حكومة الاحتلال تستثمر لغز اختفاء المستوطنين لاستهداف "حماس"

16 يونيو 2014
إسرائيل تتعمّد توثيق عمليات الاعتقال (جاك جيز/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

حرصت الوحدات الخاصة وألوية الصفوة الإسرائيلية، التي شاركت في تنفيذ عمليات الاعتقال الواسعة التي طالت عدداً كبيراً من قيادات وعناصر حركة "حماس" في أرجاء الضفة الغربية خلال اليومين الماضيين، إثر اخفتاء المستوطنين الثلاثة، على اصطحاب ممثلين عن مكتب المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوثيق عمليات الاعتقال بالصور وأفلام الفيديو، بناءً على تعليمات القيادة السياسية.

وسرعان ما سربت هذه الصور، وتلك الأفلام الى وسائل الإعلام الإسرائيلية، خصوصاً قنوات التلفزة الثلاث الكبيرة. وظهر فيها بعض قادة "حماس" وهم يرتدون ملابس النوم، معصوبي الأعين مقيدي الأيدي، يقتادهم جنود الاحتلال، في حين طغت مظاهر التأثر على وجوه زوجاتهم وبناتهم، وهن يراقبنهم يغادرون البيوت صوب العربات العسكرية.

وقد بدا واضحاً أن عرض هذه المواد على هذا النحو يهدف إلى رفع معنويات الجمهور الإسرائيلي، تحديداً قواعد اليمين الديني، التي ينتمي إليها المفقودون، ولإثبات أن حكومة بنيامين نتنياهو تقوم بإجراءات عقابية ضدّ من تعتبرهم "منفذي الخطف".

لكن يتفق المعلقون السياسيون والعسكريون الإسرائيليون، على أن أهم هدف يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إليه يتمثل في توظيف حادثة المستوطنين لتوفير الظروف التي تضمن نزع الشرعية عن حق "حماس" في لعب دور في النظام السياسي الفلسطيني في المستقبل، خصوصاً بعد التوقيع على اتفاق المصالحة مع حركة "فتح".

وأشارت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، إلى أن الحملة الدعائية التي يشنها نتنياهو ضد السلطة الفلسطينية وتحميلها المسؤولية عما تعتبرها "عملية الخطف"، تهدف بشكل أساسي إلى إقناع المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لثنيه عن تطبيق اتفاق المصالحة، وضمان عدم السماح لحركة "حماس" بالمشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، التي نص عليها اتفاق المصالحة.

وأوضحت القناة أن قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، أبلغوا نتنياهو أن مشاركة "حماس" في الانتخابات القادمة، يمنحها الحق في استئناف نشاطها العسكري والسياسي والاجتماعي في الضفة الغربية، ويقلص من قدرة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية على التصدي للحركة، كما هو عليه الحال الآن، مما يفاقم من حجم الأعباء على الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.

وحذر نتنياهو العالم من مغبة السماح بتطبيق اتفاق المصالحة بين "حماس" و"فتح"، إذ شدد على أنه لا يجوز السماح لعباس، الارتباط بمنظمة "إرهابية تمارس خطف المدنيين". ويصرّ نتنياهو على ترديد هذه المزاعم، على الرغم من أن جميع التقديرات العسكرية في إسرائيل تقول إن "التخطيط والإعداد لعملية خطف المستوطنين، تم منذ وقت طويل"، ولا علاقة له باتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس".

ويرى مراقبون في تل أبيب، أن الحجة التي يستند إليها نتنياهو، في محاولته شيطنة اتفاق المصالحة الفلسطينية، تفقد صدقيتها وتماسكها في حال تبين أن "الخلية التي خطفت المستوطنين محلية"، ولا علاقة لها بقيادة "حماس" في غزة أو الخارج.

ومما يُفقد الحملة الدعائية التي يشنها نتنياهو، مصداقيتها، والهادفة لإقناع دول العالم بسحب اعترافها بالحكومة الفلسطينية الجديدة التي تشكلت عقب المصالحة، حقيقة أن هذه الحكومة لا تضم أي ممثل عن حركة "حماس"، علاوة على أن اختفاء أثر المستوطنين الثلاثة جرى في ذروة التوتر بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، إذ اتهمت قيادات في "حماس" أجهزة السلطة الأمنية بتكثيف عمليات الاعتقال، تحديداً بعد تشكيل الحكومة الجديدة، إلى جانب شكوى الحركة بأن قياداتها ونوابها تعرضوا الى الاعتداء البدني والإهانة لدى تفريق تظاهرة نُظمت لدعم إضراب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، قبل خمسة أيام من اختفاء أثر المستوطنين.

وبالنسبة للإجراءات العسكرية التي يمكن أن تُقدِم عليها دولة الاحتلال ضدّ حركة "حماس"، فإن فرص قيام تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية لـ"حماس" في قطاع غزة تبدو ضعيفة.

ويرى المعلّق العسكري لصحيفة "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور، أنه إلى جانب عدم وجود ما يؤشر الى علاقة قيادة "حماس" في القطاع بعملية الاختطاف، فإن توجيه ضربة عسكرية لـ"حماس" في غزّة يؤدي إلى إشعال الجبهة الجنوبية، في وقت غير مناسب لإسرائيل.

وفي تحليل نُشر في عدد اليوم الاثنين من الصحيفة، أشار ليمور إلى أن "حماس" في غزة، يمكنها أن ترد على أي هجوم تتعرض له بإطلاق مئات الصواريخ على قلب فلسطين المحتلة، مشيراً إلى أن إسرائيل ليست جاهزة لهذا الأمر حالياً. ومن هنا، فإن إسرائيل تتجه لتركيز عملياتها العسكرية ضد البنية التنظيمية والمؤسساتية لحركة "حماس" في الضفة الغربية.

بدورها، ذكرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الاثنين، أن الحكومة الإسرائيلية تدرس إبعاد عدد من قادة "حماس" في الضفة إلى قطاع غزة واستئناف سياسة تدمير المنازل، وفرض قيود على زيارة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، علاوة على سلسلة إجراءات تهدف إلى تجفيف مصادر الدعم المادي للحركة.

ومن الواضح أن سلسلة الإجراءات العقابية الإسرائيلية ضد "حماس"، وحملة نتنياهو الدعائية ضد اتفاق المصالحة، تمس بمكانة أبو مازن.

ونظراً لأنه لا توجد قضية تشغل اهتمام الرأي العام الفلسطيني أكثر من قضية الأسرى في سجون الاحتلال، ولما كانت عمليات أسر جنود للحتلال تمثّل بالنسبة للشارع الفلسطيني وسيلة لتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، فإن هذا الشارع يُبدي تضامناً مع أي جهة فلسطينية تنفذ مثل هذه العمليات، لا سيما في الوقت الذي تكشف فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية المزيد من مظاهر التعاون بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في كل ما يتعلق بالمحاولات الهادفة الى حل لغز اختفاء المستوطنين.

المساهمون