عبرت حركة "النهضة" التونسية عن قلقها مما ورد في كلمة الرئيس قيس سعيّد التي تطرق فيها، أمس الجمعة، إلى وجود "مؤامرات خطيرة" تهدد أمن البلاد والأمن الشخصي للرئيس، مستنكرة تلك المؤامرات.
وحذرت الحركة، في بيان صدر اليوم السبت، كافة التونسيين من خطورة تلك "المؤامرات وتداعياتها، داعية الجميع إلى "اليقظة والتصدي لمثل هذه الأجندات إن تأكدت".
كما دعت الحركة أجهزة الدولة الأمنية والقضائية "للقيام بما يلزم للكشف عن هذه المؤامرات، حتى تُحدَّد المسؤوليات ويطمئن الرأي العام ويحصّن الأمن القومي التونسي"، مؤكدة في ذات السياق "نهج حركة النهضة في الالتزام بقوانين الدولة التونسية، والعمل في إطارها واحترام مؤسساتها، واعتماد الحوار السياسي أسلوبا وحيدا لحلّ الخلافات، والعمل على الحيلولة دون ما يمكن أن ينزلق بالبلاد إلى مربعات العنف والفوضى".
وذكّرت بـ"تعهّد حركة النهضة بالانخراط في الجهد الوطني في التتبع القانوني لمن تتعلق بهم شبهات فساد وتطهير الحياة السياسية من المال الفاسد، وإنفاذ القوانين والأحكام على الجميع دون استثناء ودون أية اعتبارات مهما كانت، على قاعدة المساواة بين المواطنين واستقلال السلطة القضائية".
وحذرت "من كل المؤامرات والدسائس الداخلية والخارجية التي تعمل على جرّ البلاد إلى عدم الاستقرار والحدّ من الحريات وانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين، ودعوة كل القوى السياسية والاجتماعية للوقوف صفا منيعا أمام كل محاولة للارتداد على مكاسب الشعب التونسي".
وقال البيان إنّ "القرارات والإجراءات غير الدستورية المعلنة يوم 25 جويلية 2021 وما بعده تظل استثنائية، وتستدعي تعاون الجميع على تجاوزها، والاستئناف السريع للمسار الديمقراطي والعمل الطبيعي لمؤسسات الدولة بالاستفادة من أخطاء الماضي ومقتضيات المرحلة الجديدة والتزام الجميع بمقتضيات الدستور".
وكانت قيادات من حركة "النهضة" دعت إلى التحقيق في مزاعم الاغتيال التي أوردها الرئيس التونسي قيس سعيّد أمس الجمعة، واتهامه أطرافاً لم يسمها بأن في تونس من يفكر في الاغتيال وسفك الدماء.
وقال رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس حركة "النهضة" علي العريض، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "رئيس الجمهورية لم يقدم أي رؤية للخروج من الوضع ولا آمالاً بثها للتونسيين"، مؤكداً أنّ "الأصل أن تتعهد النيابة العمومية بالتحقيق تلقائياً في المسألة، وهذا الموضوع لا يمكن أن يكون مجرد جمل عابرة في خطاب، لا بد أن يقدمه رئيس الجمهورية في خطاب أو بيان رسمي ويوضح من هي هذه الجهة؟ وماذا فعلت؟ والقضاء يأخذ مجراه، أما بهذه الطريقة، فلن يزيد الوضع إلا غموضاً، والذهاب للمجهول".
وبيّن العريض أنه "عندما تغيب الرؤى وتتعالى هذه الأخبار، تتعمق الأزمة"، مؤكداً أنّ المخاوف من أن "تستغل هذه التصريحات لتبرير انتهاكات ضد حقوق الإنسان والحريات العامة وضد الإعلام والأحزاب هي مخاوف مشروعة".
وقال إنها "ليست المرة الأولى التي تباغتنا فيها رئاسة الجمهورية بتصريح مضمونه خطير جداً يتعلق بالأمن القومي التونسي واغتيال رئيس الجمهورية، ومؤسف أنّ موضوعاً بهذه الخطورة يأتي في سياق مواضيع أخرى كأنه جزء من مواضيع ثانوية لا تقارن به أبداً".
وتابع العريض "نحن في وضع دون حكومة، ودون برلمان وجل السلطات في يد رئيس الجمهورية ويحدثنا سعيد عن إمكانية اغتيال الرئيس، فالتونسي والمستثمر ينتظر الاستقرار لعقد اتفاقات شراكة ولكن الوضع يزداد غموضاً، ويضاف إليه تصريح بهذه الخطورة دون أن يكلف النيابة العمومية بفتح تحقيق.
وقال العريض، في تدوينة على صفحته الرسمية في "فيسبوك"، إنّ "تصريحات رئيس الجمهورية التي تثير المخاوف والانشغال في البلاد تتكرر، وهي بذلك تعمق ما هي فيه من أوضاع يكتنفها الغموض في الحاضر والمستقبل، وآخرها ما تعلق بوجود تفكير أو تخطيط لاستهداف حياته".
وأضاف أنّ "هذا من عظائم الأمور في أي بلد، وعظائم الأمور ليست جملاً ترد ضمن مواد أخرى أدنى مستوى، وإنما تحتاج إلى بيان أو خطاب رسمي مخصوص وتعهّد فوري بالتحقيق وإفادة الرأي العام بالمعطيات المتوفرة ونتائج التحقيق وتحديد المسؤوليات".
واعتبر العريض أنه "من الخطير أن يتم التطبيع في البلاد مع مثل هذه التصريحات التي تبقى دون توضيح ودون مآلات ولا إنارة الرأي العام الوطني أولاً والدولي ثانياً. من ناحية أخرى، فإنه من المشروع الخشية أن تتخذ هذه التصريحات غطاء لمزيد النيل من الحريات والحقوق بمقتضى مجرد تعليمات وبعيداً عن القانون والمؤسسات".
وأكد العريض أنّ "بلادنا في أمسّ الحاجة إلى وضوح الاتجاه والتمشي للخروج من الاستثناء الظرفي المتسم بالخوف على الحاضر والمستقبل المجهول، والمواطن بحاجة إلى هذا، ومؤسسات الدولة وإدارتها بحاجة إلى هذا، والمستثمر بحاجة إلى هذا، سواء كان تونسياً أو أجنبياً، والشركاء الدوليون دولاً ومؤسسات بحاجة إلى هذا، وفي غياب الوضوح سيجتاح الجميع غول الخوف واليأس بدل الأمل والانطلاق".
من جهته، اعتبر مستشار رئيس حركة "النهضة" رياض الشعيبي أنه "لا أحد يفكر في اغتيال الرئيس، لكن الرئيس يفتعل أحداثاً غير صحيحة لتبرير سياسة التنكيل، التي يبدو أنه قد قرر الدخول فيها بعد أن افتضح انقلابه في الداخل والخارج".
وخاطب الشعيبي سعيّد، في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك": "أيها الرئيس أنت بين أمرين، إما أنك ضحية عملية توظيف واستغلال من قبل أطراف أنت تعرفها لاستئصال كل نفس حر في هذه البلاد، وإما أنك تبحث عن مبررات لاستمرار انقلابك حتى ولو كان ذلك على حساب الأبرياء، وفي كلتا الحالتين، ستقابل ربك ويداك مكبلتان بالقيود، فلا ينفك قيدها حتى يحكم بينك وبين آخر رعاياك (كما جاء في معنى الحديث الشريف)، فاحذر أن تقابل ربك ظالما، فالظلم ظلمات يوم القيامة، واعلم أن دماءنا وأموالنا وأعراضنا حرام عليك، وستكون لعنة على من ينتهكها، أما عنا، نحن فوالله لن يخيفنا وعيدك عن قول كلمة الحق، ولن يسكتنا تهديدك عن مقارعة الباطل.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم".
ورداً على هذا الجدل، قال أحد النشطاء السياسيين المدافعين عن سعيّد رياض جراد إنّ "المؤامرات والغرف المظلمة والمافيا كلها حقيقة وليست من وحي الخيال مثل الإرهاب تماما في بلادنا وتحالفه مع الفساد والفاسدين... هذا التحالف سيسعى بأي طريقة كانت وبأي شكل من الأشكال للتخلص من الرئيس قيس سعيّد ولو كان ذلك حتى باغتياله".
وشدد على أنّ "قيس سعيّد هو في حماية شعبه الذي انتصر لإرادته أولاً، وفي حماية أسود الأمن الرئاسي وقواتنا المسلحة العسكرية والأمنية".