استمع إلى الملخص
- **تصعيد الأزمة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب**: تصاعدت الأزمة بعد إعلان إدارة المصرف الجديد تسلمها مهامها، ورد حكومة مجلس النواب بوقف تدفق النفط، مما دفع عبد الحميد الدبيبة لمطالبة وزارة النفط بمنع إغلاق الحقول.
- **تحليل الأزمة وتوقعات التصعيد العسكري**: يرى الأكاديمي فاضل الطويل أن الأزمة تتضمن مفاوضات غير مباشرة بين حكومة طرابلس وقيادة حفتر، بينما يشير خالد شكاب إلى احتمال تصعيد عسكري وشيك، ويربط الأزمة بالصراع الدولي في ليبيا.
أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر رفضه قرار المجلس الرئاسي الليبي بشأن تغيير إدارة مصرف ليبيا المركزي، مطالباً بضرورة "احترام الجهات الشرعية المخولة بالنظر في المناصب السيادية وفقاً للاتفاق السياسي". جاء ذلك في بيان لمكتب إعلام القيادة العامة لمليشيات حفتر اليوم الاثنين، في أول موقف معلن من جانبه على أزمة المصرف المركزي المندلعة منذ أكثر من أسبوعين بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب.
وجاء إعلان حفتر عن موقفه خلاله لقائه اليوم بالقائم بأعمال رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا ستيفاني خوري، التي أبلغها رفضه "الإجراءات غير القانونية التي قامت بها أطراف سياسية فاقدة الشرعية ولا تملك أي صلاحيات"، في إشارة إلى المجلس الرئاسي الذي قرر مجلس النواب انتهاء ولايته الأسبوع قبل الماضي. ونقل مكتب حفتر الإعلامي تأكيد خوري لحفتر "ضرورة توافق مجلسي النواب والدولة حول منصب محافظ المركزي"، وأن البعثة "ستبذل جهودها لتحقيق هذا التوافق"، وكذلك دعمها لـ"جهود التوصل إلى حلول تحافظ على مكانة المركزي ومركزه الائتماني الدولي".
يأتي موقف حفتر ضمن ارتدادات قرار المجلس الرئاسي تغيير إدارة المصرف المركزي الذي لا يزال يلقي بظلاله على مشهد ليبيا المتأزم، حيث يعكس موقفه انحيازه لمجلس النواب الرافض لقرارات المجلس الرئاسي. وأصدر بحقه عدة قرارات، منها إنهاء ولايته بانتهاء أجل اتفاق جنيف الذي جاء به إلى السلطة عام 2021، وعدم امتلاكه صلاحية تعيين وإقالة شاغلي المناصب السيادية، ومنها محافظ المصرف المركزي، التي حصرها اتفاق الصخيرات السياسي في مجلسي النواب والدولة.
واليوم الاثنين، انتقل التصعيد بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب من مستوى تبادل القرارات والبيانات طيلة الأسبوعين الماضيين، إلى مستوى الإجراءات، فبعد إعلان إدارة المصرف الجديد المشكّلة من المجلس الرئاسي عن تسلمها مهامها من داخل مقر المصرف، أعلنت حكومة مجلس النواب بالتزامن وقفها تدفق النفط الذي تقع أغلب حقوله وموانئه في مناطق سيطرة حفتر.
من جانبه، طالب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وزارة النفط في حكومته بـ"ضرورة متابعة أوضاع الحقول النفطية وعدم السماح بإقفالها تحت حجج واهية، وضرورة محاسبة من يقوم بهذه الأفعال المشينة وإحالته لجهات الاختصاص"، في إشارة لقرار حماد بوقف إنتاج النفط.
ويرى الأكاديمي والباحث في الشأن الليبي فاضل الطويل، أن الأزمة لا تزال قائمة "وتجري في مفاصلها وثناياها مفاوضات غير مباشرة بين طرفي الحكومة في طرابلس وقيادة حفتر"، معتبراً أن موقف حفتر، وقبله قرار حماد بوقف النفط، محاولة للضغط على الدبيبة "للتفاهم على قيادة المصرف، على غرار اتفاقهم السابقة ضمن صفقة التفاهم على قيادة المؤسسة الوطنية للنفط عندما تم تعيين فرحات بن قدارة رجل حفتر رئيساً للمؤسسة النفطية".
ويضيف الطويل، في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "الدبيبة يستثمر كل الظروف لصالحه، بدفع الرئاسي كواجهة سياسية لتغيير إدارة المصرف من جانب، ومن جانب آخر يدفع حفتر للاتفاق معه لأنه يعلم أنه لا يستطيع وقف تدفق النفط لوقت طويل نظراً لحاجته تمويل مشاريع الإنماء التي أطلقها في شرق البلاد وتعاقد من أجلها مع شركات دولية كبرى".
ويتابع الطويل قائلاً "لن يستمر صمت المجتمع الدولي خاصة الأطراف الإقليمية والدولية، وسيتدخل للحفاظ على مصالحه للضغط على جميع الأطراف للقبول بالأمر الواقع، خاصة أن الإدارة الجديدة لا تشكل ضرراً على مصالح المتدخلين في الشأن الليبي، والأهم استمرار عودة تدفق النفط". ووفقاً لقراءة الطويل، فإن المجلس الرئاسي استثمر عزلة مجلس النواب لوحده في المشهد السياسي، خاصة قدرته على فرض قراراته بشأن المناصب السياسية، بسبب غياب شريكه فيها وفق الاتفاق السياسي، وهو المجلس الأعلى للدولة الذي لا يزال بدون رئيس حتى الآن بسبب الخصام والانقسام داخله.
تصعيد عسكري وشيك
في المقابل، يرى المهتم بالشأن السياسي خالد شكاب أن إعلان حفتر عن عدم سماحه بالمساس بالمصرف المركزي، قد يكون إعلاناً ضمنياً عن تصعيد عسكري وشيك، مضيفاً "ويجب أن لا ننسى أن خطوط التماس باتت متقاربة جداً بعد اقترابه قبل أسابيع من غدامس الواقعة ضمن نفوذ حكومة الدبيبة". فيما يؤكد شكاب في حديثه لـ"العربي الجديد" أهمية غدامس الاقتصادية، لوقوعها على مشارف حوض الغاز الأكبر في المنطقة، ويعتبر أن السيطرة عليها ستحرم الحكومة في طرابلس من حلفاء إقليميين ودوليين تعاقد معهم على إدارة حوض الغاز والاستثمار فيه، مثل إيطاليا وتركيا.
وفي سياق قراءاته للظروف المحيطة بأزمة المصرف المركزي، يربط شكاب بينها وبين الصراع الدولي غير المعلن في ليبيا، موضحاً أن واشنطن وأوروبا تعملان على بناء فيلق أوروبي في ليبيا لمواجهة الفيلق الروسي الذي قطعت روسيا أشواطاً في بنائه بالأراضي التي يسيطر عليها حفتر. ويتابع شكاب "الجانبان الأميركي والأوروبي سيحتاجان لطرف ليبي يمول مثل هذا المشروع الكبير، وربما هذا ما يفسر صمت واشنطن والعواصم الأوروبية حيال خطوات المجلس الرئاسي، ومن ورائه الدبيبة باتجاه السيطرة على المصرف، وربما يفسر هذا أيضاً موقف حفتر الرافض، الذي اتهمته تقارير إعلامية أوروبية بطباعة عملة مزورة من الدينار الليبي لتمويل الوجود الروسي وسداد ديون عقوده السابقة مع فاغنر".
وفي كل الأحوال، يرى شكاب أن كل المتدخلين الخارجين لا يرغبون باندلاع أي حرب في ليبيا "على الأقل في الوقت الحالي، ولذا شاهدنا البعثة الأممية تشارك في اجتماع مفاجئ للجنة 5+5 أمس بعد انقطاع أعمالها شهوراً طويلة، في محاولة لجمع معسكري الصراع في البلاد"، مضيفاً "هذا الاجتماع المفاجئ، يؤكد أن حالة التوتر المسلح لم تهدأ كما يظهر للعيان، بل لا تزال مستمرة، كما أن الاجتماع يكشف عنوان المبادرة الأممية الجديدة التي ستكون على الأرجح باتجاه توحيد كلمة القادة العسكريين لاحتواء الانقسام السياسي، وهو ما أشار له بيان اللجنة الختامي".
وعقدت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 اجتماعاً مفاجئاً في مقرها الرسمي بمدينة سرت، وسط شمال البلاد، وذكرت عقبه، في بيان رسمي، أنها تدارست الوضع الأمني والسياسي في البلاد "وتأثيره على بنود وقف إطلاق النار وكذلك على الأمن القومي للدولة"، وقالت إنها ستعلن عن موقفها خلال الأيام المقبلة من الانقسام السياسي الحاصل في البلاد.