أعلن شيوخ ووجهاء ومرجعيات قبلية وشخصيات بارزة في محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، أول من أمس الثلاثاء، تشكيل "حلف أبناء وقبائل شبوة"، ضمن حراك وترتيبات واسعة تشهدها محافظات شرقي البلاد، تعكس حالة منافسة واستقطاب حادة، وتضع مزيداً من العقبات أمام نفوذ "المجلس الانتقالي الجنوبي" المطالب بالانفصال.
وأُشهر الحلف صباح الثلاثاء، في مديرية مرخة السفلى، غرب محافظة شبوة، بعد يوم على توجيه محافظ المحافظة عوض الوزير العولقي، الموالي للإمارات، القوات الأمنية، بمنع إقامة الفعالية في مدينة عتق، مركز المحافظة، الواقعة تحت سيطرة المجلس الانتقالي منذ نحو عام.
وعيّن المجتمعون من شيوخ ووجهاء وأعيان محافظة شبوة ومرجعياتها القبلية الشيخ علي حسن بن دوشل النسي لرئاسة الحلف. وأكدوا في وثيقة الإشهار على توحيد الجهود ونبذ الخلافات ولمّ الشمل وتوحيد الصفوف بين كل أبناء المحافظة بمختلف مكوناتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم، والوقوف على مسافة واحدة من جميع المكونات والقوى الشبوانية الموجودة في الحلف.
أهداف "حلف قبائل شبوة"
وبارك الحلف جهود مجلس القيادة الرئاسي الرامية إلى استعادة الدولة وتوحيد جهود كل القوى لتحقيق ذلك، داعياً إلى إعطاء المحافظات المحررة الصلاحيات الكاملة في إدارة شؤونها وتوظيف إمكاناتها وثرواتها لمصلحة أبنائها.
ودعا الحلف إلى تمكين أبناء شبوة من إدارة شؤون المحافظة في المجالات كافة والاستفادة من ثرواتها، وتسخيرها في مشاريع تنموية كبيرة تعود بالنفع على جميع أبنائها، وإتاحة الفرصة للكوادر المحلية من العمل في الشركات التي تعمل في المحافظة.
وأكد الحلف على ضرورة شغل جميع الوظائف والمواقع القيادية في المحافظة من قبل أبناء شبوة، وطالب بتوزيع عادل بين جميع المديريات مع مراعاة تمكين الكفاءات من أبناء المحافظة في جميع المجالات.
كما بارك الحلف تشكيل المجلس الحضرمي، الذي قال إنه "أتى معبراً عن تطلعات أبناء حضرموت وموحداً لهم ومعززاً لمكانة حضرموت التاريخية والاقتصادية"، مؤكداً على عمق العلاقة التاريخية التي تربط شبوة بحضرموت أرضاً وانساناً على مر العصور.
أحمد رناح: لن يكون للحلف أي توجهات سياسية ضد مكونات الشرعية القائمة
وتشكل شبوة مع جارتها حضرموت وكذلك المهرة وأرخبيل سقطرى، الإقليم الشرقي في اليمن، أو ما أطلق عليه إقليم حضرموت، كما في وثائق مؤتمر الحوار الوطني اليمني (2013 – 2014).
ويأتي التحالف القبلي المعلن فيها على غرار "مجلس حضرموت الوطني" المعلن في 20 يونيو/حزيران الماضي، بعد مشاورات بين المكونات بدعم ورعاية سعودية، في خطوة يتوقع أن تكبح جماح المجلس الانتقالي.
وتعد شبوة واحدة من أهم المحافظات الرافدة للاقتصاد الوطني من خلال ما تحويه من موارد طبيعية وحقول ومنشآت نفط. وللمحافظة ميناءان استراتيجيين لتصدير الغاز والنفط، وتتميز بأهميتها الاستراتيجية إذ تخترق الخريطة اليمنية من الشرق في بحر العرب وصولاً إلى أطراف محافظتي مأرب والبيضاء وسط البلاد.
وتمكن "الانتقالي" من السيطرة على شبوة بعد حرب شنتها قواته تحت قيادة المحافظ الحالي، ضد قوات الجيش والأمن، في أغسطس/آب الماضي، وحسمت لصالح قوات المحافظ بعد تدخل طيران مسير يعتقد أنه إماراتي ضد قوات الجيش والأمن التابع للحكومة.
وعلى الرغم من جهوده التي يقودها منذ سنوات للسيطرة على حضرموت، برزت شهية "المجلس الانتقالي الجنوبي" بشكل أكبر عقب معركة شبوة، إذ دفع أنصاره للتصعيد، في خطوة أثارت ارتياب السعودية مما يجري في المحافظة التي تشترك معها بحدود شاسعة ومنفذ بري، وتعتبرها جزءاً من محيطها الأمني.
ومع بداية العام الحالي بدأ تجميع قوات الحكومة التي تفرقت عقب أحداث أغسطس، في معسكر عارين في أطراف شبوة القريبة من حضرموت.
وفي الأخيرة أحدثت جملة من الترتيبات أبرزها تغييرات أجراها مجلس القيادة، بإيعاز سعودي، لقيادات وادي حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى، التي يعدّها "الانتقالي" خصماً له ويطالب بإخراجها من المنطقة، فيما توّجت الترتيبات أخيراً بإشهار المجلس الحضرمي، والذي على غراره جاء حلف قبائل وأبناء شبوة.
ولم يصدر عن "الانتقالي" أي تعليق رسمي حول حلف شبوة. وأبدى ناشطون موالون للمجلس ارتياباً من الخطوة التي قالوا إن حزب الإصلاح، أكبر حزب إسلامي في البلاد، يقف وراءها.
كما استنكر رئيس دائرة العلاقات الخارجية في المجلس، أحمد عمر بن فريد، ما وصفها بـ"الهويات المحلية"، والتي قال إنها "قيمة وثروة وطنية، ولكن يجب ألا تستخدم من قبل البعض كخنجر يطعن الجنوب في خاصرته".
من جانبه، اعتبر الكاتب اليمني أحمد رناح، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "حلف قبائل شبوة يمثل نطاقاً واسعاً من شيوخ القبائل المعتبرة والشخصيات الهامة الكبيرة، وله صدى كبير وأهداف عظيمة، إذا تحققت ستجلب الكثير لشبوه وأهلها".
وأضاف أن "الحلف ليس له توجه سياسي وقوته في كونه خليط من جميع الطيف السياسي، وأهدافه اجتماعية، لتخفيف عمليات الثأر وتحقيق مطالب أبناء شبوة بالتعاون مع السلطة المحلية والحكومية والجهات الداعمة لليمن".
ياسين التميمي: المجالس الجديدة تثبّت نظاماً لامركزياً
وحول اصطدام السلطة بالحلف، قال رناح، المتحدر من شبوة، إن منع السلطة المحلية الحلف من إقامة فعاليته في مدينة عتق "كانت طريقة غبية، أظهرت الحلف الجديد وكأنه ضد السلطة، رغم عدم صحة ذلك، ولن يكون للحلف أي توجهات سياسية ضد مكونات الشرعية القائمة".
وأشار رناح إلى أن "الحلف سيكون بمثابة المراقب الشعبي لأداء السلطة ونقدها، وواجهة شعبية قوية تتصدر مطالب الناس في شبوة ورفعها للجهات ذات الاختصاص، سواء على المستوى المحلي أو الحكومي أو الإقليمي". وأضاف: "سيكون للحلف مواقفه الثابتة في كل ما يلبي رغبات الناس في محافظة شبوة، والضغط على السلطة ومساندتها في نفس الوقت لتحقيق مطالب الناس".
واختتم رناح حديثه بالقول: "أعتقد أنه إذا استمر الحلف في بلورة أهدافه بشكل جيد، والعمل على تحقيق أكبر تجمع قبلي في شبوة، فسيكون له مكانة كبيرة في مستقبل اليمن، ويعتبر بديلاً شعبياً يحمي أبناء المحافظة من أي مؤامرات سياسية أو عسكرية تهدف لاستغلال هذه المحافظة الغنية ونهب ثرواتها من دون حسيب أو رقيب".
"حلف قبائل شبوة" يزيد الضغط على "الانتقالي"
وفي السياق، رأى الكاتب ياسين التميمي، أن إعلان حلف شبوة "خطوة تستأنس بمجلس حضرموت الوطني، وتصعيد من شأنه أن يضيف مزيداً من الضغط والأعباء على نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، لكنه وبالنظر الى موقف المحافظ المنحاز للانتقالي، لا يبدو جاهزاً لتأسيس إجماع جهوي مؤثر، ما لم يتوفر دعم حقيقي من المملكة العربية السعودية، ومن رئيس مجلس القيادة (رشاد العليمي)، كما كان الحال بالنسبة لمجلس حضرموت الوطني".
واستدرك التميمي في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "ثمة تشابها إلى حد ما بين شبوة وحضرموت، فالمحافظ العولقي كان تعيينه (بعد إقالة محمد بن عديو في نهاية عام 2021)، انعكاساً لإرادة سعودية إماراتية مشتركة، وهو مؤتمري مثل محافظ حضرموت، وليس هناك ضمانات بأنه لن يتنصل من التزاماته تجاه الانتقالي إذا تعرض لضغط سعودي".
وحول ما إذا كانت الترتيبات الأخيرة المعلنة في المحافظات الشرقية تمثل توسيعاً لحالة الانقسام في البلاد، قال التميمي إنه "في كل الأحوال لا يبدو أن المجالس الجديدة التي نشأت في شرق اليمن والتي قد تنشأ في عدد من المحافظات الجنوبية، تؤشر إلى الانقسام، بقدر ما تتجه نحو تثبيت نظام لامركزي بشكل أوسع مما هو عليه اليوم، وهذا بالتأكيد سيكون تحت مظلة الدولة اليمنية الموحدة".
وتابع: "أهم ما تؤشر إليه هذه المجالس أنها تبدد طموح المجلس الانتقالي في قيادة تحول نحو الانفصال وادعاءه بتمثيل القضية الجنوبية، وتضرب مشروع الانفصال برمته في الصميم".