذلك، لأنه يجب أن تنضج شروط معينة للاجتماع". وأعرب عن أمل بلاده في أن تستمع تركيا إلى دعوة موسكو بشأن عدم جدوى العملية في سورية.

لا تزال "قسد" تملك ورقة محاربة الإرهاب و"داعش"

وكان لافرينتيف أكد، الأربعاء، أن "موسكو تتلقى إشارات من أنقرة ودمشق بشأن استعدادهما لاتخاذ خطوات تجاه بعضهما البعض". لكن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، أكد أول من أمس عدم وجود اتفاقات بشأن اجتماع بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأراضي الروسية حالياً، مشيراً إلى أن عقد مثل هذا الاجتماع من الناحية النظرية ممكن بوساطة روسية.

ويأتي ذلك بعد تلميح أردوغان قبل يومين إلى إمكانية إعادة النظر في العلاقات مع نظام الأسد بعد انتخابات عام 2023 في تركيا. وقال: "من الممكن أن يحدث لقاء. في السياسة ليس هناك استياء وتحفظ، عاجلاً أم آجلاً سنتخذ خطواتنا".

وفي السياق، ذكرت وكالة "أسوشييتد برس"، أول من أمس، أن الأسد رفض طلباً من أردوغان أرسله عبر إيران لإرسال وفد تركي إلى دمشق، لكنه عبّر عن انفتاحه على إجراء محادثات بين الجانبين في دولة ثالثة. وبحسب المصدر، فإن الرئيس التركي دعا في الرسالة إلى عودة النظام إلى مناطق سيطرة "قسد"، والعمل على منعهم من استخدام الغاز والنفط السوري، وإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى سورية.

على الأرض، يجري النظام تحركات استعداداً للتطورات المحتملة. وقد أجرت قواته والمليشيات الإيرانية الموجودة عند أطراف منطقة الـ"55 كيلومتر" التي تضم قاعدة التنف، شرقي سورية، تدريبات ليلية مشتركة بالأسلحة الثقيلة، ليل الثلاثاء - الأربعاء، تزامناً مع الانفجارات التي دوّت في حقل العمر النفطي، أكبر قاعدة لـ"التحالف الدولي" في سورية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتنتشر مجموعات كبيرة من لواء "فاطميون" الأفغاني، تتألف من 150 مقاتلا في المنطقة، تحت إشراف "الحرس الثوري" الإيراني وضباط روس. كما يوجد في المنطقة عناصر من قوات النظام. ويرى المحلل السياسي غازي دحمان، أن فرص التعاون بين النظام و"قسد" قائمة، لكنها لن تتعدى على الأرجح الحدود التي وصلت إليها سابقاً. ويضيف دحمان لـ"العربي الجديد"، أن النظام لا يقبل الشراكة مع أي جهة، معتبراً أن من العقبات الهامة أيضاً، أن المزاج الشعبي في مناطق شرق سورية لم يعد يستسيغ عودة القبضة الأمنية للنظام.

المساهمون