دخلت حملة الانتخابات التشريعية في تونس أسبوعها الثالث والأخير قبل توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وسط فتور وغياب للتنافس، بحسب كثير من المتابعين.
ويتفق خبراء الشأن الانتخابي على أنّ الحملة التشريعية بعد مرور أسبوعين على انطلاقتها، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تتواصل بنسق بطيء وباهت عموماً، وفي انعدام لأي مظاهر التنافس في 10 دوائر انتخابية سجلت مترشحاً وحيداً أو مترشحين في دوائر أخرى، فيما تعيش تونس لأول مرة منذ الثورة 2011، غياب الانتخابات تماماً في 7 دوائر انتخابية، بسبب عدم تسجيل أي مترشح.
وأكد رئيس المنظمة التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد" بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ الحملة الانتخابية "تتواصل بنسق ضعيف، فيما تقتصر نوعية الأنشطة على الدعاية وتوزيع المنشورات ولقاءات مباشرة مع مواطنين"، مشيراً إلى "اعتماد بعض المترشحين على وسائل غير مألوفة مثل الفرق الغنائية وغيرها".
وبحسب معطر، فإنّ "التغطية الإعلامية تبقى دون المستوى الكافي لولوج مختلف المترشحين، إذ إنّ المجال القصير في التعبير المباشر في التلفزيون لا يسمح بالتعرف إلى برامج المترشحين، وأكبر دليل ما جاء على لسان (الهايكا) - الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري - أمس الخميس، من خلال تقريرها حول عديد المترشحين الذين لا يستوفون حتى الوقت المخصص لهم لأنهم لا يمتلكون إجابات، وهناك عدد هام لا يحضرون ولا يلبّون دعوات الإعلام، وهو ما يبين أنّ المشهد ضبابي".
وحول أداء هيئة الانتخابات، قال معطر إنّ دورها "تقني فقط وتقوم بالإعلان عن المخالفات، وهي مخالفات على شكل الحملة تتمثل في تبادل عنف بين المترشحين أو تمزيق معلقات إشهارية أو تعليق في غير المكان المخصص"، مشيراً إلى أنّه "حتى المخالفات الانتخابية باهتة على شكل الحملة الباهتة ولا وجود لمخالفات انتخابية خطيرة وخطيرة جداً".
وقال معطر إنّ هذه الحملة "تتسم بالفتور في غياب للتنافس كما السابق"، وأضاف "خلافاً لعدد محدود من المترشحين لديهم مستوى محترم، فإنّ العدد الآخر ليس لديهم مستوى سياسي ولا أي دراية بصلاحيات مجلس نواب الشعب".
أسباب غياب التنافس
وفسّر معطر وجود أربعة أسباب وراء غياب التنافس في حملة الانتخابات التشريعية التونسية، و"هي أولاً المناخ السياسي الذي لا يشجع ويتميز بمقاطعة كبيرة، وثانياً هيئة الانتخابات التي أثارت الجدل، وأثرت على ثقة المواطنين وعلى مصداقيتها التي يفترض أن تشجع الناخبين على الانتخاب، وآخرها الجدل القائم مع هيئة الاتصال السمعي البصري، وأخيراً المرسوم الانتخابي الذي يتم به تشكيل هذا المشهد السياسي".
من جانبه، اعتبر المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" المختص في مراقبة الانتخابات الناصر الهرابي أنّ حملة الانتخابات التشريعية التونسية "تتواصل بنسق بطيء في غياب التنافس والحركية التي كانت ملحوظة في السنوات الماضية"، واصفاً مسارها بـ"الباهت" رغم مضي أسبوعين على انطلاقها.
وبيّن الهرابي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ المسار الانتخابي "بدأ بإطار قانوني حوله جدل كبير واحترازات عديدة، حيث اعتمد المرسوم 55 المنقح للقانون الانتخابي على نظام الاقتراع على الأفراد بدل نظام القوائم، وذلك بشكل غير تشاركي ودون أي ضمانات لمشاركة المرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، هذا إلى جانب تقسيم الدوائر الانتخابية بمعايير غير مفهومة".
وأشار الهرابي إلى أنّ هذا الفتور الانتخابي "يعود أيضاً إلى حجب المرسوم الانتخابي للتمويل العمومي عن المترشحين، وهو ما يحرم الأشخاص الذين ليست لديهم إمكانيات مادية من حقهم في الترشح والمشاركة في الشأن العام، ويفتح الباب أمام النافذين وأصحاب الأموال والأحزاب لدعم ودفع البعض للترشح، وهو ما يضرب مبدأ المساواة بين الجميع"، كما يقول.
ولاحظ الهرابي "غياب المنافسة والحركية التى كانت تتميز بها الحملات الانتخابية سابقاً؛ بسبب غياب ومقاطعة الأحزاب والائتلافات الحزبية الكبرى والتي لها تجربة، وهو ما نتجت عنه مقاطعة جسم انتخابي هام لكامل المسار".
وتابع "كل ذلك إلى جانب ما يدور حول هيئة الانتخابات، وحول مسار 25 يوليو والمقاطعات وغياب التشاركية، والتي جعلت من المناخ الانتخابي المتوتر يولد إحساساً عند الناخب بأنه غير معني بالانتخابات".
وأكد رئيس الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري النوري اللجمي، خلال ندوة صحافية، أمس الخميس، أنّ "الهايكا" توجهت إلى القضاء الإداري "بسبب استيلاء هيئة الانتخابات على صلاحياتها المكرّسة بالقانون الانتخابي وبالمرسوم 116".
وبخصوص الحملة الانتخابية، اعتبر النوري اللجمي أنها "تتميز بالفتور، مقابل تحسن أداء الصحافيين من انتخابات إلى أخرى".
إلى ذلك، تسعى هيئة الانتخابات إلى تشجيع الناخبين على الإقبال على صناديق الاقتراع من خلال حثهم عبر إرسال رسائل قصيرة أثارت جدلاً واسعاً، جاء فيها: "تونس محتاجة لصوتك، لا تتخلّ عنها، يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول اختر من يمثلك في البرلمان".
وانتقدت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم الدريدي، في تدوينة على حسابها عبر "فيسبوك"، هذه الرسائل قائلة: "ما دامت الهيئة مستقلة فما شأنها إن صوتنا أم لم نصوت في الانتخابات؟".
وينتخب التونسيون يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول الحالي برلماناً جديداً طبقاً لأحكام الدستور الذي أقرّه الاستفتاء الذي أجري في يوليو/ تموز الماضي بعد عام من تجميد الرئيس قيس سعيّد للبرلمان المنتخب عام 2019.
وسيتنافس 1052 مرشحاً في 151 دائرة انتخابية بالداخل، موزعة على 24 ولاية، وثلاثة مرشحين فقط في الخارج، بينما بقيت 7 دوائر بالخارج دون مرشحين.