شرع النظام السوري بحملة لمكافحة المخدرات في محافظة درعا، جنوبي سورية، في محاولة هدفها كما يبدو توجيه رسائل بالتزامه وعوده للدول العربية وفي مقدمِها الأردن، بالحد من عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود، إلا أن توقيت الحملة، والمشاركين فيها، يطرح تساؤلات عن جديتها.
وذكرت مصادر محلية أن الحملة التي بدأها النظام الثلاثاء الماضي، يشارك فيها شخصان مدرجان في لوائح العقوبات الأميركية والبريطانية، لضلوعهما في عمليات تجارة المخدرات نحو الأردن، وهما: عماد زريق، ومصطفى المسالمة الملقب بـ"الكسم".
ويقود زريق والكسم مجموعتين تابعتين لجهاز الأمن العسكري التابع للنظام، وهو من أكثر أجهزة النظام فتكاً بالمدنيين قبل وأثناء الثورة السورية.
حملة لمكافحة المخدرات جنوبي سورية
وزعمت وكالة "سانا" التابعة للنظام، أن "الجهات المختصة" في درعا أوقفت خلال الحملة "عدداً من المشتبه بهم في تجارة وتهريب المخدرات، وضبطت أسلحة وكميات من مادة الحشيش، خلال عملية تمشيط بالتعاون مع الجيش العربي السوري بالقرب من الحدود الأردنية".
وتأتي هذه الحملة التي تروّج لها وسائل إعلام النظام قبل أيام من اجتماع مقرر لـ"لجنة اتصال وزارية"، مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وذلك لتقييم مدى تنفيذ النظام بيان عمّان الذي صدر في مطلع مايو/ أيار الماضي، والذي دعا إلى "خطوات تبادلية"، لتخفيف العزلة عن النظام.
محمد الحاج علي: النظام عبارة عن عصابات تتبادل الأدوار والمهام
كما جاءت عقب اجتماع عسكريين وأمنيين من الأردن والنظام السوري في العاصمة الأردنية عمّان أواخر الشهر الماضي، لـ"بحث التعاون في مواجهة خطر المخدرات ومصادر إنتاجها وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريبها عبر الحدود إلى الأردن"، وفق بيان وزارة الخارجية الأردنية، الذي أشار إلى أن الاجتماع "بحث الإجراءات اللازمة لمكافحة عمليات التهريب، ومواجهة هذا الخطر المتصاعد على المنطقة برمتها".
وكانت عمّان ودمشق قد شكّلتا مطلع يوليو/ تموز الماضي لجنة مهمتها الحد من عمليات تهريب واسعة النطاق للمخدرات من سورية إلى الأردن، والتي تجري منذ نحو خمس سنوات، مع استعادة النظام السيطرة على محافظة درعا من فصائل المعارضة السورية في منتصف عام 2018.
وشكك اللواء المنشق عن قوات النظام محمد الحاج علي (وهو من أبناء محافظة درعا) في هذه الحملة، مشيراً إلى أن النظام السوري "مخادع"، مضيفاً: هو عبارة عن عصابات تتبادل الأدوار والمهام، تقودها الأجهزة الأمنية التي تُقاد من القصر الجمهوري.
وأعرب عن قناعته، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن الحملة التي بدأها النظام في درعا ضد تجارة المخدرات "محاولة للالتفاف على مقررات اجتماع عمّان في مايو الماضي"، مضيفاً: يريد النظام أن يُشعر العرب بأنه ملتزم بتنفيذ هذه المقررات. واستبعد الحاج علي قيام الجيش الأردني بشن هجمات واسعة في جنوب سورية للحد من تهريب المخدرات، متوقعاً: "لكن من الممكن قيامه بعمليات صغيرة ومحدودة على الحدود مع سورية".
من جهته، وصف أيمن أبو نقطة وهو المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" (شبكة إعلامية تنقل أخبار الجنوب السوري)، في حديث مع "العربي الجديد"، الحملة بـ"الوهمية"، مضيفاً: الأجهزة الأمنية تروّج أنها تلاحق تجار المخدرات، ولكن بالحقيقة هدفهم تفريغ المنطقة من السكان لتهيئة الظروف لعمليات تهريب أوسع.
وأشار إلى أن "إدراج عماد أبو زريق ومصطفى المسالمة في قوائم العقوبات الغربية في مارس/آذار الماضي، لم يحد من نشاطهما في عمليات تهريب المخدرات وترويجها في محافظة درعا، جنوبي سورية".
وتشكل عمليات تهريب المخدرات من سورية إلى الأردن وإلى دول الخليج أكبر هاجس لدى الدول العربية التي تطالب النظام باتخاذ خطوات جادة للحد من هذه العمليات، على الرغم من أن كل التقارير الدولية تؤكد أن النظام نفسه يسهّل عمليات تصنيع وتهريب المخدرات.
وتقود الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام) وفق كل التقارير الغربية عمليات صناعة وتهريب المخدرات خصوصاً مادة الكبتاغون، إضافة إلى الأجهزة الأمنية المتعددة، وهو ما يطرح تساؤلات عن مدى جدية النظام في محاربة تجارة تدرّ على أركانه وكبار ضباطه أموالاً طائلة، في وقت يعاني من حصار غربي خانق. ويستخدم النظام هذه التجارة للضغط على الدول العربية للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، إلا أن شواهد تشير إلى أن هذه الدول تراجع خطوات اتخذتها تجاه النظام في مايو الماضي، بسبب عدم التزامه بالمطالب العربية منه.
أيمن أبو نقطة: الأجهزة الأمنية تهدف لتفريغ المنطقة من السكان للقيام بعمليات تهريب أوسع
هجمات أردنية نادرة
وتعد محافظة درعا المتاخمة للأردن منطلق أغلب عمليات تهريب المخدرات، التي دفعت الجيش الأردني للتدخل لإيقاف هذه العمليات. ويُعتقد أنه نفذ في مايو الماضي ضربتين جويتين نادرتين على جنوب سورية، إذ قصف مصنع مخدرات مرتبطاً بإيران، وقتل مهرباً يُعتقد أنه كان وراء عمليات تهريب كبرى عبر الحدود بين البلدين.
ويؤكد الأردن أن 85 في المائة من المخدرات التي تُضبط معدّة للتهريب إلى خارج الأردن، خصوصاً إلى السعودية ودول الخليج. وإضافة إلى قضية المخدرات، يبدو الأردن منزعجاً أيضاً من عدم اتخاذ نظام الأسد أي خطوات لتشجيع عودة اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيه، والذين يقدر الأردن عددهم بما يزيد عن مليون شخص، وعدم تقيده باتفاق مبدئي على عودة ألف لاجئ سوري، بحجة أنه يحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية ليتمكن من استقبال اللاجئين العائدين.
كما شاب التوتر أخيراً العلاقة بين النظام السوري والأردن الذي يقود الجهد العربي للتطبيع مع النظام، بسبب عدم توقف عمليات التهريب التي شهدت تحولاً من خلال استخدام طائرات مسيّرة لنقل المواد المخدرة من الأراضي السورية إلى الأردنية.
وقال وزير الصناعة والتجارة الأردني يوسف الشمالي، أواخر الشهر الماضي، إن النظام السوري لا يسمح بدخول البضائع الأردنية إلى الأراضي السورية، فيما قال رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير إن الجانب السوري "أوقف الاستيراد من الأردن ووضع ثلاث قوائم، الأولى للبضائع الممنوع استيرادها مطلقاً، والثانية لبضائع مفروضة عليها جمارك، والثالثة لبضائع تحتاج إلى موافقات مسبقة من سورية".
غير أن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري أوضحت، الثلاثاء الماضي، أن ما وصفتها بـ "سياسة ترشيد المستوردات" التي تتبعها، ليست موجهة إلى دولة معينة، مشيرة إلى أنها تتواصل مع الجانب الأردني للعدول عن الإجراءات التقييدية المتخذة من قبله تجاه منع دخول بعض المنتجات السورية إلى أسواقه، مقابل السماح بدخولها من الدول الأخرى.