في سابقة هي الأولى من نوعها، خصّ الكرملين، اليوم الأحد، قوات "فاغنر" بالتهنئة على عملها في "تحرير أرتيموفسك (الاسم الروسي لمدينة باخموت الأوكرانية)"، مشيراً إلى دعمها من قبل وحدات الجيش الروسي في هذه العملية.
وفي حين أقرّت وزارة الدفاع الروسي اليوم بدور مجموعات مرتزقة "فاغنر"، فإن زعيم المجموعة يفغيني بريغوجين واصل "حربه ضد البيروقراطية"، وكشف عن رمزين لها هما وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، متعهداً بمحاسبة جميع من "وضع العصي في الدواليب"، وتسبب في زيادة خسائر "فاغنر" في المستقبل.
ومع إشارته إلى أن المجموعة أعدّت قوائم بمن ساعدها أو عطّل عملها، شكر بريغوجين، أمس السبت، الجنرالين نائب رئيس العملية العسكرية (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا) سيرغي سوروفيكين، ونائب وزير الدفاع الروسي ميخائيل ميزينتسيف، الذي أُعفي من منصبه أخيراً، ووردت أنباء عن انضمامه إلى "فاغنر".
وفيما تصدّرت أنباء السيطرة على المدينة عناوين الإعلام الروسي، قلل خبراء عسكريون غربيون من أهمية السيطرة عليها استراتيجياً على سير المعارك.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء، أمس، عن بيان الخدمة الصحافية للكرملين، جاء فيه أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين يهنئ مجموعة فاغنر، وكذلك جميع الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة الروسية التي قدمت لها الدعم اللازم والغطاء الخاص من الأجنحة، على الانتهاء من عملية تحرير أرتيموفسك". ووعد الكرملين بتكريم "المتميزين" في تحقيق هذا الإنجاز.
السيطرة على باخموت
من جانبها، أفادت وزارة الدفاع الروسية في وقت متأخر من مساء أمس السبت، في بيان، بأنه "نتيجة للأعمال الهجومية لمجموعات فاغنر الهجومية، وبدعم من المدفعية والطيران من مجموعة القوات الجنوبية للجيش، تم الانتهاء من تحرير مدينة أرتيموفسك".
وبدا واضحاً أن الوزارة تجنّبت تكرار السجال الذي حصل بعد تغاضيها في بيان السيطرة على بلدة سوليدار في يناير/ كانون الثاني الماضي عن دور "فاغنر"، واضطرارها إلى الإشارة إلى جهود المرتزقة في بيان لاحق بعد الضجة التي أحدثها بريغوجين حينها.
قلّل خبراء المعهد الأميركي لدراسة الحرب من أهمية السيطرة على باخموت
ونفى الجيش الأوكراني سقوط باخموت، التي تحولت إلى رمز للصراع بين روسيا وأوكرانيا منذ أشهر، وفي جواب حمّال أوجه ردّ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صباح اليوم الأحد، على أسئلة الصحافيين فيما إذا كانت المدينة في أيدي الأوكرانيين، بالقول: "لا أعتقد ذلك"، مضيفاً قبل اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، على هامش قمة السبعة الكبار في مدينة هيروشيما اليابانية: "اليوم هي (باخموت) في قلوبنا فقط".
وأوضح سيرغي نيكيفوروف، المتحدث باسم زيلينسكي، أن الرئيس الأوكراني نفى سقوط باخموت. وذكر نيكيفوروف في منشور على "فيسبوك" أنه "رداً على سؤال حول ما إذا كانت القوات الأوكرانية لا تزال تقاوم أو إذا كانت روسيا سيطرت على المدينة لم يعط زيلينسكي موقفاً واضحاً، لكنه قال: يجب أن تفهموا أنه لم يتبق شيء هناك، وأن باخموت باقية في قلوبنا فقط".
وأثار قرار زيلينسكي منذ أشهر باستمرار الدفاع عن مدينة باخموت جدلاً واسعاً في صفوف حلفاء كييف، الذين فضّلوا التحضير للهجوم المضاد بدلاً من استنزاف القوات الأوكرانية وتكبدها خسائر مؤلمة في معركة لن تغير الوضع الاستراتيجي للحرب.
في المقابل، أصرّت أوكرانيا على الدفاع عن المدينة، انطلاقاً من تقديرات بأنه يجب تعطيل تقدم الجيش الروسي وإجباره على إرسال قوات إضافية إلى المدينة، مما يشلّ قدراته في جبهات أخرى حتى تستطيع أوكرانيا استكمال التحضيرات اللوجستية لهجوم الربيع، وكذلك الحصول على أنواع الأسلحة والذخائر المطلوبة واللازمة لضمان نجاح الهجوم.
وتُعد السيطرة على باخموت أول إنجاز كبير للجيش الروسي منذ الصيف الماضي، حين أنهى السيطرة على كامل الحدود الإدارية لـ"جمهورية لوغانسك" الانفصالية بعد معارك عنيفة في سيفيرودونيتسك.
وجاء الإعلان الروسي بعد سلسلة هزائم تعرض لها الجيش الروسي في مقاطعة خاركيف، شرقي أوكرانيا، في سبتمبر/ أيلول الماضي، ثم اضطراره إلى الانسحاب من الضفة اليمنى (الغربية) لنهر دنيبر والتخلي عن مدينة خيرسون في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وتتزامن السيطرة على المدينة مع هجوم مضاد للقوات الأوكرانية في محيط المدينة، تقول كييف إنها استطاعت بنتيجته تحرير نحو 20 كيلومتراً مربعاً، مما يعطل الاستفادة الروسية بالتقدم باتجاه المدن الكبرى مثل كراماتورسك وسلوفيانسك.
خلافات "فاغنر" والجيش الروسي
وعلى الرغم من أن السيطرة على باخموت تُعدّ إنجازاً مهماً يمكن أن تقدمه بروباغاندا الكرملين، علماً أن العملية استغرقت أشهراً طويلة منذ بدئها في أغسطس/ آب الماضي، فإنها كشفت عن استمرار الخلافات العميقة بين بريغوجين ووزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف.
ومساء أمس السبت أعلن بريغوجين في فيديو مسجل أمام عدد من جنوده، نُشر على "تلغرام": "تحرير مدينة باخموت بالكامل من البيت الأول إلى البيت الأخير". وقال إن عملية "مفرمة اللحم" استمرت 224 يوماً وبدأت في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من أجل مساعدة الجيش الروسي المتعب.
ونفى بريغوجين في مقطع الفيديو مشاركة الجيش الروسي في تحرير المدينة، وقال: "لم يساعدنا أحد، فقط مجموعات فاغنر وليس كما قال (إيغور) كوناشينكوف (المتحدث باسم وزارة الدفاع)". وأكد أن "قوات فاغنر المشكّلة من جنرالات وعسكريين متقاعدين وعناصر سابقين في هيئة الأمن الفيدرالي الروسي (أف أس بي) وسجناء سابقين عملت كفريق واحد وجيش واحد".
ووجه بريغوجين شكره للرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "الذي منحنا شرف الدفاع عن وطننا". وفي حين شكر الجنرالين سورفيكين وميزينتسيف اللذين أفسحا "المجال لقيامنا بهذه العملية الصعبة"، واصل مؤسس "فاغنر" توجيه الانتقادات لقيادات الجيش الروسي.
وأشار إلى أنه "لم نحارب ضد القوات الأوكرانية فقط في باخموت، ولكننا حاربنا ضد البيروقراطية الروسية التي وضعت العصي في الدواليب، وأخصّ البيروقراطية التي تقف إلى جوار المقاتلين... معروف قسم من أسمائهم، إنهما شويغو وغيراسيموف، اللذين حوّلا الحرب إلى نزوة وتقلب في الرأي (استخدم كلمة Caprice)، وقررا أنه يجب تلبية أي أوامر، ما تسبب في تضاعف عدد القتلى من شبابنا خمس مرات". وتوعّد بريغوجين بأنه "يوماً ما سيجاوبان عن تصرفاتهما"، كاشفاً عن وجود قوائم جاهزة بمن ساعد "فاغنر" ومن أعاق عملها.
لم يستخدم بريغوجين الاسم الروسي لباخموت وحيّا الجنود الأوكرانيين على قتالهم
وتعهد بريغوجين بالانسحاب من باخموت الخميس المقبل، وتسليمها بشكل كامل للجيش بعد إكمال تفتيشها وتحصينها. وقال إن قواته ستذهب للراحة بعد 427 يوماً من القتال الذي بدأ في 19 مارس/ آذار 2022 تلبية لنداء الوطن، مؤكداً أنه مستعد للعودة لخدمة الوطن في حال طُلب منه ذلك.
وفي عبارات قد تصب مزيداً من الزيت على نار الخلافات مع الجيش الروسي، خاطب بريغوجين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالاسم ولقب الوالد، وهي صيغة تُستخدم للاحترام في روسيا، بالقول إن جنوده: "أبلوا بلاءً حسناً وأنه يمكن أن يصبح ثاني أقوى جيش في العالم بعد جيش فاغنر". وكان لافتاً أن بريغوجين لم يستخدم اسم "أرتيموفسك" لمدينة باخموت، والذي يطلقه الإعلام والمسؤولون الروس على المدينة منذ أشهر.
وقلّل خبراء المعهد الأميركي لدراسة الحرب من أهمية السيطرة على باخموت، في حال صدقت الرواية الروسية. وأشاروا في تقرير في صباح اليوم الأحد إلى أنه لم تكن هناك معالم جغرافية واضحة في خلفية الفيديو المسجل من قبل بريغوجين.
ولفت الخبراء إلى أن حديث بريغوجين عن السيطرة على باقي أحياء باخموت هو "انتصار رمزي ليس ذا أهمية استراتيجية، لأنه لن يسمح لقوات فاغنر المنهكة والجيش الروسي بتأسيس نقطة انطلاق لمزيد من العمليات الهجومية، كما ستؤدي الهجمات المضادة الأوكرانية المستمرة شمال وغرب وجنوب غرب باخموت إلى تعقيد مهمة أي تقدم إضافي للقوات الروسية خارج المدينة على المدى القصير".
وتوقع التقرير أن لا تتمكن "فاغنر" من الانسحاب من المدينة وتسليمها للجيش الروسي، كما أعلن بريغوجين، لأن هذه المهمة صعبة ومعقدة في ظروف الحرب والاحتكاك مع القوات الأوكرانية.
ورجّح التقرير أن إعلان بريغوجين مجرد محاولة لخداع الجانب الأوكراني، لإغرائه بشن هجوم مضاد على المدينة لأن تغطية أماكن "فاغنر" تحتاج إلى عملية نقل للقوات النظامية الروسية من جبهات أخرى.