اشتكى محامون وحقوقيون مصريون من عودة التوسع في دائرة الاعتقالات، وإعادة الاعتقال للمحبوسين بعد إخلاء سبيلهم، عقب فترات حبس احتياطي، تجاوزت في حالات كثيرة منها الفترات القانونية للحبس الاحتياطي، في ظل صمت القائمين على لجنة العفو الرئاسي عن إعداد قوائم جديدة للعفو عنهم، بمناسبة دخول شهر رمضان الخميس الماضي.
وقال الأكاديمي والحقوقي المصري، معتز الفجيري، لـ"العربي الجديد"، إن "السجن السياسي أصبح ركناً أساسياً من أركان منظومة الحكم في مصر، ولا يتحرك هذا الملف بشكل نوعي، برغم كل ما يُثار حول الحوار الوطني ولجنة العفو الرئاسية. كل تلك الأمور محض إجراءات شكلية لا تؤثر على المشهد الكلي للسجون، فليس هناك تغُير واضح في السياسات الأمنية، وفي الوقت الذي يتم الإفراج فيه عن العشرات، يتم القبض على المئات".
معتز الفجيري: ليس هناك تغُير واضح في السياسات الأمنية، ففيما يتم الإفراج عن العشرات، يقبض على المئات
وتساءل الفجيري: "لماذا لا توجد قاعدة قانونية عامة يتم تطبيقها على الجميع من دون استثناء، حتى لا يكون العفو بشكل انتقائي من الأجهزة الأمنية؟". وبرأي الفجيري أننا "أمام ماكينة قمع لا تُتوقع"، فمصر لم تشهد من قبل هذا الكم من أعداد المعتقلين، وأنماط الانتهاكات المختلفة والمستمرة منذ يوليو/ تموز 2013.
أنماط عديدة من الاستغلال
وتواصل "العربي الجديد" مع المحامي الحقوقي، الذي فضّل التعريف عنه باسم الأول فقط فؤاد، وهو يتابع ويترافع في قضايا نيابة أمن الدولة العليا منذ سنوات بشكل تطوعي من دون أجر. وتحدث عن وجود أنماط عديدة من الاستغلال والنصب، ليس فقط من جهة المجهولين ممن يدعون علاقاتهم مع الأجهزة الأمنية، ولكن أيضاً من بعض المحامين الذين يجدون في القضايا السياسية فرصة خصبة و"لقمة سائغة" لتحصيل مئات الآلاف من الجنيهات بشكل سهل وفي وقت سريع.
وأشار إلى ظهور محامين جدد من غير الحقوقيين أو المتطوعين الذين يترافعون في القضايا السياسية، خاصة من بعد تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019، حينما زاد القبض العشوائي على المواطنين بشكل غير مسبوق في جميع المحافظات. وقال إن هؤلاء المحامين استغلوا خوف الأهالي وجهلهم بطبيعة هذا النوع من القضايا، وتم التسويق بأن هذه القضايا خطيرة وطويلة الأمد وبحاجة إلى محامٍ ماهر، وبالطبع يطلبون مبالغ كبيرة من الأتعاب، تصل إلى عشرات ومئات الآلاف من الجنيهات للمتهم الواحد.
وعلى مدار ما يقرب من عام، راقبت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان نشاط التصريحات الصادرة من السلطات، ومنها لجنة العفو الرئاسية منذ أبريل/ نيسان 2022، حول إنهاء ملف المعتقلين في قضايا الرأي، وخلصت إلى أنها ما هي إلا "حملة علاقات عامة جديدة تحمل الكثير من المساومات والحسابات السياسية".
وفي السياق استعرضت الجبهة، في ورقة موقف صدرت يوم الأربعاء الماضي نشاط تصريحات لجنة العفو الرئاسي عن جهود لإدماج المفرج عنهم، خاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، من قبل لجنة العفو ومجموعات سياسية مقربة من السلطة، مثل "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، والتي أعقبت قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، في 26 إبريل 2022 في حفل إفطار الأسرة المصرية، إعادة لجنة العفو الرئاسية تفعيل عملها من جديد بعد توقفها لسنوات.
وثقت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان الاهتمام بالتسويق الإعلامي منذ الدقيقة الأولى لإخلاء السبيل
وفي إطار متابعة مدى جدية التصريحات الصادرة من أعضاء في لجنة العفو وآخرين في "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين" حول جهود الإدماج وأثرها على عموم المفرج عنهم أجرت الجبهة المصرية في يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الماضيين مقابلات مطولة على الإنترنت مع 5 أشخاص ممن أفرج عنهم خلال أقل من عام في قوائم مقدمة من لجنة العفو، حيث شاركوا أبرز الإشكاليات النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانون منها، وتقييمهم جهود إدماج المفرج عنهم.
اهتمام بتسويق إعلامي لإخلاء السبيل
وبتوثيق الجبهة المصرية مع عدد من المفرج عنهم في إطار قوائم العفو، تظهر أربعة محاور رئيسية جمعت تقييمهم لما يسمى "جهود إدماج المفرج عنهم"، أولها "الاهتمام بالتسويق الإعلامي منذ الدقيقة الأولى لإخلاء السبيل". وفي هذا السياق، قالت الجبهة في الورقة: "يلاحظ المراقب لإخلاءات سبيل المتهمين في إطار قوائم العفو، إصرار عدد من أعضاء لجنة العفو على أن يصاحب عملية الإفراج عن أعداد ضئيلة من المحتجزين صخب في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو الصخب الذي يمتد أحياناً إلى بوابات السجون".
وأشارت إلى أن اهتمام الأجهزة الأمنية بالإخراج الإعلامي لعملية الإفراج تؤكده شهادات أشخاص وثقت معهم الجبهة المصرية، حيث قال أحدهم إن أحد الضباط في سجن طرة أمر بإدخال أحد المفرج عنهم مرة أخرى إلى السجن بعد خروجه (قبل نقل المحتجزين منه لسجون بدر)، وذلك لإعادة تصوير مشهد الخروج.
الإشكالية الثانية، التي رصدتها ورقة الموقف، هي "تركيز عرض خدمات الإدماج لمحتجزين سابقين نشطاء أو معروفين"، إذ إنه وفقاً لمقابلات أجرتها الجبهة المصرية مع عدد من المفرج عنهم، أشار الموثق معهم إلى أن لجنة العفو تنتقي التواصل وعرض تقديم خدمات تتعلق بالإدماج لفئة معينة من الذين أفرِج عنهم، وهم عدد من النشطاء السياسيين وأعضاء المجتمع المدني المحتجزين سابقاً، الذين لديهم بعض الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، على حساب قطاع واسع من المفرج عنهم من غير المعروفين.
غياب الدعم والتأهيل النفسي
الإشكالية الثالثة تتمثل في "غياب الدعم الاقتصادي والاجتماعي والدعم والتأهيل النفسي". أما الإشكالية الرابعة التي رصدتها الجبهة فترتبط بما سمته "دعم مقابل طلبات الترويج لجهود لجنة العفو وتنسيقية شباب الأحزاب"، حيث أكد عدد من المفرج عنهم للجبهة أن بعض التواصلات بين لجنة العفو ووسطائها مع المفرج عنهم أخذ شكل المساومات، بدلاً من اعتباره نوعاً من جبر أضرار تجربة السجن التي تعرضوا لها على خلفية نشاطهم السياسي السلمي.
وأوضحت أن عدداً من المفرج عنهم أشاروا إلى أنه طلب منهم الترويج ونشر دعمهم لجهود الإدماج على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل نشر فيديو أو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن شكر لجنة العفو وكذلك "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، وذلك في إطار التواصل حول طلبات العودة لوظائفهم أو تقديم بعض الخدمات لهم. وهي الطلبات التي أحياناً ما تواجه قبولاً من بعض الأشخاص وأحياناً يتم الرد عليها بالرفض، حيث وثقت الجبهة المصرية مع أحد الأشخاص رفضه طلبات كتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأعمال لجنة العفو و"تنسيقية شباب الأحزاب".
وجانب آخر من المساومات على تقديم خدمات الإدماج أخذ شكل دفع المفرج عنهم لإظهار الولاء للسلطات، حيث أشار أحد المحامين، المفرج عنهم ضمن قوائم لجنة العفو، أنه عقب إدلائه بتصريحات تخص عمله لأحد المواقع الصحافية المنتقدة لسياسات النظام، فوجئ بتواصل أحد أعضاء "تنسيقية شباب الأحزاب" معه للطلب منه عدم التعامل مع ذلك الموقع.