حكومة تبون الجديدة... انحياز للتكنوقراط وتقليص حقائب الأحزاب وتغيير هيكلة

19 نوفمبر 2024
تبون مصافحاً العرباوي أثناء مغادرته نحو مصر 27 أكتوبر 2024 (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشكيل الحكومة الجديدة: عين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حكومة جديدة في ولايته الثانية، مع تجديد الثقة برئيس الحكومة محمد النذير العرباوي، وتضمنت تغييرات بارزة مثل تعيين الفريق السعيد شنقريحة وزيراً منتدباً لدى وزير الدفاع.

- تراجع الحضور الحزبي: شهدت الحكومة تراجعاً في الحضور الحزبي والسياسي، حيث فقدت أحزاب الأغلبية الرئاسية حقائب وزارية، مما خالف التوقعات بمشاركة أكبر للأحزاب.

- التحديات المستقبلية: تواجه الحكومة تحديات وطنية ودولية، مع التركيز على الأولويات الاقتصادية مثل زيادة الأجور والصادرات، رغم أن بعض المراقبين يرون أن التغييرات لم ترق إلى مستوى التطلعات.

عين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء أمس الاثنين، أول حكومة في ولايته الرئاسية الثانية بعد الانتخابات التي جرت في السابع من سبتمبر/أيلول الماضي، ورغم تجديده الثقة برئيس الحكومة محمد النذير العرباوي، حملت التشكيلة الجديدة متغيرات عدة، كان أبرزها تعيين قائد أركان الجيش الفريق السعيد شنقريحة وزيراً منتدباً لدى وزير الدفاع مع احتفاظه بمنصبه العسكري. كما أدخلت تغييرات على صعيد هيكلة الحكومة وتنظيم القطاعات الوزارية، مع تغيير عدد من الوزراء ونقل آخرين الى قطاعات غير تلك التي كانوا يشغلونها، فيما يظل اللافت في الحكومة الجديدة انحياز الرئيس الجزائري إلى التكنوقراط، على حساب التمثيل السياسي.

وشهدت الحكومة الجديدة تراجعاً كبيراً للحضور الحزبي والسياسي فيها، بخلاف ما كان متوقعاً من أن تحظى أحزاب الأغلبية الرئاسية بمشاركة أكبر وحقائب وزارية مقارنة بالحكومات السابقة، خاصة تلك التي شكلت الحزام الانتخابي الداعم لتبون في الانتخابات الرئاسية. وفقدت أحزاب الحزام الرئاسي حقائب هذه المرة، كـ"جبهة التحرير الوطني" التي فقدت وزارة العدل بتنحية الوزير رشيد طبي وهو قيادي في الحزب، و"حركة البناء الوطني" التي فقدت حقيبتين، الصيد البحري والتكوين المهني، بعد استبعاد القيادين في الحركة، أحمد بداني وياسين ميراوي. كما فقد حزب "المستقبل"، حقيبته الوحيدة في الحكومة، العلاقات مع البرلمان، بعد تنحية القيادية في الحزب بسمة عزوار من الحكومة.

لم تعلق كثير من الأحزاب السياسية على التشكيل الحكومي الجديد، والذي جاء مخالفاً لتوقعات كثيرة، فقبل أقل من أسبوع، قال رئيس "حركة البناء الوطني"، عبد القادر بن قرينة، إن الجزائر بحاجة إلى ما وصفه بـ"كوماندوس حكومي"، بينما كانت تذهب بعض التوقعات والتقديرات إلى إمكانية أن تشارك في أول حكومة بالولاية الرئاسية الثانية لتبون أحزاب معارضة، كـ"حركة مجتمع السلم" و"جبهة القوى الاشتراكية"، بناء على توافقات سياسية برزت بين الرئيس الجزائري وقائدي هذين الحزبين، عبد العالي حساني ويوسف أوشيش، خلال الانتخابات برغم أنهما كانا منافسين للرئيس في السباق الرئاسي.

ارتكاز واضح على التكنوقراط

في مقابل ذلك، بدا واضحاً ارتكاز الرئيس الجزائري في التشكيل الحكومي الجديد على التكنوقراط، الذين لديهم سابق تجربة في تسيير قطاعات أو هيئات أو شغل مناصب تنفيذية، إذ واصل تصعيد حكام الولايات وضمهم إلى الفريق الحكومي، فكلف حاكم ولاية وهران غربي الجزائر، سعيد سعيود بوزارة النقل، والأمين العام لولاية غرداية زهير بللو بوزارة الثقافة، واستدعى النائب العام لطفي بوجمعة لشغل منصب وزير العدل، ومدير الإعلام في وزارة الخارجية، محمد مزيان لشغل منصب وزير الاتصال، ونور الدين وضاح، مدير قسم هياكل الدعم بوزارة المؤسسات الناشئة واقتصاد المعرفة، لشغل منصب الوزارة ذاتها.

وعن السر وراء الحضور اللافت للتكنوقراط في التشكيل الحكومي الجديد، قال المحلل الاقتصادي عبد المالك بن تومي في تصريح لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الرئيس مضطر إلى خيار الاعتماد على الكفاءات، كونه رتب أولوياته في العهدة الثانية على أساس أولوية الاقتصاد، وكان قد عبر عن ذلك صراحة، عندما قال إن العهدة الثانية ستكون عهدة اقتصادية، لإطلاق وبدء نجاعة بعض المشاريع الحيوية في الصناعة والمناجم والزراعة والنقل والبنية التحتية".

وأضاف أن الرئيس الجزائري "وعد بزيادات في الأجور وبرفع الدخل القومي إلى 400 مليار دولار (نهاية 2027)، وبزيادة صادرات البلاد خارج المحروقات لتصل في غضون العام المقبل إلى حدود ما بين عشرة إلى 13 مليار دولار، وهذه الالتزامات تحتاج إلى حكومة كفاءات أكثر منها حكومة سياسية، بغض النظر عما كان الوزراء الجدد من التكنوقراط، لديهم القدرة فعلاً على تقديم أداء جيد أم لا".

حكومة تبون في ميزان تحديات معقدة

في المقابل، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، أنه "بغض النظر عما ميز هذه الحكومة، من إعطاء القبعة السياسية لقائد الأركان، بعد جملة الانتقادات لحضوره الدائم النشاط الرئاسي دون أن تكون له صفة سياسية، وتعزيز الطاقم الحكومي بالعنصر النسوي بمعدل غير مسبوق، فإن هذه الحكومة وبناء على تجربة أغلب وزرائها السابقين، لا ترقى لمواجهة جملة التحديات الوطنية والدولية الطارئة والمتوقعة على المشهد العام للبلاد".

وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التشكيل الحكومي وحجم التغييرات لم ترق إلى تطلعات المراقبين الذين كانوا يتوقعون تغييرات أكثر عمقاً، بالاستناد إلى تصريحات الرئيس تبون ذاته، بأنها ستكون حكومة من الكفاءات، وأنه سيأخذ وقته للبحث عن كفاءات وطنية دون استبعاد إشراك الأحزاب". واعتبر بوقاعدة أن "الإبقاء على الكثير من الوزراء الذين لم يبرز لهم أثر في الحكومة السابقة، بما في ذلك رئيس الحكومة ذاته نذير العرباوي، والذي ظل الغائب الأكبر في المشهد السياسي، قد يجعل سقف طموحاته (تبون) الاقتصادية بالخصوص التي رافع من أجلها في حملته الانتخابية محل تساؤل".

وضمن التشكيلة الحكومية الجديدة، قرر تبون إعادة منصب وزير منتدب لدى وزير الدفاع الوطني (وفق الدستور الجزائري وزير الدفاع يختص به رئيس الجمهورية)، وهذا المنصب كان موجوداً في السابق وكان يشغله رئيس أركان الجيش الراحل الفريق قايد صالح قبل انتخابات 2019، وعين قائد أركان الجيش حالياً الفريق السعيد شنقريحة لشغله، وهو منصب يتيح له المشاركة بصفته الحكومية في اجتماعات الحكومة ومجلس الوزراء.

كما أعيدت في نفس السياق كتابة الدولة للعلاقات الأفريقية، وعين لشغلها السفيرة الحالية في بوركينافاسو، سلمى منصوري، وتقرر للمرة الأولى في تاريخ الحكومات الجزائرية، تقسيم وزارة التجارة إلى وزارتين، التجارة الداخلية ويشغلها الوزير نفسه الطيب زيتوني، والتجارة الخارجية وعين لشغلها محمد بوخاري. كما أعيد إلحاق وزارة الصيد البحري بوزارة الزراعة، وأعيد فصل وزارة الإنتاج الدوائي بعدما كانت ملحقة بوزارة الصناعة. وعلقت "حركة البناء الوطني" على ذلك بإيجابية، ورأت أن "إعادة الهيكلة الإدارية لبعض الوزارات المهمة المرتبط بحياة المواطنين وبتسيير الاقتصاد الوطني وبمصالح الدولة الحيوية" خطوة على الطريق الصحيح.

المساهمون