تمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بفعل دعايته التي اعتمدت على عنصر التخويف من إسقاط حكومة يمين على يد أحزاب اليمين، من التغلب على الأزمة الأكثر سخونة، المتمثلة بتهديد زعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، بالانسحاب من الحكومة إذا لم يحصل على حقيبة الأمن، خلفاً لوزير الأمن المستقيل، أفيغدور ليبرمان.
وتبين خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده نفتالي بينت، ووزيرة العدل عن حزبه، أيليت شاكيد، أن نتنياهو تمكن عملياً من الوصول إلى الشخص المفتاح القادر على التأثير على بينت وثنيه عن الاستقالة من الحكومة، والتراجع عن الإنذار بالاستقالة، والاستعاضة عن ذلك بإبداء الاستعداد، تحت مسمى المسؤولية وعدم التهرب منها، للوقوف إلى جانب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ومنحه الثقة مجدداً بانتظار إحداث التغيير المأمول في سياسة الحكومة، نحو سياسة أكثر تشدداً حيال المقاومة وحركة "حماس" في قطاع غزة، والتراجع عن سياسة "التهاون" ومنطق "عدم وجود حل لمواجهة الإرهاب".
لكن حل الأزمة مع "البيت اليهودي"، التي كانت نجمت بفعل محاولة بينت وحزبه الاستفادة من استقالة ليبرمان من الحكومة، لا تضع حداً لمتاعب نتنياهو وائتلافه الحاكم، وإنما منحت نتنياهو أسابيع إضافية وربما أقل، ولا سيما أنه لا يزال أمام الائتلاف الحكومي أن يتغلب غداً الأربعاء، على مقترح لحل الكنيست والذهاب لانتخابات مبكرة، وهو مقترح قانون سيعرض للتصويت عليه بالقراءة التمهيدية، وهي لا تستوجب أغلبية 61 عضواً لتمرير القانون بهذه القراءة. وسيواجه ائتلاف نتنياهو بعد الأربعاء امتحاناً أو عقبة ثانية يتعين عليه التغلب عليها، قبل أن يكون بمقدور رئيس الحكومة أن يتنفس الصعداء ويبعد شبح الانتخابات المبكرة كلياً، وإنهاء ما تبقى لحكومته الحالية من ولاية، وهي سنة بالتمام والكمال حتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.
لكن حل الأزمة مع "البيت اليهودي"، والتغلب على مقترح قانون حل الكنيست، في حال تراجع زعيم حزب "كولانو" ووزير المالية، موشيه كاحلون، لن يوفر لنتنياهو ضمانة أكيدة بانتهاء متاعب الائتلاف الحكومي، إذ سيكون على ائتلاف نتنياهو أن ينهي عمليات تشريع قانون التجنيد الذي تم التصويت عليه بالقراءة التمهيدية، ليجد حلاً لمشكلة تجنيد الشبان اليهود من الطوائف الحريدية الأصولية الأرثوذكسية، قبل الموعد النهائي الذي حددته المحكمة الإسرائيلية لسن القانون قبل البدء بإنزال العقوبات الجنائية على الشبان في المعاهد الدينية للحريديم، والإعلان عنهم رسمياً "فارين" من الخدمة العسكرية، وبالتالي إصدار مئات أوامر الاعتقال العسكرية بحقهم، بحلول الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل. وتشكل هذه القضية الآن العقبة الكبرى أمام ائتلاف نتنياهو، وفرصته بأن يكون له تأثير في تحديد الموعد المفضل لإجراء الانتخابات المقبلة (إذ يفضل نتنياهو في حال اضطر لتبكير الانتخابات إجراء الانتخابات في مايو/أيار المقبل). ففي حال لم يتم تشريع القانون وفق التعديلات التي تطالب فيها أحزاب الحريديم، فإن من شأن هذه الأحزاب، خصوصاً عضوي الكنيست يسرائيل أيخلر ويعقوف ليتسمان، الاستقالة من الحكومة فوراً وفقاً لتعليمات مجلس حاخامات "يهدوت هتوراة" الأكثر تشدداً في هذا الموضوع. وقد أعلن عضو الكنيست من "يهدوت هتوراة"، يسرائيل أيخلر، أمس الإثنين، أن عدم إتمام القانون حتى الثاني من ديسمبر المقبل، أي بعد 13 يوماً، يعني فض الشراكة مع حكومة نتنياهو. وتكمن مشكلة نتنياهو في هذه الحالة في حقيقة أن انسحاب حزب ليبرمان بأعضائه الستة من الحكومة، الأسبوع الماضي، يعني خطراً فعلياً من أن يتراجع ليبرمان عن تأييد مقترح القانون الحالي والتصويت ضده، وبالتالي عدم تمريره، ودفع حزب "يهدوت هتوراة" إلى تنفيذ تهديداته بالاستقالة من الحكومة بموجب تعليمات مجلس الحاخامات. ويمكن القول إن نتنياهو تمكن، من خلال خطه الدعائي في الأيام الأخيرة، من دفع نفتالي بينت إلى موقع المدافع عن نفسه، بعد أن كان من شن الهجوم على سياسة الحكومة الإسرائيلية ومنطقها الانهزامي في التعامل مع "حماس". وأدى سحب إنذاره بالانسحاب من الحكومة إلى تجديد الثقة بنتنياهو ومنحه مهلة إضافية.
في غضون ذلك، وبعد أن تراجع بينت عن قرار الاستقالة والتهديد بها، واصل نتنياهو خطه الدعائي بشأن الأوضاع الأمنية الخاصة التي تحول دون الحاجة للذهاب إلى انتخابات مبكرة، بهدف ممارسة نفس الضغوط الإعلامية على وزير المالية، موشيه كاحلون، لثنيه عن تأييد حل الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة. وبعد أن ضمن نتنياهو موقف "البيت اليهودي" وحركة "شاس" من جهة ثانية، فإن الأنظار تتجه الآن إلى اللقاء الذي تقرر أن يجمع نتنياهو وكاحلون هذا الأسبوع، وذلك بعد أن فشل نتنياهو، خلال اللقاء الأخير، مساء الأحد الماضي، بإقناع كاحلون بالعدول عن تأييد فكرة تبكير الانتخابات. وسيكون الأربعاء الامتحان لموقف كاحلون، عند التصويت على مقترح قانون حل الكنيست.
وبموازاة ذلك، واصل نتنياهو محاولات ترسيخ صورته كرجل الأمن الأول، عبر التلميح مجدداً إلى خطط عملياتية قادمة ضد غزة من جهة، وتكرار الإعلان، أمام لجنة الخارجية والأمن أمس، أن إسرائيل تواصل نشاطها العسكري في سورية. لكن محاولات نتنياهو لتكريس صورة "قاتمة" لأوضاع إسرائيل الأمنية والاستراتيجية لم تلق أذاناً صاغية سوى لدى جمهور حزب الليكود، فقد عاد نفتالي بينت، في المؤتمر الصحافي، كما وزير الأمن المستقيل، أفيغدور ليبرمان، إلى وصف حديث نتنياهو عن هذه الأخطار والأوضاع الأمنية الحساسة، وتصوير إسرائيل وكأنها في أوج معركة لا ينبغي الهروب منها، بأنها غير صحيحة على أقل تعبير. وزاد في ذلك حقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، لم يعلن، كما يفترض فيه لو كانت إسرائيل في حالة طوارئ أو على عتبة حرب جديدة، تمديد فترة ولاية رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال غادي أيزنكوط، الذي ينهي مهامه رسمياً في 31 ديسمبر المقبل، ومن غير المعقول أن تكون هناك استعدادات حقيقية لشن عملية عسكرية واسعة، يمكن لها أن تطول بما يتجاوز فترة ولاية رئيس أركان الجيش، دون استباق ذلك بتمديد فترة ولاية رئيس الأركان، وفق ما ذهب إليه مثلاً مراسل الشؤون العسكرية في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع. وإذا أخذنا باعتبارات يهوشواع، فإن هذا يؤكد ما ذهب إليه خصوم نتنياهو، من ليبرمان وبينت، وحتى وزراء آخرين في الحكومة، ومسؤولين عسكريين نفوا أن تكون أوضاع إسرائيل الأمنية والعسكرية والاستراتيجية في حالة حرجة أو في مرحلة حساسة كما يدعي نتنياهو. ويعني هذا أنه حتى في حال اجتاز نتنياهو عقبة "البيت اليهودي"، ربما أيضاً وهذا وارد تمكن من إفشال مشروع قانون حل الكنيست، سيكون عليه خلال أقل من أسبوعين أن ينهي الأزمة المقبلة مع أحزاب الحريديم كي لا يجد نفسه مهدداً من جديد بانتخابات مبكرة لا سيطرة له على تحديد موعدها.