يشارك نحو ثلاثة آلاف عنصر من قوات الأمن العراقية التي تتبع قيادة عمليات بغداد، إلى جانب جهازي الأمن الوطني والاستخبارات، في الخطة الأمنية الجديدة لمواجهة هجمات صواريخ الكاتيوشا على المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية، والتي تضم مقر السفارة الأميركية، بعد الهجوم الأخير على المنطقة مساء الأحد. لكن الإجراء الجديد يلاقي تشكيكاً من مراقبين، لجهة قدرته على وقف الهجمات، بسبب انتماء المهاجمين إلى فصائل مسلحة نافذة، ويتنقل أفرادها بسيارات وهويات تعريف رسمية بين المناطق والأحياء السكنية.
وأعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة، أمس الثلاثاء، أنها تعمل على إجراءات كبيرة لإيقاف الهجمات على البعثات الدبلوماسية والمنشآت الحيوية في البلاد. وقال المتحدث باسم القيادة، اللواء تحسين الخفاجي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، إنهم "يقومون بعمل كبير من أجل إيقاف الهجمات على المنشآت والأهداف الحيوية للبلد، ومن ضمنها السفارات والبعثات الدبلوماسية، من خلال تفعيل الجهد الاستخباري والأمني"، لافتاً إلى أن "الإجراءات الأمنية التي تمّ اتخاذها ستكون لها نتائج واضحة للعيان خلال الأيام القليلة المقبلة".
وصف رئيس الوزراء العراقي الهجمات بالكاتيوشا بأنها إرهابية
ومنذ مساء الإثنين، انتشرت وحدات راجلة وأخرى ثابتة، مع نقاط تفتيش وحواجز أمنية، تركّزت على المناطق القريبة من المنطقة الخضراء وفي المناطق والأحياء التي شهدت انطلاق هجمات صاروخية على المنطقة، حيث تكثر الساحات الفارغة بين المنازل والتي يتم نصب منصات إطلاق الصواريخ فيها، والتي عادة ما تكون محلية الصنع.
من جهته، أعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ليل الإثنين، القبض على مجموعة يشتبه في ضلوعها بالقصف الصاروخي الأخير الذي تعرضت له المنطقة الخضراء مساء الأحد، واصفاً الهجمات بالإرهابية، في تطور لافت بتعامل مع الحكومة مع هكذا هجمات كانت دوماً تصفها بالعمليات الإجرامية وليس الإرهابية.
وعلى الرغم من ذلك، يتوقع مسؤولون أمنيون عراقيون تكرار الهجمات الصاروخية، حتى مع تنفيذ الخطة الأمنية، ومع دخول القياديين في "الحشد الشعبي" فالح الفياض وعبد العزيز المحمداوي المعروف بـ"الخال"، على خطّ الإجراءات الحكومية لوقف الهجمات تحسباً من رد فعل عسكري أميركي على استمرارها.
وفي هذا السياق، كشف مسؤول أمني عراقي في وكالة الاستخبارات بوزارة الداخلية، لـ"العربي الجديد"، أن كلاً من "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"العصائب" و"كتائب الإمام علي" و"كتائب سيد الشهداء"، تنصّلت من الهجوم الصاروخي الأخير، وأكدت عدم وقوفها خلفه، وهي أبرز الفصائل المرتبطة بإيران بشكل مباشر. وأضاف المسؤول، الذي تحفظ عن كشف اسمه، أن هناك 4 من المشتبه فيهم تم اعتقالهم وبحوزتهم ما يشير إلى تورطهم في هجوم صاروخي كان يعد له بعد ساعات من الهجوم الأول ليل الأحد الماضي على المنطقة الخضراء. ولفت إلى أن "المعلومات الأولية تشير إلى أن جماعة متطرفة دينياً داخل كتائب حزب الله تمردت على قرار التهدئة، وقررت الهجوم مع ذكرى اغتيال (قائد فيلق القدس) قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ونفذت الهجوم بشكل منفرد ومن دون موافقة أو حتى توجيهات من أحد". وحول الخطة الأمنية، أشار المصدر إلى أنه من المؤمل أن تشارك فيها وحدات من "أمنية الحشد الشعبي"، الذراع الأمنية التابعة لـ"هيئة الحشد"، وذلك بناء على طلب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من فالح الفياض، لضمان عدم حدوث أي احتكاك أو توتر بين القوات العراقية وأي جماعة من الفصائل المسلحة.
في الأثناء، تداولت أوساط سياسية عراقية أحاديث عن تهديد أميركي جديد بعد ساعات من الهجوم الصاروخي على المنطقة الخضراء. ووفقاً لنائب في البرلمان العراقي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال فرانك ماكينزي أبلغ رئيس أركان الجيش العراقي، الفريق الركن عبد الأمير يار الله، بأنهم لن ينتظروا حتى يصاب أو يقتل أحد موظفي السفارة الأميركية حتى يقوموا بالرد، مطالبين بوقف الهجمات وتقديم منفذيها للمحاكمة وفقاً قانون مكافحة الإرهاب في العراق. وقال النائب، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن "الموضوع متوقف على هجوم آخر، وسيكون هناك رد فعل أميركي، قد يكون عسكرياً بضربات جوية، على غرار الهجوم الذي تمّ الرد به على قصف معسكر التاجي مطلع مارس/ آذار الماضي، أو أنها ستعيد خيار إغلاق السفارة في بغداد، والخياران يبدوان متاحين مع الأجواء الحالية في البيت الأبيض". وأضاف النائب، الذي شغل منصباً وزارياً في حكومة حيدر العبادي السابقة، أن إيران لا تريد التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة، والهجمات تؤشر إلى انشطارات داخل الفصائل لأسباب دينية، ما خلق أجنحة لا يمكن اعتبارها منفلتة، بل متطرفة لا تعترف بالتهدئة مع الأميركيين.
يتوقف الموضوع عند الأميركيين على هجوم آخر، حيث سيكون هناك رد حتمي
من جهته، اعتبر نائب رئيس الوزراء الأسبق بهاء الأعرجي أن "من يقف وراء تلك الهجمات لديه تبعية واضحة"، في إشارة إلى إيران. وقال الأعرجي، الذي يعتبر أحد قيادات "التيار الصدري" السابقين، إن "المقاومة والجهاد عناوين كبيرة هدفها تحرير البلد ليستعيد سيادته وقوّته، أما استهداف البعثات الدولية والدبلوماسية، فنتيجته عزلة العراق وإضعافه وإحراج الحكومة في وقت تكثر به الأزمات، ولذا فإن كل عمل من أمثال هذا الاستهداف لا يمكن أن يكون نابعاً من إرادة وطنية بل من تبعية واضحة"، بحسب تغريدة له على حسابه في موقع "تويتر". لكن صحيفة "مدى" المحلية المقربة من حكومة إقليم كردستان - العراق، نقلت عن نائب لم تسمه قوله إن "بعض الفصائل داخل الحشد الشعبي لا تلتزم بالقوانين وبأوامر الحكومة"، مشيرة إلى أن "قضية الحشد جزء من الدولة هي كذبة كبيرة". ونقل النائب للصحيفة على لسان عدد من القيادات العسكرية في البلاد، بأنهم "لا يستطيعون إيقاف أي عجلة تحمل صواريخ كاتيوشا تابعة لتلك الفصائل، وإلا تحوّل الأمر إلى حرب".
وتتهم واشنطن مليشيات عراقية مقربة من إيران بالوقوف وراء الهجمات بصواريخ الكاتيوشيا، والعبوات الناسفة، والتي تستهدف بين الحين والآخر المنطقة الخضراء، وكذلك مطار بغداد الدولي الذي يوجد فيه جزء مخصص للتحالف الدولي، والأرتال التي تنقل معدات "التحالف". وجاء هجوم الأحد، مع اقتراب ذكرى اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، اللذين قُتلا بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي، مطلع العام الحالي، الأمر الذي يثير مخاوف من توجه مليشيات موالية لإيران لاستئناف استهداف المصالح الأميركية في البلاد.