لم تتسبب أطراف الصراع اليمني بانهيار العملة المحلية فضلاً عن كافة ملامح الحياة فحسب، فالإنسان أيضاً بات يخضع لمبدأ المصارفة (تداول العملات). وبدا ذلك واضحاً بعد الكشف عن نجاح المرحلة الأولى من اتفاق تبادل الأسرى بين الحكومة والحوثيين، وبدء الترتيبات لتبادل 1081 أسيراً. من يشاهد الرقم سيتخيل أن الصفقة تمت على أساس أن تفرج جماعة الحوثيين عن 540 أسيراً من الحكومة في مقابل الرقم نفسه من الجانب الآخر، وأن الأسير الزائد عن المناصفة قد تم الإفراج عنه هكذا، صدقة، لوجه المبعوث مارتن غريفيث.
لكن، بالاطلاع على تفاصيل الصفقة التي تمت في غليون السويسرية، كيف تتعامل كل الأطراف بما في ذلك الأمم المتحدة مع آلاف الأسرى من الفئات المستضعفة بعيداً عن القانون الإنساني. من يصدّق أن الأمم المتحدة، وقبلها الحكومة اليمنية، توافق على مبادلة 15 جندياً سعودياً و4 سودانيين مقابل 250 أسيراً حوثياً؟ مع العلم أن أنظار آلاف الأسر اليمنية كانت تترقب نتائج محادثات غليون، آملة في أن تمنح أولادها الحرية من السجون الحوثية المرعبة، لكن النتيجة أن ما لدى القوات الحكومية من أسرى حوثيين تمت "مصارفتهم" بـ15 جندياً سعودياً. بالتالي فبماذا ستتم مقايضة الحوثيين مستقبلاً؟ وماذا ستقدم الشرعية لشراء حرية صحافيين من سياط حوثية تهددهم تارة بأحكام الإعدام وتارة بالتعذيب؟ وبعيداً عن المصارفة، يبدو أن الأمم المتحدة تنوي حسم ملف تبادل الأسرى عبر خطة خمسية، بعد موافقتها على تجزئة اتفاق عمّان الأردني وإطلاق سراح 1420 أسيراً على مرحلتين. ولن تنفّذ المرحلة الأولى قبل منتصف أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وقبل انطلاق محادثات سويسرا، قال مفاوض حوثي إن في حوزة جماعته ألفي أسير من الجنود التابعين للشرعية، تم أسرهم في المعركة الخائبة التي تمت بمنطقة كتاف، قرب الحدود السعودية، عندما زّجت الرياض بآلاف اليمنيين للدفاع عن حدودها، وذكر أن لا أحد يطالب بهم. ألفا أسير في جبهة قتال واحدة، فما هي أرقام باقي الجبهات، وكم نسبة المدنيين منهم بالسجون الحوثية؟ وهل توقف الحوثيون أساساً عن الاختطاف والاعتقالات أم أنه تتم مبادلة كل أسير بثلاثة مدنيين، وبتهم جاهزة أسهلها التخابر مع دولة أجنبية. ورغم كل هذا يرى المبعوث أن ما حصل سيؤدي لوقف الحرب.
إذا نجحت المرحلة الأولى، وهي لا تزال محفوفة بالمخاطر حتى الآن، سيحتاج غريفيث لخمس سنوات حتى ينتهي من تسليم آخر أسير. ومن المتوقع أن يصادف مكتب المبعوث في الصفقات المقبلة الأسماء نفسها وقد عادت لأسرها. فجميع الأسرى الحوثيين الذين تحتفي بهم وسائل إعلام الجماعة، يعلنون صراحة أنهم جاؤوا لزيارة تفقدية لأطفالهم ومن بعدها يعودون للجبهات، وربما يقعون بالأسر ويُدرجون في كشوفات تبادل مرة أخرى.