حكومة بزشكيان تفجّر أزمة مع الإصلاحيين... ونائبا الرئيس متّهمان

14 اغسطس 2024
بزشكيان وظريف في طهران، 19 يونيو 2024 (حسين بيريس/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **أزمة التشكيلة الحكومية والانقسام الإصلاحي**: اقترح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان تشكيلة حكومية أثارت غضب الإصلاحيين، مما أدى إلى انقسام داخلي واستقالة محمد جواد ظريف احتجاجاً على التشكيلة التي تضمنت محافظين ولم تشمل الأقليات والشباب بشكل كافٍ.

- **قيود وتحديات بزشكيان في تشكيل الحكومة**: أكد غلامحسين كرباسجي أن بزشكيان يواجه ضغوطاً من البرلمان المحافظ وأجهزة الدولة، مما يحد من حريته في اختيار الوزراء، ويسعى لتجنب الصراعات السياسية والتركيز على حل مشكلات البلاد.

- **تحديات مستقبلية وتراجع الدعم الشعبي**: أشار الخبير صلاح الدين خديو إلى أن حكومة بزشكيان تواجه تحديات غير مسبوقة وضغوطاً من أجهزة الدولة، مما أدى إلى إحباط الإصلاحيين والناخبين، وقد يؤثر ذلك سلباً على جهود الحكومة في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

فجّرت التشكيلة الحكومية التي اقترحها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأحد الماضي، وقدّمها إلى البرلمان لنيل ثقته، أزمة بينه وبين شرائح كبيرة من التيار الإصلاحي المنتمي إليه، الذي أوصله إلى سدة الرئاسة. وفي الوقت نفسه، أحدث ذلك انقساماً بين الإصلاحيين في التعامل مع الموقف، فإلى جانب تعبير أوساط إصلاحية كبيرة، وفي مقدمتها جبهة الإصلاحات، المظلة الشاملة للقوى الإصلاحية، عن امتعاضها وغضبها من التشكيلة الحكومية، انتقدت قيادات إصلاحية، الهجوم على بزشكيان، سواء من المشاركين في الحكومة مثل محمد رضا عارف النائب الأول للرئيس أو من خارجها مثل القيادي البارز إسحاق جهانغيري.

وكانت استقالة نائب رئيس الجمهورية الإيراني للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، أبرز التعبيرات وردود الفعل الاحتجاجية على التشكيلة الحكومية المقترحة التي أسند فيها حقائب وزارية حساسة إلى محافظين لا تتسق مواقفهم مع شعارات بزشكيان الانتخابية، فضلاً عن عدم إشراك الأقليات المذهبية والقومية (السنّة) والشباب في الحكومة والمطالبة بإسناد أكثر من وزارة إلى النساء، بعد ترشيح إيرانية واحدة لحقبة وزارة الاتصالات وهي ثاني وزيرة في الجمهورية الإسلامية إن نالت ثقة البرلمان. وفي أول ردة فعل على الانتقادات، قال الرئيس الإيراني، في لقاء مع برلمانيين إيرانيين، إن من ميزات التركيبة المقترحة على البرلمان أنها "عابرة للفئوية وتستند إلى معايير الكفاءة والتخصص والسوابق".

وفي تعليق واضح على الانتقادات، خاطب الرئيس الإيراني، في تغريدة على منصة إكس، الشارع الإيراني بالقول إن "حساسيتكم تجاه اختيار أعضاء الحكومة قيّمة"، داعياً الإيرانيين إلى "الصبر ليبدأ مجلس الوزراء عمله" ثم انتقاده وفق أدائه. ولفت إلى أنه استشار العديد من أصحاب الرأي بشأن التشكيلة الحكومية قبل تقديمها.


غلامحسين كرباسجي: لا يتمتع بزشكيان بحرية العمل بالكامل في تشكيل الحكومة

اعتبارات تحاصر بزشكيان

لكن أمين عام حزب كوادر البناء الإصلاحي غلامحسين كرباسجي، قال لـ"العربي الجديد" إن "هناك بوناً شاسعاً بين التشكيلة الوزارية المقترحة وبين توقعات الإصلاحيين وحتى مطالب السيد بزشكيان التي طرحها خلال حملته الانتخابية"، معتبراً أن "ذلك أمر طبيعي لأنه ليس وحده من يقرر بشأن اختيار أعضاء حكومته، فهناك برلمان، 80% من أعضائه على خلاف سياسي مع رئيس الجمهورية". وأشار إلى أن الحكومة يجب أن تحصل على ثقة هذا البرلمان المحافظ، فضلاً عن أنه يجب أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار آراء المرشد علي خامنئي وأجهزة الاستخبارات والحرس الثوري، "مما يعني أنه لا يتمتع بحرية العمل بالكامل في تشكيل الحكومة".

ولفت إلى أن البرلمان سيرفض التشكيلة الحكومية التي تقدم فقط بمحض إرادة الرئاسة وتجاهل مواقف بقية أجهزة الدولة. واعتبر كرباسجي أن ما يهم الرئيس بزشكيان حالياً هو الإسراع في بدء العمل وعدم الدخول في سجال سياسي يضع عقبات أمامه من خلال تقديم حكومة يرفضها البرلمان، موضحاً أنه يهدف إلى "الانتقال سريعاً إلى العمل لحل مشكلات الشارع وأولوياته والأزمات المختلفة التي تعاني منها البلاد ولذلك يتجنب الدخول في الصراعات السياسية واستعراض القوة".

وأشار إلى أن ما ابتغاه الإصلاحيون هو "اختيار أشخاص قديرين أكثر كفاءة ومنتمين إلى التيار الإصلاحي"، مضيفاً أن وعود بزشكيان الانتخابية "واضحة وشفافة ومن اختارهم ضمن تشكيلة حكومته، يجب أن يعملوا لأجل تحقيقها ما دام أنهم وافقوا على العمل معه ضمن الحكومة". ولفت كرباسجي إلى تحفظه هو والإصلاحيين أيضاً على من رشحهم بزشكيان مثلاً لحقائب الداخلية والاستخبارات والرياضة والشباب، و"كان بالإمكان ترشيح أشخاص أفضل" لهذه الحقائب. وبين تلك الترشيحات، نالت تسمية القيادي الشرطي إسكندر مؤمني لحقيبة الداخلية، قسطاً أكبر من انتقادات الإصلاحيين وأنصارهم، لوجود مواقف متشددة لمؤمني في مسألة الحجاب، والتصدي لغير المحجبات، حسب مقطع مصور له أعيد نشره في إيران خلال الأيام الأخيرة. يشار إلى أن ثمة توقعات وأنباء على وسائل إعلام إصلاحية باحتمال قيام الرئيس الإيراني بسحب مرشحه للداخلية وتقديم مرشح آخر.

وليس موقف الإصلاحيين من التشكيلة الوزارية المقترحة واحداً، فرئيس موقع انتخاب الإصلاحي الناشط السياسي مصطفى فقيهي، حمّل في حديث لـ"العربي الجديد" النائب الأول للرئيس محمد رضا عارف مسؤولية ذلك. وقال إن عارف الذي اقترحته جبهة الإصلاحات للمنصب "هو طرف رئيسي في هذا النزاع"، مضيفاً أن عارف ومقربين منه داخل الجبهة يدعمون التركيبة و"يحرضون على ظريف الرافض لبعض أعضاء الحكومة" المقترحة. فقيهي الذي كان المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، لفت إلى أن بزشكيان "لم يقدّم بعد توضيحات" لجبهة الإصلاحات بشأن التركيبة الوزارية، مستبعداً أن يسحبها بعد الانتقادات الواسعة بين الإصلاحيين.

وأشار إلى أن الجبهة تقدمت بطلب للقاء الرئيس للحصول على إيضاحات منه "لكنها لم تحصل بعد على رد بشأن اللقاء". ووفق فقيهي، تسببت التشكيلة الحكومية التي قدمها بزشكيان للبرلمان بـ"انزعاج واسع" بين مؤيديه، لافتاً إلى تلقي محمد جواد ظريف ووزير الاتصالات السابق الناشط في حملة بزشكيان الانتخابية، محمد جواد آذري جهرمي "مئات رسائل عتاب" مفادها: "صوتنا لأجلكما وليس لأجل أشخاص مثل عارف أو مرشح وزارة الداخلية المقرب إلى محمد باقر قاليباف"، رئيس البرلمان المحافظ. وتوقع فقيهي أن يستنبط بزشكيان "تدبيراً وحلاً بطريقة أخرى" لهذا الغضب الذي انتاب أنصاره، الأمر الذي يشكل تحدياً له في ولايته، "هذا إذا لم يمنعه نائبه الأول محمد رضا عارف ونائبه للشؤون التنفيذية محمد جعفر قائم بناه"، متهماً الرجلين بـ"بذل أقصى الجهود لإقصاء ظريف". وفيما أرجع أحد أسباب استقالة ظريف إلى جنسية ابنه وابنته الأميركية التي حصلا عليها بالولادة من دون طلب، قال فقيهي إنهما يعيشان حالياً في إيران بينما أولاد نائبي الرئيس، أي عارف وقائم بناه، "لديهم جنسية مكتسبة بطلب" وهم يعيشون خارج البلاد.


صلاح الدين خديو: هذه المرة الأولى في تاريخ إيران التي تواجه فيها الحكومة أزمة في بداية عملها

تحديات حكومة بزشكيان

من جهته، قال الخبير الإيراني صلاح الدين خديو لـ"العربي الجديد"، إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ إيران التي تواجه فيها حكومة إيرانية تحديات وأزمة في بداية عملها، متوقعاً أن تزداد التحديات أمام حكومة بزشكيان لاحقاً، هي المولودة في ظروف خاصة. واعتبر أن الإصلاحيين وشخصيات مثل ظريف "أخطأوا في قراءة المشهد بأن النواة الصلبة للسلطة بعد السماح لبزشكيان بخوض السباق الرئاسي وفوزه أرادت إعادة النظر في سياسة تنقية السلطات بيد المحافظين"، مضيفاً أنهم "لم يقدّروا جيداً قدرات بزشكيان رئيسا".

وأوضح أن بزشكيان "رغم صداقته ونظافة يده إلا أنه لم يكن ملماً بالهياكل والضغوط ودهاليز السلطة"، مضيفاً أنه نتيجة ذلك رضخ في بداية عمله لضغوط أجهزة أخرى وتوصياتها، وهو يعكس استمرار التوجه بمواصلة سياسة "تنقية السلطات بيد المحافظين" بطريقة أخرى لتستمر حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي المحافظة بشكل آخر. ورأى أن ذلك أفضى إلى إحباط الإصلاحيين "خصوصاً الطائفة السنية وممثلي القوميات الذين كانوا يتوقعون حدوث انفراجة" في إشراكهم بالسلطة، موضحاً أن ما حصل شكّل "ضربة لصورة الحكومة أمام الرأي العام الداعم لها وحالة إحباط له، لا سيما الناخبين منهم الذين لم يشاركوا في الانتخابات بسهولة واستغرق إقناعهم بذلك وقتاً وجهداً". ولفت خديو إلى أن بزشكيان في ولايته الأولى كما ظهر في بدايتها يواجه "تراجع رصيده الاجتماعي"، مؤكداً أنه إذا لم يعمل على ترميم هذه الفجوة، خلال العام الأول للولاية فتبعات ذلك ستؤثر سلباً على جهود ومساعي الحكومة في حلحلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الانفراجات التي وعد بها في السياسة الخارجية.

المساهمون