خلال عدوان غزّة.. هذه إخفاقات استراتيجية الاستخبارات الإسرائيلية

02 سبتمبر 2014
لم تتوقع الاستخبارات قدرات المقاومة (عصام ريماوي/الأناضول/getty)
+ الخط -

كشف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة الكثير من مظاهر الإخفاق لدى الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، على المستويين التكتيكي والاستراتيجي. وإذا كانت إحدى أهم المهمات الاستراتيجية للاستخبارات الإسرائيلية تتمثل في مدّ المستوى السياسي بتقديرات حول طابع وماهية المخاطر الأمنية التي تتهدد الكيان الصهيوني، فقد دلّ مسار الحرب على أنّ الاستخبارات الإسرائيلية، بأجهزتها الثلاثة، أخفقت في توقع الأحداث التي أفضت إلى الحرب الأخيرة، علاوة على أنّها أخطأت في تقدير وتقييم العوامل التي أثرت على مسار الحرب.

 وحازت إخفاقات الاستخبارات في الحرب على اهتمام النخب الإسرائيلية، التي تساءلت عن عوائد الإمكانات المالية والتقنية والبشرية التي تستثمرها إسرائيل في الاستخبارات في ضوء إنجازاتها المتواضعة. وقال المعلق العسكري في صحيفة "ميكور ريشون"، أمنون لورد، إن أخطر اخفاقات الاستخبارات الاستراتيجية يتمثل في عجزها عن توقع الحرب، مشيراً إلى أن جهاز الاستخبارات الداخلية "الشاباك"، المسؤول عن مواجهة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة، لم يتمكن من توقع عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة التي قادت للحرب.

ونوّه لورد في مقال نشرته الصحيفة قبل أيام، إلى أن شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان"، أكبر الأجهزة الاستخبارية، أخفقت، بدورها، في توقع أخطر أنماط الهجوم التي اعتمدتها حركة المقاومة "حماس" خلال الحرب، وهي اختراق الحدود وتنفيذ عمليات خلف صفوف جيش الاحتلال، وهي العمليات التي أهانت إسرائيل ومسّت بـ "سيادتها"، وأحرجت قيادة الجيش والاستخبارات.

غير أنّ النائب عن حزب "العمل"، الجنرال نحمان يشاي، الذي عمل متحدثاً باسم جيش الاحتلال، رأى أن أخطر مظاهر الفشل الاستخباري الإسرائيلي من ناحية استراتيجية يتمثل في الانطلاق من افتراض خاطئ مفاده أن التحولات الإقليمية ستردع "حماس" عن خوض مواجهة ضد إسرائيل. وقال في مقابلة أجرتها معه القناة الإسرائيلية الأولى الخميس الماضي، إن الاستخبارات الإسرائيلية أوصت بتنفيذ عمليات الاغتيال ضدّ نشطاء الجناح العسكري لحركة "حماس" عشية اندلاع الحرب، على اعتبار أن الحركة لن "تخاطر بالردّ بشكل يفضي إلى اندلاع مواجهة شاملة، وتبيّن أنه توقع غير دقيق". وحسب يشاي، فإنّ كلاً من المؤسسة الاستخبارية والقيادة السياسية في تل أبيب قد أخطأت عندما اعتقدت أن "حماس" ستقبل بأن تفرض إسرائيل قواعد المواجهة لمجرد أنها فقدت تحالفاتها مع مصر وسورية وإيران.

ورأى معلقون إسرائيليون أن استغراق الاستخبارات في محاولات تصفية القيادات العسكرية لحركة "حماس" قد أفضى إلى نتائج عكسية فاقمت من المخاطر الاستراتيجية التي تتعرض لها إسرائيل. وأشار المعلق العسكري في القناة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، إلى أن التجربة دلت على أنّ قيادات المقاومة التي حلّت مكان القيادات التي اغتيلت على أيدي الاستخبارات الإسرائيلية كانت أكثر تطرفاً وأشدّ تصميماً. وشدّد على أنّ تصفية القيادات في جنوب القطاع لم تؤثر إطلاقاً في أداء الحركة العسكرية ودافعها لمواصلة القتال.

واعتبر مراقبون في تل أبيب أنّ الإخفاقات الاستخبارية خلال العدوان على غزّة تضاف إلى سلسلة من الإخفاقات التي وقع فيها "أمان"، وهو الجهاز المسؤول عن تقديم التقديرات الاستراتيجية لصناع القرار في تل أبيب. وذكّر هؤلاء المراقبون بأن رئيس "أمان"، أفيف كوخافي، توقع بعد عشرة أيام على اندلاع ثورة 25 يناير في مصر أن يتمكن الرئيس حسني مبارك من البقاء في الحكم، في حين توقع وزير الحرب السابق إيهود براك سقوط نظام بشار الأسد في غضون 3 أسابيع، من اندلاع الثورة السورية.

ومما لاشكّ فيه أن التحقيق في إخفاقات الاستخبارات سيمس بمكانة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على اعتبار أنه المسؤول المباشر عن جهازي "الشاباك" و"الموساد"، ويفترض أن يتحمل جزءاً من المسؤولية عن أي من مظاهر الفشل.

وفي مقابل هذه الإخفاقات، أشارت التقديرات الإسرائيلية إلى أن القدرات الاستخبارية للمقاومة قد فاجأت دوائر صنع القرار في تل أبيب. واعترف وزير الحرب موشيه ياعلون في مقابلة أجرتها معه القناة الإسرائيلية الأولى بأنّ القدرات الاستخبارية لحركة "حماس" تماثل قدرات دولة ذات تراث استخباري جيد. وكشف يعلون النقاب عن أن الجناح العسكري للحركة، "كتائب عز الدين القسام"، كان يحدد بدقة الوقت الذي يقوم به كبار قادة الكيان الصهيوني السياسيين والعسكريين، بزيارات إلى المستوطنات اليهودية في محيط القطاع، ويستغل ذلك في محاولة لتصفيتهم عبر تكثيف القصف على تلك المستوطنات تحديداً.

وأقرّ بأنّه ألغى زيارة كانت مقررة لكيبوتس "ناحال عوز"، بعدما تبين أن لدى "حماس" معلومات مسبقة عن الزيارة.

كذلك أرجعت صحيفة "ميكور ريشون" عن محافل أمنية واستخبارية صهيونية، مقتل عدد كبير من القيادات العسكرية في ألوية الصفوة ووحدات النخبة في جيش الاحتلال خلال الحرب، إلى "القدرات الاستخبارية التي تمتعت بها حماس".

المساهمون