تحوّل السفير الإيراني لدى حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، حسن إيرلو، إلى لاعب رئيسي في الأزمة اليمنية. ومنذ وصوله الغامض إلى صنعاء منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيطر رجل طهران في اليمن، على القرار السياسي لجماعة الحوثيين، فضلاً عن بصماته العسكرية التي كان لها الفضل في التحوّل النوعي للهجمات الحوثية؛ سواء باتجاه محافظة مأرب أو داخل العمق السعودي. مع العلم أنّ المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، وصفه لدى الإعلان عن تعيينه، بأنه "السفير فوق العادة، والمفوّض بصلاحيات مطلقة للجمهورية الإسلامية في اليمن".
وبعد أسبوعين من تصريحاته المثيرة للجدل التي وصف فيها المبادرة السعودية الأخيرة بشأن اليمن، بأنها "مشروع حرب دائمة"، وهو ما تسبب بإفشالها حتى الآن، بدأ الدبلوماسي الإيراني بإحباط الرسائل الإيجابية المتبادلة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، والتي أبدى فيها الطرفان استعدادهما لتبادل الأسرى والمعتقلين بمناسبة حلول شهر رمضان.
ومن على منصة التدوين المصغر "تويتر"، ظهر إيرلو، الخميس الماضي، ليضع شروطاً لتنفيذ هذه الخطوة الإنسانية، وطالب بـ"إطلاق جميع الأسرى"، كمقدمة وصفها بـ"القيّمة" لمزيد من الاتفاقيات في عملية السلام.
وتقف العروض الحوثية التي أحياها إيرلو وتنصّ على "تبادل الكل مقابل الكل"، كحجر عثرة أمام أي تقدم في ملف الأسرى. فعلاوة على أنها تهدف لتجاوز تفاهمات اتفاق عمّان التي تمت في سبتمبر/أيلول الماضي، وقضت بتبادل 300 أسير من الجانبين بينهم شقيق الرئيس اليمني اللواء ناصر منصور هادي، تؤكد مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن جماعة الحوثيين ومن خلفها إيران، تستغل هذا الملف للمراوغة السياسية فقط، وتضع تعقيدات في مسألة التبادل الكلي، من خلال تقديم قوائم بأسماء شخصيات بعضها وهمي، وبعضها مفقود وبعضها يعود لجثامين.
تجاوز إيرلو الخطوط الحمراء كلها التي تحددها الأعراف الدبلوماسية للسفراء
خروج عن النص
تجاوز رجل طهران في اليمن الخطوط الحمراء كلها التي تحددها الأعراف الدبلوماسية للسفراء، وطيلة الفترة الماضية، انتهج إيرلو خطاباً عدائياً ليس ضدّ السعودية، الخصم التقليدي لبلاده والتي تقود تحالفاً عسكرياً ضد الحوثيين، فحسب، بل ضد اليمنيين المناهضين للانقلاب الحوثي.
في تصريحاته الرافضة للمبادرة السعودية، أواخر مارس/آذار الماضي، وصف السفير الإيراني القوات الحكومية ورجال القبائل بـ"المرتزقة والتكفيريين"، عندما دعا السعودية لعدم دعمهم بالمال والسلاح، في محاكاة للخطاب المتطرف الذي دأبت بعض القيادات الحوثية على تصديره في معظم خطاباتها.
وعلى الرغم من التزام معظم القيادات الحوثية الصمت حيال تصريحات إيرلو الرافضة للمبادرة السعودية، في وقت لم تعلن فيه الجماعة موقفها الرسمي الواضح الرافض للمبادرة، أبدى عدد من الناشطين الحوثيين على مواقع التواصل الاجتماعي، امتعاضهم من مواقف مندوب طهران، وقالوا إنّ الرفض ليس من نطاق اختصاصه ويفترض أن يعلن عنه متحدث الجماعة فقط أو وزارة الخارجية في صنعاء.
وتتغنى جماعة الحوثيين بالسيادة المهدورة في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً، من قبل السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، ولكن خلال الفترة الماضية، تحوّلت تصريحات السفير الإيراني إلى مناسبة للتشفي من قبل الناشطين الموالين للشرعية، الذين يقولون إنّ إيرلو بات هو الحاكم العسكري لصنعاء، وهو ما شكّل حرجاً للناشطين الحوثيين.
من جهته، رفض الصحافي الموالي للحوثيين، الحسن الجلال، فكرة سيطرة السفير الإيراني على قرار الجماعة، وقال إنّ إيرلو لم يأت بشيء جديد، خصوصاً أنّ المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، قد أوضح موقف الجماعة سابقاً؛ سواء بخصوص المبادرة السعودية أو ملف الأسرى.
وقال الجلال في تصريحات لـ"العربي الجديد": "في كل الأحوال، رأي السفير ليس ملزماً لنا، ولن يكون ملزماً، خصوصاً إذا كان هذا الرأي يخالف توجهات القيادة السياسية في البلد"، في إشارة للمجلس السياسي لجماعة الحوثيين. وأضاف "ما قاله إيرلو ليس أكثر من مجرد رأي، كما هو حال عضو المجلس السياسي، محمد علي الحوثي، الذي دائماً ما يتحدث أو ينصح أو يصرح عن الوضع الإيراني، وآخر تصريحاته تلك التي أشار فيها إلى أنه إذا قبلت إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم قبل تنفيذ الاتفاق النووي، فهي تكرر خطأ الاتفاق السابق"، متسائلاً "فهل هذا القول يعني أن اليمن يسيطر على القرار السياسي الإيراني"؟
سعى السفير الإيراني لهيكلة جماعة الحوثيين بما يجعلها مطابقة لـ"حزب الله" في لبنان
وعلى الرغم من تقليل الجلال من أهمية تصريحات إيرلو، إلا أنّ النوايا الإيرانية في الاستحواذ على القرار السياسي للحوثيين كانت واضحة للعيان. فمنذ تقديم سفير طهران أوراق اعتماده في 27 أكتوبر الماضي، أي بعد نحو أسبوعين من وصوله الغامض إلى صنعاء، عقد الرجل 5 لقاءات مع وزير خارجية الحوثيين هشام شرف.
في اللقاء الأخير الذي عُقد في الخامس من إبريل/نيسان الحالي، سعى السفير الإيراني بشكل صريح لتجاوز المبادرة السعودية وطرح مبادرة هرمز للسلام (التي أعلنت عنها طهران للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول 2019، وتشير إلى رؤية إيران للسلام في المنطقة)، التي رحّب بها وزير خارجية الحوثيين. وقال شرف "إن ما يُبحث حالياً برعاية المبعوثين الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندركينغ، مع رئيس الوفد المفاوض (محمد عبد السلام)، لا بدّ أن يتضمن روح مبادرة هرمز للسلام بالإضافة إلى المبادرات الأخرى المطروحة"، وفقاً لتصريحات نشرتها وسائل إعلام حوثية.
في السياق، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبد الله دوبلة، أنّ "الهدف من الهجمات الحوثية المفرطة صوب السعودية، والرسائل السياسية التي تمررها إيران عبر إيرلو، هو تنبيه المجتمع الدولي في ما يخص العودة لمفاوضات الملف النووي في فيينا مع القوى الكبرى، باعتبار طهران تسيطر الآن على صنعاء".
وقال دوبلة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة الإيرانية واضحة، وهي ضرورة مرور الحل السياسي للأزمة اليمنية عبر طهران، وليس عبر الرياض فقط، فهي ترى أنها باتت الآن موجودة في صنعاء، ولن تتنازل عن التقدم الذي حصلت عليه".
الحاكم العسكري لصنعاء
شهدت الفترة التي أعقبت تسلل السفير الإيراني إلى صنعاء، تغيّراً جذرياً في المشهد العسكري للحوثيين، إذ بدأت الجماعة بالتفكير في التوسّع داخلياً بالسيطرة على منابع النفط والغاز بمحافظة مأرب، غير مبالية بالكلفة البشرية الباهظة لتحقيق ذلك، فضلاً عن توسيع هجماتها على السعودية بشكل غير مسبوق.
وخلال وقت قصير لم يتجاوز نصف عام من وجوده في اليمن، سعى السفير الإيراني لهيكلة جماعة الحوثيين بما يجعلها مطابقة لـ"حزب الله" في لبنان، إذ اعتبرها "القلب النابض للمقاومة" في اليمن، وأنها تحولت إلى "قوة إقليمية في المنطقة"، كما عقد سلسلة لقاءات مكثفة مع غالبية المسؤولين الحوثيين ووزراء حكومة الجماعة غير المعترف بها.
وتكشف طريقة وصوله الغامضة إلى صنعاء، أن إيرلو ليس مجرد دبلوماسي، بل هو عسكري غير عادي، خصوصاً بعد نجاحه في كسر الحظر المفروض من التحالف العربي بقيادة السعودية على اليمن. ولا تزال طريقة دخول إيرلو اليمن مبهمة إلى اليوم، وسط روايات متضاربة، حتى أن الحكومة المعترف بها دولياً، دائماً ما تردد روايات هي مجرد تكهنات، تتحدث عن استخدام السفير الإيراني، وثائق مزورة للتسلل إلى صنعاء عبر هوية أحد الجرحى على متن طائرة أممية، على الرغم من النفي الأممي ذلك.
لا تزال طريقة دخول إيرلو اليمن مبهمة إلى اليوم
وفقاً لتقرير إسرائيلي حديث نشره "المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة"، وترجمه "مركز صنعاء للدراسات"، فإنّ إيرلو متخصص في إنتاج وإطلاق الصواريخ الباليستية، وليس لديه خلفية دبلوماسية، كما أنه ليس من الواضح حتى ما إذا كان الاسم الذي يحمله اليوم هو اسمه الحقيقي أم لا.
ووصف التقرير، إيرلو بـ"الجنرال"، وقال إنه تم تعيينه ليصبح "محافظاً إيرانياً على صنعاء"، بعد أن كان أحد المقربين من القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، فضلاً عن خلفيته العسكرية من خلال تدريب عناصر تابعة لتنظيم "حزب الله" في معسكر "هونار" شمال طهران. وبحسب التقرير الإسرائيلي، قُتل اثنان من أشقاء إيرلو خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988).
ولم يتسن لـ"العربي الجديد"، التحقق من تلك الاتهامات التي دائماً ما يرددها مسؤولون في الحكومة اليمنية الشرعية. لكن كان واضحاً التحول اللافت الذي طرأ على القوة العسكرية للحوثيين بعد وصول السفير الإيراني إلى صنعاء.
وخلافاً لاتهامات حكومية بوقوفه وراء الهجوم الدامي الذي طاول مطار عدن في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لحظة وصول طائرة حكومة المحاصصة إليه، وأسفر عن مقتل 28 شخصاً، شهدت الهجمات الجوية والصاروخية الحوثية على الأراضي السعودية أيضاً تحولاً جذرياً بعد ظهور السفير الإيراني في صنعاء، ما يشير إلى أنه لم يكن المتسلل الوحيد إلى الأراضي اليمنية، بل جاء وبرفقته عدد من خبراء الصواريخ والطائرات المسيرة.
وتتبعت "العربي الجديد" نشاط الهجمات الحوثية في الشهرين اللذين سبقا وصول إيرلو إلى صنعاء. ومن خلال البيانات الرسمية التي تنشرها صفحة المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، كان الهجوم الذي استهدف الرياض في 9 سبتمبر الماضي، بواسطة صاروخ باليستي من طراز "ذو الفقار" و4 طائرات مسيّرة، هو العملية الأكبر في تلك الفترة، إضافة إلى هجمات خجولة ومكررة، دائماً ما تطاول مطار أبها، من دون أن تُخرجه عن الجاهزية التامة.
ولكن لم تعد القواعد العسكرية داخل السعودية هي الهدف الأول للهجمات الحوثية بعد وصول السفير الإيراني، إذ كانت الاستراتيجية الجديدة توجيه ضربات موجعة نحو أهداف اقتصادية. وخلال يومي 23 و28 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تبنّت جماعة الحوثيين هجمات واسعة بصواريخ باليستية مجنّحة و15 طائرة مسيرة، على مواقع مختلفة في السعودية، أبرزها محطة توزيع أرامكو في جدة، وهو الهجوم الذي أقرت به وزارة الطاقة السعودية.
بعد وصول إيرلو، ظهر جيل جديد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والألغام البحرية
وخلافاً لهجمات قصيرة المدى تحولت إلى ما يشبه الطقس اليومي، نفّذ الحوثيون خلال مارس/آذار الماضي، سلسلة هجمات غير مسبوقة، استهدفت بدرجة أساسية شركة أرامكو في جدة، وميناء رأس تنورة، أكبر مرفأ نفطي في العالم، ومنشآت نفطية في رابغ وينبع وجازان، وكانت جميعها تتم بسرب من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، وهو ما تكرر أمس الاثنين عندما استهدف عدد كبير من المسيرات الحوثية مواقع نفطية تابعة لشركة أرامكو في كل من الجبيل وجدة.
ووفقاً لمصادر عسكرية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ "التحول العسكري الحوثي بعد وصول إيرلو لم يقتصر على كثافة الهجمات، بل ظهر جيل جديد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والألغام البحرية، والتي يعتقد أن الخبراء الذين تسللوا مع السفير الإيراني هم من قاموا بصناعتها أو تركيبها". واستدعى النشاط المشبوه للسفير الإيراني في صنعاء، أن تتعامل معه الإدارة الأميركية كواحد من قيادات الصف الأول في جماعة الحوثيين، إذ تم إدراجه في القائمة السوداء للخزانة الأميركية مطلع ديسمبر الماضي، باعتباره مسؤولاً في فيلق القدس.
أما الحكومة اليمنية الشرعية التي هددت باللجوء إلى مجلس الأمن لتقديم شكوى ضد إيران لانتهاكها الأعراف الدبلوماسية وشرعنة الجماعات المارقة من خلال تهريب عنصر لها إلى صنعاء تحت مسمى سفير، فاكتفت بفتح محاكمة عسكرية مفترضة للدبلوماسي الإيراني، بتهمة "الدخول متنكراً إلى أراضي الجمهورية اليمنية والتجسس، والاشتراك في الجرائم مع العدو الحوثي، وارتكاب جرائم عسكرية وجرائم حرب"، وفقاً لدعوى قدمتها النيابة العسكرية بمأرب.
وذكرت المحكمة، في بيان لها، مطلع إبريل الحالي، أنها قامت بضم ملف قضية إيرلو، إلى القضية الجنائية الخاصة بمحاكمة زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي و174 آخرين، بتهمة الانقلاب العسكري على النظام الجمهوري والتخابر مع دولة أجنبية (إيران)، وارتكاب جرائم عسكرية وجرائم حرب، وفقاً للإعلام الرسمي.