حروب قيس سعيّد: القضاء أداة للانتقام السياسي

07 يناير 2022
من تظاهرة دعماً للنائب المعتقل ياسين العياري، سبتمبر الماضي (Getty)
+ الخط -

مع توسع دائرة معارضي الرئيس التونسي قيس سعيّد، لتشمل جميع الأطياف السياسية في البلاد من مختلف الانتماءات والمنظمات والأحزاب الوطنية، يلجأ الرئيس إلى كلّ الأدوات المتوافرة بين يديه للمواجهة.

وما قرار القضاء التونسي أخيراً، إحالة 19 شخصية سياسية، من بينها رؤساء حكومات ووزراء ونواب ورؤساء أحزاب، على المحاكمة، إلا خطوة في إطار ضرب سعيّد لكل الخصوم.

القضاء التونسي يتهم 19 شخصية سياسية

وقرّر القضاء التونسي، أول من أمس الأربعاء، إحالة 19 شخصية سياسية، منها رؤساء أحزاب وحكومات (سابقون) ووزراء ونواب، على المجلس الجناحي في المحكمة الابتدائية في تونس، من أجل "جرائم انتخابات"، من دون أن تشمل سعيّد، على الرغم من وجود مخالفات انتخابية في حقّه.

وشملت قائمة المستدعين: رئيس حزب "قلب تونس" ورجل الأعمال الموجود في الخارج نبيل القروي، ورئيس الحكومة الأسبق ورئيس حزب "تحيا تونس" يوسف الشاهد، الموجود بدوره خارج البلاد، ووزير الدفاع الأسبق عبد الكريم زبيدي، وزعيم حركة "النهضة" ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، ورئيس حزب "الوطن الجديد" ورجل الأعمال الموجود في الخارج سليم الرياحي، وعضو مجلس الشعب المعلق أشغاله أحمد الصافي سعيد، ورئيس الحكومة الأسبق والقيادي السابق في "النهضة"، حمادي الجبالي.

الهمامي: يجري تنفيذ مخطط نظام رئاسي سمته الاستبداد

وشملت القائمة أيضاً كلاً من زعيم حزب "العمال" حمة الهمامي، والرئيسة السابقة لحزب "الأمل" ومديرة ديوان الرئيس الراحل الباجي السبسي، سلمى اللومي، والمهندس في الاقتصاد محمد الصغير النوري، والرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي، المقيم في فرنسا.

كما شملت وزير التعليم السابق ورئيس حزب "الائتلاف الوطني" ناجي جلول، والرئيس السابق لحزب "تيار المحبة" وصاحب قناة "المستقلة" محمد الهاشمي الحامدي، ورئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، ورئيس حزب "البديل" ورئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، وعضو مجلس الشعب والقيادي في حزب "الوطد اليساري"، منجي الرحوي، ورئيس حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" لطفي المرايحي، ورئيس حزب "بني وطني"، سعيد العايدي، وربيعة بن عمارة.

وذكر بيان لمكتب الاتصال في محكمة تونس، أنه "تمّ اتخاذ قرار الإحالة على المجلس الجناحي في المحكمة الابتدائية بتونس من أجل ارتكاب جرائم مخالفة تحجير الإشهار السياسي والانتفاع بدعاية غير مشروعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدعاية خلال فترة الصمت الانتخابي طبق الفصول 57 و69 و154 و155 من القانون الأساسي عدد 16/2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء".

وجاء هذا التطور فيما تجد الاستشارة الوطنية (الاستفتاء الإلكتروني) التي طرحها سعيّد، رفضاً من أغلب الأحزاب والمنظمات والجمعيات، وكذلك خريطة الطريق المعلنة من قبله عموماً، والمحددة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها نهاية العام الحالي.

اعتراض حزبي: قرار القضاء مهزلة

ووصف الأمين العام لحزب العمال (اليساري) حمة الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، "زجّ اسمه في التهم الموجهة"، بـ"ادعاءات كاذبة"، مؤكداً أنه لم يقم بالإشهار السياسي.

واعتبر الهمامي أن "ما أقدمت عليه النيابة بشأن ما سمّي جرائم انتخابية، مهزلة، والهدف منه ليس فتح بحث جدّي في الفساد والبحث في التجاوزات في الانتخابات من تمويل أجنبي وإشهار سياسي وتوظيف سياسي، بل حصر الصراع وبشكل انتقائي في المعارضين".

الشواشي: تونس بمنحى خطير ومهددة بانفجار اجتماعي وشيك

ورأى همامي أن "سعيّد يريد وضع الجميع في سلّة واحدة بهدف ترذيل الحياة السياسية والأحزاب والسياسيين للذهاب نحو الحكم الفردي". وسأل: "لماذا لم يرد اسم سعيّد في القائمة؟ فهناك 30 صفحة في تقرير دائرة المحاسبات حوله وتقريباً من أكثر المرشحين". وتابع: "لن يعطينا سعيّد ولا وزيرة العدل ولا النيابة دروساً في النظافة، وما يحصل مجرد محاولة لإلهاء الشعب عن المشاكل وعن الأزمة الحقيقية".

ولفت الهمامي إلى أن "حزب العمّال أكد منذ البداية أن انقلاب سعيّد لن يحل الأزمة، بل سيعمّقها، وما يحصل اليوم يؤكد ذلك فالأزمة السياسية تتعمّق". وأشار إلى أن تونس "يطغى عليها التفكك والتفرقة، وأكثر من ذلك، الحريات التي تضرب، حرية التعبير والاحتجاج والتظاهر، فيما يحتد الصراع على أجهزة الدولة من وزارة الداخلية والعدل والقضاء، وبالتالي فإن الأزمة تتواصل".

ورأى الأمين العام لحزب العمال، أن "ما يسميه سعيّد الاستشارة الوطنية وخريطة الطريق هي طور من أطوار انقلاب 25 يوليو، وهي استشارة كاذبة، خصوصاً أن نسبة الربط بشبكة الإنترنت وفق معهد الإحصاء هي بحدود 51 في المائة، أي إن حوالى نصف التونسيين غير مشمولين، كما أن هناك مشاكل تقنية عدة من حيث سرعة التدفق في الإنترنت وغيرها".

واعتبر أن "الهدف تمرير مخطط مسبق لتنفيذ مخطط نظام رئاسي سمته الاستبداد وعلى مقاس سعيّد". وأكد أن "المعارضين أكثر من المساندين". ورأى أنه "لو طرحنا سؤال من مع سعيّد، فستكون الإجابة محتشمة، وحتى من معه أصبح متحفظاً ومنتقداً له وللمسار الذي اتبعه، فالمجتمعات المتقدمة تكون منظمة في أحزاب ونقابات وجمعيات".

من جهته، حذّر الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من أن تونس "تتجه نحو منحى خطير جداً"، مشيراً إلى أن "المعارضين لسعيّد أكثر من المساندين، وحتى هؤلاء لديهم تحفظات"، مبيناً أن "الرئيس يرفض أي منحى تشاركي، وأي حوار، ويسير نحو الأمام والمجهول، ما يجعل البلاد تعيش في عبث وانفلات والمؤسسات في شلل وتعطيل".

ولفت الشواشي إلى أن "الأزمات في البلاد تتفاقم، مالية وصحية واجتماعية، وقانون المالية أول امتحان فشل فيه سعيّد، وجاء عكس شعاراته التي كثيراً ما رفعها".

وحذّر من أن "البلاد مهددة بانفجار اجتماعي وشيك"، وأن "الدعم الخارجي يتراجع وهناك حالة من القلق، ويتحمل الرئيس المسؤولية بالدرجة الأولى في ما آل إليه الوضع".

وأشار الشواشي إلى أن "البلدان التي عاشت انتقالاً ديمقراطياً من طبيعي أن تمر بتعثرات، ولكن معالجة ذلك تكون بنضج سياسي وبتطبيق القانون، ويتطلب حكومة قوية وبرلماناً مسؤولاً، ودعماً للمؤسسات، وباستقلالية القضاء، ولكن رئيس الجمهورية للأسف اختار الاستفراد بالسلطة".

ولفت الشواشي إلى أن سعيّد "يعتبر أنه مالك الحقيقة، وأن مشروعه الهلامي الذي يحلم به منذ عقود، هو المشروع الصحيح والوحيد القادر على إنقاذ البلاد وتحقيق الديمقراطية المباشرة، التي تقوم على البناء القاعدي"، مشيراً إلى أنه "جمع بالأمر 117 السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو يحاول اليوم وضع اليد على السلطة القضائية من خلال حلّ المجلس الأعلى للقضاء".

وكان "التيار الديمقراطي" قد أكد معارضته لخريطة الطريق التي أعلنها سعيّد، والتي "لا تعدو أن تكون تأبيداً للأوضاع استثنائية وتعميقاً لما فيها من خروقات دستورية كبرى"، بالإضافة إلى كونها "مسرحيّة رديئة بسيناريو معلوم النتائج، وهي تنزيل مفضوح للمشروع السياسي لسعيّد ولا يمكن أن تعبّر عن إرادة شعبية".

وأعلن الحزب مقاطعته للاستشارة، وأن "تتحمّل الأطراف الوطنية مسؤوليتها في التصدي لمسار تفكيك الدولة الحاصل". وأكد عزمه على مواصلة النضال ومشاركته في إحياء عيد الثورة التونسية يوم 14 يناير.

في السياق، لفت الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، إلى أن "الأزمة في تونس تتسع، وقائمة المعارضين تزداد، ورأب الصدع يصعب"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الدعوات للحوار لن تجد آذاناً مصغية، خصوصاً أن الرئيس مصر على المضي قدماً في تنفيذ أجندة سياسية خاصة به".

المساهمون