حكومة غير حزبية في تونس: تكنوقراط موالون لسعيّد

11 أكتوبر 2021
أدّت حكومة بودن اليمين الدستورية أمام الرئيس (الأناضول)
+ الخط -

 

انطلقت "حكومة الرئيس"، برئاسة نجلاء بودن، اليوم الإثنين، رسمياً، في مهمة مساعدة الرئيس التونسي قيس سعيّد على تسيير الجهاز التنفيذي للسلطة السياسية في البلاد، خلال الفترة "الاستثنائية"، بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه، اليوم، في قصر قرطاج (مقر الرئاسة التونسية في العاصمة)، لتكون حكومة موالية لسعيّد بالكامل، ومسؤولة أمامه. وتضمّ حكومة بودن تركيبة مختلفة، حيث تشمل تسع نساء، هن ثماني وزيرات وكاتبة دولة (لدى وزير الخارجية)، بالإضافة إلى رئيسة الحكومة نفسها، وهي حكومة غير حزبية برئاسة أستاذة جامعية تعد أول رئيسة وزراء على المستوى العربي والوطني. وتقود بودن رئاسة الحكومة التونسية الـ17 منذ قيام الجمهورية في تونس، والـ11 منذ سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي، في 14 يناير/كانون الثاني 2011.

وزراء السيادة

أبقى سعيّد على وزير الخارجية عثمان الجرندي، الذي عمل معه الرئيس التونسي منذ حكومة هشام المشيشي السابقة (التي أقالها سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي). ويعد هذا الدبلوماسي التونسي المخضرم من بين وزراء الثقة الذين عوّل عليهم الرئيس في الحملة التفسيرية الدبلوماسية لإقناع الخارج بسلامة الإجراءات "الاستثنائية" التي اتخذها منذ 25 يوليو، وللترويج لصورة تونس خلال الفترة "الاستثنائية"، في وقت شهدت فيه البلاد ضغطاً ومعارضة قوية لهذه القرارات.

تتسم حكومة بودن باستقلالية أعضائها وعدم انتمائهم الحزبي وكذلك قربهم أو ولائهم للرئيس

وعيّن سعيّد أيضاً القاضية ليلى جفال وزيرة للعدل، بعدما بقي هذا المنصب شاغراً لأكثر من شهرين نظراً لحساسيته، باعتبار أنه يحمل مسؤولية رئاسة النيابة العامة وتحريك الملفات القضائية التي يصفها سعيّد بالمتراكمة في رفوف المحاكم دون فصل فيها.

وجفال قاضية تتمتع بخبرة نحو 34 عاماً في المجال القضائي، شغلت منصب وزيرة لأملاك الدولة في حكومة المشيشي، قبل أن يتم إعفاؤها في فبراير/شباط الماضي، إثر خلاف المشيشي مع الرئيس سعيّد، وبسبب الحديث عن تواصلها مع القصر مباشرة ومدّه بملفات تهم أملاكا مصادرة.

أما وزارة الدفاع التي بقيت بدورها شاغرة منذ أن أعلن سعيّد عن إجراءاته الاستثنائية، وبعد إعفاء ابراهيم البرتاجي، الذي اختاره سعيّد بنفسه لهذا المنصب الحسّاس لمساعدته على قيادة القوات المسلحة العسكرية، فقد ذهبت اليوم إلى أستاذ القانون الجامعي عماد مميش، المحاضر في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس، والمختص بالقانون الخاص والعلوم الجنائية، والخبير في مكافحة الفساد الذي عمل مع منظمات أممية.

إلى ذلك، عاد رئيس هيئة حقوق الإنسان، المحامي توفيق شرف الدين، إلى منصب وزير الداخلية، بعدما أقاله المشيشي بسبب تواصله أيضاً مباشرة مع سعيّد. ويعرف عن شرف الدين قربه من الرئيس وولاؤه له باعتباره أيضاً من بين الشخصيات التي قادت الحملة التفسيرية لسعيّد خلال الانتخابات الرئاسية في 2019، خصوصا في مناطق الساحل التونسي. وكان الرجل مرشحاً لرئاسة الحكومة نفسها، ولكن ذلك قوبل باعتراضات عدة. ويبدو أن سعيّد متمسك به، ولذلك فقد قلّده منصباً يحتاج إلى تناغم كبير مع القصر.

وزراء الثقة 

ويحظى وزير التعليم فتحي السلاوتي في تشكيلة بودن، أيضاً، بثقة سعيّد، الذي أبقى عليه في المنصب الوزاري ذاته الذي كان يشغله في حكومة المشيشي، والتي غادر معظم وزرائها. والسلاوتي عميد سابق لجامعة المنار، وتربطه بسعيّد علاقة صداقة وثقة، على الرغم من الاختلافات التي نشبت بينهما في بعض الملفات المتعلقة بالتعليم، وهو قطاع يوليه الرئيس التونسي أهمية كبيرة، على غرار التخفيض في سعر المستلزمات المدرسية.

ويلاحظ في حكومة بودن الإبقاء على وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، التي عيّنها مكلفة بتسيير الوزارة، وهي تعد من الكفاءات المستقلة وسليلة وزارة المالية، حيث شغلت العديد من المناصب في الإدارات المالية فيها. كما أبقى سعيّد على وزير الصحة علي مرابط (طبيب برتبة أمير لواء في الصحة العسكرية)، الذي عيّنه الرئيس بعد 25 يوليو، وكلّفه بقيادة الحرب على كورونا وتنسيق حملات التلقيح ضد الوباء.

وأبقى سعيّد كذلك على وزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي، الذي يعد من الكفاءات في مجال الإعلام والتكنولوجيا، والذي كان قد عيّنه خلال الفترة "الاستثنائية"، في أوج الخلافات حول مسألة المنظومات الإعلامية وما راج حول اختراق قواعد البيانات واستغلال أحزاب لها.

ويعد وزير الشباب والرياضة كمال دقيش، العائد إلى منصبه بعد إقالته من المشيشي أيضاً، من وزراء الثقة، ليكون بذلك الوزير الثالث المقال الذي يستعيد منصبه. ودقيش مختص في مجال الرياضة، فقد شغل رئاسة جامعة الملاكمة، إلى جانب ترؤسه اللجنة الأولمبية التونسية.

تكنوقراط غير متحزبين

وتتسم حكومة بودن باستقلالية أعضائها وعدم انتمائهم الحزبي وكذلك قربهم أو ولائهم للرئيس، كما يبدو أن غالبية الوزراء من المختصين في مجالاتهم، باعتبار أن عدداً هاماً منهم شغل منصب مدير عام في الوزارة التي كلّف بقيادتها، أو في وزارة قريبة منها.

يتمسك سعيّد بالمحامي توفيق شرف الدين، ولذلك فقد قلّده منصب وزير الداخلية الذي يحتاج إلى تناغم كبير مع القصر

فعلاوة على وزيرة المالية، عيّن سعيّد المدير العام للمشغل الوطني لاتصالات تونس سمير سعيد وزيراً للاقتصاد والتخطيط. ويتمتع سمير سعيد بخبرة في المجال المالي وتسيير المصارف، وسيكون لوزيرة المالية ووزير الاقتصاد، معاً، مسؤولية كبيرة في مواجهة الأزمة المالية الحادة التي تمر بها تونس.

من جهته، يتمتع وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي بتجربة في مجال التأمين والشؤون النقابية والاجتماعية. فعلاوة على تكوينه الأكاديمي والجامعي في اختصاص إدارة الأعمال والاقتصاد والتأمين، فإن للرجل تاريخاً نضالياً وإرثاً نقابياً، باعتباره سليل عائلة مناضلة في تونس، إضافة إلى انتمائه لمنظمات غير أهلية اجتماعية، ما عزّز تجربته الميدانية، ويمكن أن يساعده في إدارة المفاوضات الاجتماعية مع المنظمة النقابية ومنظمة الأعراف. وذكرت تقارير عدة أن الزاهي عمل في الحملة الانتخابية لقيس سعيّد في محافظة منوبة في ضواحي العاصمة.

إلى ذلك، عيّن سعيّد ليلى الشيخاوي، وهي عضو الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (المحكمة الدستورية الوقتية)، التي علّق أشغالها في 22 سبتمبر/أيلول الماضي، وزيرة للبيئة. والشيخاوي أستاذة في القانون العام، خريجة جامعة السوربون الفرنسية، تدرس القانون البيئي في كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس.

يتمتع معظم الوزراء بتكوين إداري وأكاديمي، ويقفون أمام تحدي غياب التجربة السياسية

وتعليقاً على هويات الوزراء وتوزعهم، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب أن "الحكومة الجديدة تبدو حكومة مستقلين غير متحزبة، مختلطة، تضم وزراء يتمتعون بتجربة حكومية، وآخرين ذوي تكوين إداري وأكاديمي بما يجعلهم أمام تحد مضاعف في غياب التجربة (العمل السياسي)". ورأى المؤدب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الحكومة هي حكومة الرئيس بامتياز، باعتبارها معينة من قبله، ومسؤولة بالكامل أمامه"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من استقلالية أعضائها عن الأحزاب، إلا أن ولاءهم التام سيكون للرئيس، وهو أمر مفهوم بالعودة للأمر 117 (أمر رئاسي صدر الشهر الماضي حول صلاحيات الرئيس وإمساكه بالسلطة التنفيذية إلى جانب رئيس الحكومة)، الذي ينظمها". 

وأضاف المحلل السياسي أن "هذه الحكومة بصلاحيات محددة ومحدودة خاضعة للرئيس، بعدما تم سحب صلاحياتها الدستورية، وبالتالي ستكون جهازاً تنفيذياً لبرنامج الرئيس وخطته"، مضيفاً أن "ميزة هذه الحكومة هي الحضور النسائي، ولكن لاعتبار أنها حكومة مؤقتة، فإن دورها سيكون تصريف الأعمال إلى حين وضع منظومة قانونية جديدة واختيار حكومة أخرى"، بحسب رأيه.

المساهمون