استمع إلى الملخص
- **التحضير لحوار سياسي جديد**: ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية، صرحت بضرورة إجراء محادثات لبناء الثقة بين الأطراف الليبية وإنهاء الإجراءات أحادية الجانب.
- **شرعية التدخل الدولي**: الأطراف الليبية مسؤولة عن تدهور الوضع، لكن البعثات الأممية تمثل مصالح المتدخلين الدوليين، وتستخدم الاتفاقيات السياسية لشرعنة التدخل الخارجي.
لا تقر الأمم المتحدة بفشلها في إدارة الأزمات فقط، فضلاً عن مساهمتها في تعميقها وصنعها في مناطق النزاع حول العالم، بل ترفع في حراكاتها وأنشطتها شعار "المساعي الحميدة" الفضفاض، الذي يعني في أدبياتها توسط طرف ثالث بين طرفين متنازعين لتسهيل اتصالهما، على الرغم من وجود أطراف دولية متداخلة تقف على ظلّ أنشطتها ولا يمكنها إخفاء ذلك. هذا تماماً ما حدث في ليبيا منذ أن تمّ تدويل قضية البلاد بالقرار الأممي الخاص بحماية المدنيين عام 2011، إذ أصبحت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا هي القائد الممسك بأطراف كل الأزمة المتصاعدة، خصوصاً من خلال تلك الوثائق الدستورية التي يشرعنها مجلس الأمن بقراراته تحت مسمى الاتفاقيات التي تفرزها الحوارات الأممية بين أطراف الصراع المحلي.
يدور هذه الأيام حديث متزايد عن رغبة أممية في التحضير لحوار سياسي ليبي جديد يهدف إلى كسر حالة الجمود، بل هو ما صرحت به القائمة بأعمال رئيس البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري، خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن في أغسطس/ آب الماضي، عندما أكدت ذهاب الأوضاع في ليبيا إلى حالة انهيار جديد، وعليه يتوجب "إجراء محادثات لوضع مجموعة من تدابير بناء الثقة بين جميع الأطراف لإنهاء الإجراءات أحادية الجانب وخلق بيئة أكثر ملاءمة لاستئناف العملية السياسية".
في كل مرة يطلق فيها حوار سياسي، تضع الأمم المتحدة اللائمة على أطراف الصراع الليبي تحت العديد من التوصيفات للتهم التي تحتاجها كل مرحلة. والآن، وهي في طور الإعداد لحوار سياسي جديد، تستخدم خوري توصيف "القرارات الأحادية" لإلقاء الفشل على المتصارعين المحليين، من دون أن تفسّر ما معنى هذه القرارات الأحادية، وكيف للأطراف أن تصدرها مستندة فيها إلى الاتفاقيات السياسية التي رعتها الأمم المتحدة، ولماذا لا تصرح ببطلانها إذا كان منشؤها تلك الاتفاقيات.
لا شك في أن أطراف الصراع الليبي مسؤولون بشكل مباشر عن انجراف وضع البلاد نحو الهاوية بشتى صورها: تردٍّ اقتصادي وصل إلى حالة التخلف، وصراع سياسي أنتج الحروب والاقتتال لسنوات طويلة، وفراغ أمني فتح الباب على مصراعيه أمام كل متدخل عسكري أجنبي، لكن تاريخ البعثات الأممية حول العالم لا يخبر إلا عن شيء واحد، وهو أنها على الدوام تمثل مصالح المتدخلين الدوليين وتمنحها الصبغة الشرعية.
في المرحلة الليبية الجديدة، باتت الحاجة ملحّة لاستئناف العملية السياسية، لا من أجل قيادة الأزمة نحو تفكيكها لصالح إجراء الانتخابات لتجديد الشرعية للمؤسسات السياسية، بل من أجل تجديد شرعية التدخل الدولي. فكما لم يعد اتفاق الصخيرات الموقع عام 2015 بين الأطراف الليبية قادراً على خدمة مصالح المتدخلين، فتم منحه دفعة بشرعية دولية جديدة من خلال اتفاق جنيف عام 2020، يحتاج الأخير إلى دفعة جديدة ضمن اتفاق أو خريطة أو تسوية أو أي مسمى آخر، فقاموس الأمم المتحدة دسم للغاية ولن تحار في إيجاد أي وصف له وبأي بعد سياسي أو اقتصادي أو أمني.
كان من المفترض أن تصرح خوري ببطلان قرارات جميع الأطراف المتصارعين، لكنها تعلم جيداً أنهم جميعاً يرتكزون على بنود ونصوص في الاتفاقيات السياسية، ولذا وصفها بـ"الأحادية" يحمل اعترافاً ضمنياً بصحتها قانوناً، واعترافاً ضمنياً آخر بأن تصميم هذه الاتفاقيات كان مقرراً فيه منذ البداية ترك تلك الفراغات ليستند إليها كل طرف بمفرده. ولو أرادت الأمم المتحدة غير ذلك لفرضت آليات في الاتفاقيات تضمن صدور القرارات بالإجماع، حتى يتسنى لها التدخل عند الحاجة، خصوصاً أن شرعية الاتفاقيات تلك مستمدة من قرارات مجلس الأمن، لا من تضمينها في الإعلان الدستوري الليبي أو غيره. لم يعد خافياً أن الاتفاقات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة مجرد نصوص لشرعنة التدخل الخارجي، وتحمل في طياتها آليات تضمن استمرار ذلك التدخل.