للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، تمكّنت حملة أمنية موسعة من وزارة الداخلية المصرية وقوات حرس الحدود، من الدخول إلى منطقة البرث جنوب مدينة رفح في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر. وتعد هذه المنطقة من أبرز معاقل اتحاد قبائل سيناء، النواة الأولى للمجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في حربه ضد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، علماً أن الاتحاد أسسه إبراهيم العرجاني، الذي بات أحد أبرز رجال الأعمال في مصر، والمقرب من أجهزة سيادية مصرية.
قرار أمني عالي المستوى بالدخول إلى البرث
وفي التفاصيل، قال مصدر قبلي في منطقة البرث لـ"العربي الجديد"، إنهم فوجئوا على مدار الأيام الماضية بقوة أمنية كبيرة، مؤلفة من عشرات الآليات المصفحة، تدخل المنطقة للمرة الأولى. ولفت إلى أنها قوة في غالبيتها من أجهزة وزارة الداخلية، وعلى وجه التحديد إدارة مكافحة المخدرات، فيما ترافقها قوة من حرس الحدود والجيش المصري، التي تعمل كدليل في المنطقة لقوة الداخلية، وحماية لها من أي تعرّض من قبل أفراد المجموعات القبلية الذين لا يزالون يحملون السلاح.
ما جرى يعدّ تحولاً في آلية تعامل الأجهزة الأمنية مع عناصر المجموعات القبلية الذين ساندوا الجيش ضد "داعش"
وأضاف أن دخول قوات شرطة وجيش إلى منطقة البرث، يعد حالة نادرة للغاية، خصوصاً أن مدينة رفح منذ الثورة تخلو من أجهزة الداخلية، وكذلك مدينة الشيخ زويد فيها عدد قليل من القوات الأمنية التابعة للداخلية، وبالتالي جرى استدعاء قوة من مدن العريش وبئر العبد، وكذلك من محافظة الإسماعيلية.
واعتبر أن ذلك يشير إلى وجود قرار من مستوى أمني عالٍ بضرورة الدخول إلى البرث، ومصادرة بعض الأسلحة، وملاحقة زراعة المخدرات وترويجها، وقطع طرق التهريب من مصر إلى سيناء، وبالعكس. ولفت إلى أن هذا الأمر كان يتم تجاهله طيلة السنوات الماضية، خصوصاً في ظل مشاركة غالبية شباب منطقة البرث في قتال "داعش"، الذي تم طرده من مراكز مدن شمال سيناء خلال العام الماضي.
وبيّن المصدر القبلي أن ما جرى خلال الأيام الماضية يعدّ تحولاً جديداً في آلية تعامل الأجهزة الأمنية مع عناصر المجموعات القبلية الذين ساندوا الجيش في حربه على "داعش"، والتي بدأت بمنع دخولهم إلى القرى المهجرة، وسحب الأسلحة الثقيلة، والسيارات المصفحة، والبطاقات التي تسمح لهم بالتحرك على الحواجز والكمائن بسهولة، وكذلك حرمانهم من إعادة بناء منازلهم التي دمرت بفعل العمليات العسكرية ضد التنظيم.
وأشار إلى أن هناك حالة من الغضب في صفوف مقاتلي المجموعات القبلية من الحملات الأمنية التي دهمت أراضيهم وبعض الأماكن التي يعيشون فيها، في حين لم تقترب الحملة من المنازل السكنية، والسيارات المارة على الطريق.
وذكر المصدر أن الحملة ضبطت كمية من المخدرات، تم إحراقها في المكان، وكذلك عُثر على أدوات تُستخدم لزراعة المخدرات والتي نشطت في البرث بشكل غير مسبوق خلال السنوات الماضية، إذ وفّرت العلاقة الجيدة بين سكان المنطقة وكبارها مع متنفذين، غطاءً كافياً لزراعة مخدر "الهيدرو" بشكل علني، في مساحات واسعة من المنطقة.
وبحسب المصدر، يبدو أن الفترة الذهبية لزراعة المخدرات قد انتهت، لا سيما أن عدداً من المسؤولين عن المجموعات القبلية باتوا يعملون في قطاعات أعمال أخرى في مصر، وفي مقدمتهم عائلة رجل الأعمال إبراهيم العرجاني وعدد آخر من المقربين منه، والذين شاركوا في مساعدته على الوصول لعلاقات جيدة مع قوات الأمن والمخابرات.
تحذير من التعرض للمحاسبة
يشار إلى أن ضبط عمليات تهريب المخدرات من سيناء إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بات خبراً روتينياً في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، نتيجة تصاعد عمليات التهريب بين الطرفين، في ظل مرور موسم حصاد المخدرات في شبه جزيرة سيناء، شرقي مصر، بينما تنجح عشرات عمليات التهريب على الحدود، لعدة أسباب متعلقة بطريقة التهريب وخبرة المهربين، وأحياناً تواطؤ موظفين رسميين في كلا الجانبين نتيجة علاقات المهربين بهم.
وكانت مصادر قد تحدثت لـ"العربي الجديد" عن زراعة المخدرات في مناطق سيطرة المجموعات القبلية المساندة للجيش المصري في شمال ووسط سيناء، وذلك بشكل شبه علني، استغلالاً لعدم تحرك الجيش في تلك المناطق.
أبو سلمان الترابين: من نشر شيئاً يخص الحملة فليسارع بحذفه قبل أن يُحاسب
وفي التعقيب على ذلك، كتب أبو سلمان الترابين، أحد الوجوه المعروفة للمجموعات القبلية عبر "فيسبوك": "يا شباب البرث ممنوع التصوير والاقتراب من حملة وزارة الداخلية التي تقوم بتمشيط المنطقة في هذه الأيام، لأن الأجهزة الأمنية منزعجة مما يقوم به بعض الشباب من تصوير واقتراب من الحملة، مع العلم أن هذه الحملة لا تدخل البيوت ولا تقوم بتوقيف السيارات".
وأضاف: "هذه المعاملة موصى بها من الأجهزة الأمنية لشكر ومكافأة أبناء سيناء على دورهم في مكافحه الإرهاب، ومن نشر شيئاً يخص الحملة فيسارع بحذفه قبل أن يُحاسب لأن النت كله مراقب والقلم بيكتب، رجاءً عدم الاقتراب لأن هذا الاقتراب يولد احتكاكا والاحتكاك يولد تجاوزات ومشاكل لا تحمد عقباها، البعد أحسن كلها أيام قليلة وتمشي الحملة".