خطاب سانشيز بالأمم المتحدة: تغير موقف إسبانيا من دعم المغرب بشأن "الحكم الذاتي في الصحراء"؟
أعلن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، أول من أمس الأربعاء، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تأييد بلاده "حلّاَ سياسياً مقبولاً للطرفين" في ما يخص ملف الصحراء، قائلاً إنّ ذلك يجب أن يأتي "في إطار ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن"، وهي تصريحات فتحت عدة تساؤلات حول ثبات موقف مدريد من تأييد خطة المغرب لمنح الصحراء حكما ذاتياً.
واعتبر المسؤول الإسباني أن "الحل يجب أن يكون في إطار قرارات الأمم المتحدة"، معلناً دعمه الكامل لعمل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا.
وبدا لافتاً، خلال الخطاب، الذي ألقاه سانشيز الأربعاء الماضي، تجنبه الإحراج أمام أطراف النزاع، بعد أن تفادى في خطابه الحديث عن "تقرير المصير" الذي تؤيده الجزائر الداعمة جبهة "البوليساريو" الانفصالية، كما تحاشى تجديد دعم بلاده للمقترح المغربي بمنح الصحراء حكماً ذاتياً.
وكان إعلان مدريد، في 18 مارس/آذار من عام 2022، دعمها مقترح المغرب بشأن الحكم الذاتي قد شكل تحولاً جذرياً في هذا الملف، وذلك لارتباطه بقرار دولة تمثل القوة الاستعمارية السابقة، وأحد أعضاء مجموعة أصدقاء الصحراء (تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا)، وينشط فيها مجتمع مدني مؤيد لـ"البوليساريو".
وتسعى الرباط لإيجاد حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تقدمت بها في عام 2007.
في المقابل، اعتبر العاهل المغربي الملك محمد السادس أن ملف الصحراء "هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات".
وفي خضم التطور في مسار العلاقات بين البلدين اللذين تربطهما شبكة قوية ومتداخلة ومعقدة من المصالح، تطرح تصريحات سانشيز تساؤلات حول ما إذا كانت تمثل تحولاً في موقف إسبانيا من ملف الصحراء.
في الشأن، يرى الخبير في ملف الصحراء صبري الحو أن خطاب سانشيز أمام المشاركين في أشغال الجمعية العامة "لا يعتبر انقلاباً ولا تغييراً ولا نسخاً ولا تعديلاً لقرار إسبانيا الذي يؤيد مبادرة الحكم الذاتي".
ويوضح الحو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مدريد، وتحت لواء الاتحاد الأوروبي، تدعم إشراف الأمم المتحدة واختصاصها الحصري للنظر والتحقيق في النزاع، مشيراً إلى أن "قرارات مجلس الأمن تقدمت كثيراً من حيث اللغة والمعنى، ذلك أن توجيه نفس المجلس وتذكيره الأطراف بخصوص الحل المراد في شكله وخاصياته وطبيعته، هو الوصول إلى حل سياسي توافقي واقعي وعملي".
وبناءً على ما سبق، يعتبر الخبير المغربي أن "الموقف الإسباني المعبر عنه يعتبر تأييداً لمبادرة الحكم الذاتي، وإن جرى التعبير عنه بلغة أخرى، لأن المقام أممي ويفرض على إسبانيا لغة تتلاءم معه دون تغيير في المعنى والموقف الإسباني"، موضحاً أن "العبارة المستعملة من قبل سانشير هي نفسها التي استعملها سابقاً ثلاث مرات منذ سبتمبر/ أيلول من عام 2022".
وأوضح الحو أن "السياق الداخلي الإسباني الحالي، والسياق الداخلي الأوروبي، قد اختلفا الآن، لكون الحزب الاشتراكي الإسباني يقود حالياً حكومة تصريف الأعمال، وينتظر بفارغ الصبر فشل وعجز رئيس الحزب الشعبي الإسباني عن تكوين الحكومة الإسبانية لتسند إليه".
ومع هذه التحولات الداخلية في إسبانيا، أكد الحو "ضرورة صياغة العبارات بشكل مثالي بخصوص علاقة إسبانيا بالمغرب".
من جانبه، يرى رئيس "المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية" نبيل الأندلوسي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن خطاب رئيس الحكومة الإسبانية بخصوص ملف الصحراء "كان مقتضباً، ولم يختلف عما صرح به السنة الماضية أمام نفس الهيئة، ولا يرقى إلى اعتباره تغيراً في موقف الدولة الإسبانية من مقترح الحكم الذاتي"، الذي اعتبره البيان الإسباني المغربي الصادر في إبريل/ نيسان من عام 2022 بمثابة "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل النزاع".
وبحسب الأندلوسي، فإن "الموقف الإسباني الإيجابي من مشروع الحكم الذاتي، المعبر عنه في البيان المذكور، هو الموقف الرسمي للدولة الإسبانية، وإن "الخطاب الأخير لرئيس الحكومة الإسبانية لم يخرج عنه بقدر ما حاول تعويم الموقف بصيغ عامة، لكن هذا لم يرقَ إلى نقض الموقف السابق بأي حال من الأحوال، رغم ضبابيته".
ولفت المتحدث إلى أن الدولة الإسبانية خطت خطوات مهمة في مسار الاعتراف بـ"مغربية الصحراء"، وأنه من الصعب تصور انقلاب على هذا الموقف، بسبب المصالح الاستراتيجية التي تعززت بين الرباط ومدريد، مؤكداً أن "أي تراجع أو تغيير في الموقف ستكون له تبعات على مستقبل العلاقات بين البلدين".