حيرة القضاء التونسي

26 يونيو 2023
تظاهرة ضد الاعتقال السياسي، 18 يونيو (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

شهد الأسبوع الماضي في تونس أحداثاً متلاحقة تلخص المشهد السياسي من ناحية، وتعكس مدى تردي الوضع الحقوقي وتدني مستوى الحريات من ناحية أخرى، وتوضح حالة القلق التي يعيشها القضاء التونسي.

فبعد حوالي عامين من الملاحقات والتحقيقات والسجن، قرّر قاضي التحقيق حفظ التهم في حق 15 متهماً، ورفع قرار تحجير السفر (منع السفر) عنهم في ما يُعرف بقضية شركة "أنستالينغو" المختصة في إنتاج المضامين الإعلامية (متهمة بالتجسس وتبييض الأموال)، لتستأنف النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بسوسة هذا القرار طبعاً، وتعترض عليه.

وعلّقت الصحافية المتهمة في القضية، شذى الحاج مبارك، في صفحتها على فيسبوك الأسبوع الماضي، على القرار قائلة: "قرر حاكم التحقيق بسوسة حفظ جميع التهم في حقي وحق الفريق العامل معي، والذي أُحيل من دون أي قرائن جدية تثبت تورطه في جريمة لدى انطلاق التّتبعات في ملف "أنستالينغو" في سبتمبر/ أيلول 2021. لكن الضرر المادي والمعنوي الحاصل من جراء هذه المظلمة لن ينمحي واستتباعاته المؤذية صحياً ونفسياً أكبر من أن توصف بالكلمات".

والأسبوع الماضي أيضاً، أُعلن عن إطلاق سراح القيادية بـ"جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، شيماء عيسى، قبل أن تعترض النيابة أيضاً على القرار وتستأنفه. وكذلك تم اعتقال الصحافي زياد الهاني، ثم تمّ إطلاق سراحه.

وتبدو الساحة التونسية وكأن الجميع في حالة سراح مؤقت، حيث الجميع تحت طائلة الملاحقة الممكنة بسبب رأي أو تصريح أو موقف، بينما يستغرب الرئيس قيس سعيّد دائماً ويتساءل بدهشة "هل تمّ اعتقال أحد بسبب رأيه؟".

وبقدر ما أثارت ملاحقة الصحافيين، والمعارضين عموماً، انتقادات دولية كبيرة، فإنها عكست أيضاً تململاً داخل الجسم القضائي، وحالة من القلق الواضحة، حيث يتم إطلاق سراح البعض بقرار من قضاة التحقيق، أو المحاكم الابتدائية، لتعترض النيابة العمومية المضغوط عليها من السلطة التنفيذية، والمتهمة بالخضوع لتعليمات وزارة العدل من مهتمين بالشأن القضائي.

ولطالما طالبت جمعية القضاة التونسيين القضاة، بعدم الرضوخ لتعليمات السلطة التنفيذية، والاحتكام إلى القانون وإلى ضمائرهم. وهو ما يفسّر حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالسلطة القضائية التي يريد سعيّد ويصر على أن يحوّلها إلى مجرد وظيفة، ويقول إنه عليها أن "تتحمل مسؤوليتها التاريخية" في سياق مشروعه الشخصي للحكم، وتصوّره لبلد يريد أن يرسمه على حسب رؤيته.

والفرق بين القضاء السلطة والقضاء الوظيفة في معيار الاستقلالية كبير وشاسع، بحجم الفرق بين بلد ديمقراطي ودكتاتورية لا غبار عليها.
وفي الانتظار، يبقى الجميع تحت العين التي تراقب الجميع، لتحويل تونس إلى حالة خوف عامة، ولكن يبقى هناك صمود واستماتة الأنفاس الأخيرة دفاعاً عن حرية مهددة.

المساهمون