خطة بايدن لـ"اليوم التالي".. بين الملهاة والأوهام

18 فبراير 2024
تساهل بايدن مع نتنياهو قد يكون سبباً في فشل خطته لـ"اليوم التالي" لحرب غزة (Getty)
+ الخط -

طرحت إدارة الرئيس جو بايدن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، خطة "اليوم التالي" لحرب غزة، ومرر البيت الأبيض مضمونها مسبقاً إلى المعلق المعروف توماس فريدمان في "نيويورك تايمز"، وتمثل مضمون خطة بايدن في دولة فلسطينية مقابل تطبيع سعودي- إسرائيلي، ومحاصرة نفوذ إيران في المنطقة.

فريدمان كان أول من اطلع على مبادرة السلام العربية، وكتب عنها مؤيداً قبل أن تطرحها السعودية في قمة بيروت العربية عام 2002. واليوم، يكتب مؤيداً خطة بايدن، التي يرجح أن تلقى المصير نفسه الذي انتهت إليه المبادرة العربية بسبب تجاهلها إسرائيلياً وأميركياً. الفارق هذه المرة أن العطب الأساسي يكمن في الخطة، وفي تساهل صاحبها مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أكثر من كونه يتعلق باعتراض الأخير عليها.  

وجاءت المقاربة مقلوبة، فانطلقت من النهاية ووعودها حافزاً للموافقة على البداية وشروطها. فريق واسع من المؤيدين، واحدهم الخبير آرون دافيد ميلر، استغرب أن تنطلق خطة بايدن ممّا هو مستبعد، بل مستحيل، في المدى المنظور: دولة الفلسطينية وتطبيع سعودي إسرائيلي، مدخلاً إلى تسويق الهدنة وتوابعها، في حين أن العكس هو المسلك المطلوب.  

فريق أوسع، أمثال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن وزميله بيرني ساندرز والدبلوماسيين السابقين ريتشارد هاس ومارتن أنديك، يستهجن تراخي بايدن مع نتنياهو، وسكوته عملياً عن تحديات الأخير "المهينة" له سياسياً وشخصياً، والاكتفاء بالإعراب عن ضيقه و"نفاد صبره" من رئيس الحكومة. يهدد ويتحدث بلغة الإنذار ليعود من جديد إلى توسل الموافقة الإسرائيلية على خطوات يجمع عليها سائر الأطراف في واشنطن، ما عدا الصقور، مثل وجوب تسهيل الهدنة وصفقة الرهائن.

بدلاً من تكرار زيارات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومدير "سي آي إيه" وليام بيرنز، إلى إسرائيل لهذا الغرض، يدعو بعض العاتبين على التراخي مع نتنياهو برد الصاع صاعين، وزيارة إسرائيل خصيصاً لإلقاء خطاب في الكنيست، كما سبق أن فعل نتنياهو في عام 2015، حين جاء إلى واشنطن من دون إبلاغ الرئيس، ولا زيارته في البيت الأبيض، ليلقي خطاباً أمام مجلسي الكونغرس محرضاً على الرئيس باراك أوباما، والاتفاق النووي الإيراني.

خطة بايدن: الخروج من المأزق

لكن لا يبدو أن بايدن في وارد خطوة كهذه تنطوي على استعداد لمواجهة حاسمة مع رئيس حكومة إسرائيل. يشير إلى ذلك أن الإدارة واصلت التعامل مع خطة بايدن بكثير من التخبط والغموض والتراجع، وبما يعزز الانطباع بأن ما طرحته أصلاً كان أقرب إلى الملهاة، أو في أحسن الأحوال إلى الأوهام، وربما الاثنين معاً، وهي خطة جاءت اضطرارية بعد 3 أشهر من انكشافات حرب الإبادة في غزة، وفشل العملية العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أغراضها، لتبدو كخريطة طريق للخروج من المأزق قبل أن يتحول إلى "أفغانستان مصغرة"، أكثر منها صحوة متأخرة على مشروع سلام يستحق، لو تحقق، إدراجه تحت عنوان "مذهب بايدن" في الشرق الأوسط، باعتباره من عيار الاختراقات الفريدة، مثل "مذهب كيسنجر– نيكسون" الذي أدى إلى الانفتاح على الصين في بدايات سبعينيات القرن الماضي.

هناك علامات الاستفهام كبيرة، لأن العزم ليس بقدر الحجم. فمنذ طرحها، لا تزال الخطة تدور في حلقة مفرغة، مفتاحها بيد نتنياهو، من هدنة وصفقة رهائن، إلى وقف إطلاق النار الذي يفترض أن يؤدي إلى نهاية الحرب. والمفتاح سلّمه له بايدن يوم ترك له إدارة الحرب، مكتفياً (بايدن) بشيء من ضبط مسارها وتداعياتها.

راهن البيت الأبيض على أن سخاء عطاءاته المفتوحة لإسرائيل بعد 7 أكتوبر، ومنحها الوقت اللازم للقيام بعملياتها العسكرية، لا بد أن تقابلهما حكومة نتنياهو بالتجاوب مع الترتيبات التي تستدعيها أولوياته الإقليمية وحساباته الانتخابية. لكن نتنياهو، الذي يعرف كيف يأخذ من الأميركيين من غير أن يعطي، كما قال مرة في تعليق مسجل في غفلة منه، كسب الجولة حتى الآن مع بايدن، الذي بدا غير قادر لأنه غير راغب في ترجمة تحذيره بوقف نتنياهو عند حدّه، بعد تماديه و"تجاوز السقف".

"كان ينبغي أن ينفد صبره على نتنياهو منذ زمن"، قالها ريتشارد هاس. الحديث في واشنطن يدور في هذا الإطار منذ مدة، تحديداً بعد زيارة مدير "سي آي إيه" وليام بيرنز الأخيرة إلى المنطقة، ومن المتوقع أن يعود هذا الحديث إلى واجهة المداولات، التي توزعت في اليومين الأخيرين بين وفاة المعارض الروسي ألكسي نافالني ومؤتمر ميونخ للأمن الدولي. 

المساهمون