تتعرض الأراضي الخاضعة لسيطرة حركة حماس في قطاع غزة إلى اعتداءٍ صهيونيٍ متواصل، يبلغ ذروته خلال عمليات الاحتلال العسكرية، إذ يدفع المدنيون والأهالي فاتورة تلك الاعتداءات قتلاً بالقذائف أو موتاً من شح الأدوية والمعدات الطبية وغياب أو تغييب مقومات الحياة الطبيعية ولو بحدها الأدنى.
لا تنحصر أزمة القطاع بالقصف الصهيوني المكثف، كالذي شهدناه في العملية العسكرية المسماة "بزوغ الفجر" أو بسابقاتها من عمليات عسكرية، كما تذهب إليه بعض التحليلات، بل تكمن الأزمة الحقيقية في سياسات التطهير العرقي والتهجير القسري، التي يمارسها الاحتلال بشتى الوسائل والإمكانات، وعلى رأسها الحصار والعمليات العسكرية، وهو ما تظهره استطلاعات الرأي العام، كما في الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات وقياس الرأي العام في جامعة الأقصى حول" أسباب هجرة الشباب وأثرها على المجتمع الفلسطيني"، المنفّذ داخل مناطق سيطرة حماس في قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2021.
أفاد 91.7% من المستطلعة آراؤهم بأن الاحتلال الصهيوني يشجع على هجرة الفلسطينيين من خلال الحصار، والتهديد الدائم بالحرب على غزة. كما أكد 81.3% منهم تفضيلهم العمل في الوطن في حال حصولهم على فرصتي عمل داخل أو خارج الوطن. وأخيراً، بيّن الاستطلاع أن 55.7% من المستطلعة آراؤهم يتقبلون فكرة الهجرة في حال عرضها عليهم.
أي يكمن دافع الهجرة الأساسي في انعدام إمكانيات الحياة في ظل الحصار، الأمر الذي دمر الاقتصاد داخل المناطق المحاصرة، وعزلها عن محيطها الجغرافي والوطني، قاطعاً أي إمكانية للتواصل الاجتماعي والاقتصادي وطبعاً السياسي والنضالي.
استطلاع: أكد 81.3% من المستطلعين في قطاع غزة تفضيلهم العمل في الوطن في حال حصولهم على فرصتي عمل داخل أو خارج الوطن
رغم سوء إدارة حماس للقطاع، ورغم إصرارها على تطويع عملها العسكري في خدمة مصالحها الذاتية، والسلطوية تحديداً، إلا أن دوافع الهجرة تعود بنا إلى سياسات التطهير العرقي والتهجير القسري الصهيونية، المتمثلة في الحصار والعمليات العسكرية.
لقد سعت خطة فك الاشتباك المعروفة أيضا بالانسحاب أحادي الجانب، التي نفذها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أرئيل شارون، في العام 2005، إلى تحويل أراضي القطاع المنسحب منها إلى جزر معزولة، يسهل حصارها وخنقها عند أول ذريعة، وهو ما كان بعد سيطرة حماس عليها بالقوة، من أجل استكمال أهداف الاحتلال الصهيوني المتمثلة في تطهير سكان فلسطين الأصليين عرقياً، وتهجير المتبقي منهم قسرياً.
بناءً عليه، ومن أجل إفشال مخططات الاحتلال الإجرامية؛ التطهير العرقي والتهجير القسري؛ لابد من كسر الطوق المفروض على غزة وسائر المناطق المحاصرة وفك عزلتها، وهي مسؤولية الكل الفلسطيني، وبالتحديد مسؤولية المتواجدين خارج الحصار.
الحصار يسلب المحاصر خياراته ويضعه أمام العدم، فكل ما يمارسه محكوم بحدود الحصار، ويجعل من أي خرق للحصار نجاحاً منقطع النظير، حتى لو كان مجرد نجاح استعراضي لا يقدم ولا يؤخر في حيثيات الحصار اليومية، ورغم ذلك؛ غالباً ما يصعد الاحتلال من حصاره وإجرامه بعد أي مظهر من مظاهر كسر الحصار، والأمثلة على ذلك عديدة، كسياسات الاحتلال الإجرامية تجاه سفن كسر الحصار وتظاهرات المحاصرين السلمية، وطبعا تجاه مقاومة الحصار والاحتلال عسكرياً.
في ظل عدمية خيارات غزة، اختار المحاصرون الصمود وبذل الجهود من أجل خرق الحصار ولو مرةً واحدةً كل عام، ولو كان ذلك عبر بالون طائر أو طائرة من دون طيار محدودة الأثر والقدرة، أو عبر تفوق علمي وتحصيل شهادة جامعية من خارج حدود الحصار، أو حتى فرصة للعمل عن بعد، أو غيرها من أشكال خرق الحصار المعنوية وربما العسكرية.
في المقابل، على القابعين خارج الحصار الاختيار بين لوم المحاصر على انعدام خياراته التي فرضها الاحتلال، أو العمل على منح المحاصرين خياراتٍ جديدة وعديدة من خلال كسر الحصار وفك عزلته، فبدون ذلك يبقى الحديث عن خيارات غزة واستراتيجيات مقاومتها حبراً على ورق، لا قدرة للمحاصرين على تطبيقها حتى لو اقتنعوا به.