حقوق الإنسان في مصر... انتقادات تتصاعد والنظام يبحث عن مخرج

06 ابريل 2022
انتقدت منظمة العفو الأحكام الجائرة بالسجن لناشطين حقوقيين مصريين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنه "على الرغم من وعي الحكومة المصرية، بالآثار السلبية للتقارير الحقوقية التي تنتقد حالة حقوق الإنسان في مصر، وآخرها تقرير منظمة العفو الدولية الذي عدّد الكثير مما وصفها بالانتهاكات في هذا الإطار، إلا أن مصر الرسمية الممثلة بوزارة الخارجية، لن تبادر بالرد على ذلك التقرير".

وأوضحت المصادر، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "الخارجية المصرية، لا تعتبر منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، مؤسسات رسمية، ولذلك لا ترد على تقاريرها، كما تفعل مع مؤسسات أخرى، مثل الكونغرس الأميركي، والبرلمان الأوروبي".

وأضافت المصادر أنه "على الرغم من ذلك، فإن الحكومة المصرية تضع في اعتبارها جيداً أن مثل هذه التقارير تؤثر على صورتها في الخارج، وتعطي الفرصة للمتربصين بها، للهجوم عليها، ولذلك، فإن ردها يكون بطريقة عملية".

تصدير صورة حول إصلاح أوضاع حقوق الإنسان في مصر

من جهتها، قالت مصادر في المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، إن "هناك توجيهات وردت إلى المجلس من أجهزة سيادية في الدولة، بضرورة العمل على تصدير صورة تبيّن أن هناك نشاطاً في مجال إصلاح أوضاع حقوق الإنسان، لا سيما في ما يتعلق بالمعتقلين والمرأة والأقليات، وكذلك ملف الجمعيات الأهلية الذي يهتم به الغرب كثيراً".

وأشارت المصادر إلى "القرار الأخير لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، بالموافقة على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي رقم 149 لسنة 2019، بمدّ فترة توفيق أوضاع منظمات المجتمع المدني لعام آخر، يبدأ من تاريخ انتهاء المدة الواردة بالمادة الثانية من مواد إصدار القانون في 11 يناير/كانون الثاني 2022، وينتهي في 11 يناير عام 2023، والذي جاء تزامناً مع إعلان رئيس الجمهورية عام 2022 عاماً للمجتمع المدني".

وقالت المصادر إن "الحراك الحكومي في هذا الإطار، هدفه تخفيف الضغط الدولي على النظام، لا سيما مع تصاعد الانتقادات الموجهة إليه في ملف حقوق الإنسان".

منظمة العفو: المدافعون عن حقوق الإنسان في مصر يتكبدون ثمناً باهظاً

انتقادات لمصر في تقرير منظمة العفو حول حقوق الإنسان

وانتقد التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول وضع حقوق الإنسان في العالم خلال العام 2021، والذي نشر في 29 مارس/آذار الماضي، في الجزء الخاص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ومن ذلك عقوبة الإعدام، والقبض على أفراد واحتجازهم ومحاكمتهم دونما سبب سوى تعبيرهم السلمي عن آرائهم.

وقال التقرير إن المدافعين عن حقوق الإنسان وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها في مصر "يتكبدون ثمناً باهظاً لبسالتهم في مواجهة سلطات تسعى إلى إسكات أصواتهم، ومعاقبتهم على نشاطهم".

وأشار إلى أنه في مصر "ظل بعض المدافعين عن حقوق الإنسان خاضعين لتحقيقات جنائية ذات دوافع سياسية، ولإجراءات مراقبة خارج نطاق القضاء، ولأحكام جائرة بالسجن، ولقرارات بحظر السفر وتجميد الأصول، فضلاً عن الإدراج تعسفياً في قوائم الإرهاب، مما يحظر عليهم فعلياً ممارسة أنشطتهم المدنية".

وفي ملف المعتقلين، أشار تقرير "العفو الدولية" إلى "احتجاز سجناء في دول عدة بالمنطقة في ظروف قاسية ولا إنسانية، تتسم بالاكتظاظ وسوء التهوية، والافتقار إلى شروط النظافة الصحية، وعدم توفر ما يكفي من الطعام والمياه، مما زاد مخاطر تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا وغيره من الأمراض المعدية".

كما أشار التقرير إلى "استمرار التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، داخل أماكن احتجاز رسمية وغير رسمية، في 18 بلداً على الأقل، بما في ذلك خلال التحقيقات لانتزاع اعترافات، وخلال الحبس الانفرادي إلى أجل غير مُسمى في ظروف مزرية".

توجيهات للسفراء للتركيز على "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"

وعلم "العربي الجديد" من مصادر بوزارة الخارجية المصرية، أن توجيهات صدرت إلى السفراء بالخارج، بضرورة التركيز على "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.

وقد قالت رئاسة الجمهورية وقتها إن هذه الاستراتيجية جاءت "لتطوير سياسات وتوجهات الدولة في التعامل مع الملفات ذات الصلة لتعزيز احترام جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية".

ووصف السيسي إطلاقها بـ"اللحظة المضيئة في تاريخ مصر المعاصر"، معتبراً أنها "خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر".

تعميم لجميع السفراء بالخارج بشأن ضرورة الترويج للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان

وأوضحت المصادر أن وزارة الخارجية "أرسلت تعميماً لجميع السفراء في الخارج، يؤكد ضرورة عرض تلك الاستراتيجية في المناسبات المختلفة التي يحضرها السفراء، والترويج لها، باعتبارها عملية شاملة لإصلاح أوضاع حقوق الإنسان في مصر".

وفي السياق، أشارت المصادر إلى اللقاء الذي عقده الأحد الماضي، سفير مصر لدى الاتحاد الأوروبي، بدر عبد العاطي، مع مجموعة من مسؤولي المفوضية الأوروبية ونواب البرلمان الأوروبي، بينهم الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان إيمون جيلمور، فضلاً عن عضوي البرلمان الأوروبي، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بهذا البرلمان فيتولد يان فاشتكوفسكي، ورئيس لجنة التنمية الإقليمية يونُس أومرجي.

وقالت المصادر إن عبد العاطي "أحد أهم الشخصيات الدبلوماسية التي تعمل في الخارج على تدعيم موقف الحكومة المصرية في مختلف المجالات".

وأعلنت الخارجية المصرية الأحد الماضي، عن لقاءات عبد العاطي بالمسؤولين الأوروبيين، وقالت إنها "تناولت سبل تعزيز التعاون ومواصلة التنسيق مع مصر، سواء على مستوى مسؤولي المفوضية الأوروبية أو البرلمان الأوروبي".

وأشارت إلى أنه تم خلال اللقاءات "إلقاء الضوء على الاهتمام الذي توليه مصر بتطوير قطاع النقل والمواصلات وتحديث البنية التحتية وتوسيع الطرق وتطوير منظومة السكك الحديدية والنقل البحري والنهري".

ولفتت إلى "تطلُع الجانب الأوروبي للمزيد من التعاون مع مصر في مجال النقل، خاصة أنها تعد دولة رائدة في هذا المجال في الشرق الأوسط وأفريقيا".

وقالت الوزارة إن اللقاءات تناولت أيضاً "عملية التطوير والتحديث الشاملة التي تشهدها مصر في جميع القطاعات، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو التنموي أو في مجال حقوق الإنسان".

وقد تمت الإشارة في هذا السياق إلى "إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي تقوم على مقاربة شاملة تتضمن الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية والتنموية والاقتصادية، فضلاً عن قرار عدم تمديد حالة الطوارئ في البلاد، واعتماد قانون الجمعيات الأهلية الجديد ولائحته الجديدة بما يمثله من دعم لعمل عشرات الآلاف من منظمات المجتمع المدني العاملة في مصر، إلى جانب تمكين المرأة والشباب ومواصلة تعزيز حقوق المواطنة".

وأضافت الوزارة أنه تم تناول أيضاً "الجهود المصرية المحرزة في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وما حققته مصر في هذا المنحى من نجاحات على مستوى الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن استضافة ملايين اللاجئين على أرضها والمدمجين في المجتمع المصري من دون تمييز".

النظام المصري ومصالح الغرب

ومن جانبه، قال دبلوماسي مصري سابق، إن "النظام المصري أصبح يجيد لغة دول الغرب القائمة بالأساس على المصالح، والتي تستخدم ورقة حقوق الإنسان للضغط على الحكومات الديكتاتورية من أجل تحقيق تلك المصالح".

وأوضح المصدر لـ"العربي الجديد"، أن "النظام المصري، يعي جيداً أن كل ما يهم الدول الغربية هي الصفقات، سواء كانت أسلحة أو أي شيء آخر يمكن أن تبيعه إلى مصر، بالإضافة إلى ملف آخر يحظى بالقدر نفسه من الأهمية، وهو الهجرة غير الشرعية، والذي تلعب فيه مصر دوراً مهماً بالنسبة إلى أوروبا".

دبلوماسي سابق: النظام المصري أصبح يجيد لغة دول الغرب القائمة بالأساس على المصالح

وقال المصدر إن "أصدق تعبير على أن الغرب غير مهموم حقيقة بأوضاع حقوق الإنسان، هو ما يحدث في قضية الباحث الإيطالي الذي قتل في مصر عام 2016، جوليو ريجيني، والذي اتهمت السلطات الإيطالية ضباطاً مصريين بتعذيبه حتى الموت".

وأضاف أن "ضياع قضية هذا الشاب في دهاليز السياسة، هو دليل على أن لغة المصالح تغلب على حقوق الإنسان حتى في الدول الأوروبية".

وأشار المصدر إلى "المصالح التي تربط القاهرة وروما في ملفات مختلفة، بينها صفقات التسليح، والمصالح الاقتصادية المرتبطة بالبحر المتوسط واكتشافات الطاقة فيه، إضافة إلى المصالح السياسية المشتركة في ليبيا والساحل".

من جهته، قال حقوقي مصري بارز لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إنه "حتى لو كانت الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على مصر في مجال حقوق الإنسان، هدفها ابتزاز النظام من أجل الحصول على مكاسب، إلا أنها في النهاية ستؤدي إلى تحسّن في أوضاع حقوق الإنسان في البلاد".

وأوضح المصدر أن "الضغوط لا تأتي فقط من المؤسسات الحكومية الرسمية في الدول الغربية، وهي تأتي بالأساس من قبل منظمات المجتمع المدني المستقلة هناك، والتي تضغط على حكوماتها من أجل محاسبة النظام المصري على انتهاكاته ضد حقوق الإنسان".

ورأى المتحدث نفسه أن "هذا الضغط، يمكن مع مرور الوقت، أن يجبر النظام المصري على تحسين أوضاع حقوق الإنسان".

المساهمون