حرب مسيّرات تركية ضد "قسد": تعويض عن العمل العسكري؟

26 أكتوبر 2021
جندي تركي في نقطة متقدمة في ريف الحسكة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

يُخيّم التوتر على الشمال السوري منذ نحو شهر، في ظلّ تحفّز الأتراك، كما يبدو، لتغيير توازنات إقليمية حدّدت خطوط الصراع الذي يهدد بالانتقال إلى مستويات جديدة، في حال فشل الأطراف المعنية في نسج خيوط تفاهمات جديدة، تجنّب الشمال عملاً عسكرياً واسع النطاق، ربما يفضي إلى خريطة سيطرة مختلفة عما هي عليه اليوم. وبدأ الجيش التركي، في الأيام القليلة الماضية، شنّ عمليات بمسيّرات، تستهدف قياديين وعناصر في "وحدات حماية الشعب" الكردية، الثقل الرئيسي في "قوات سورية الديمقراطية" (قسد). وكشفت مصادر إعلامية، أمس الإثنين، أن مسيّرة تركية قصفت هدفاً عسكرياً في منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، الخاضعة لـ"قسد" وقوات النظام السوري، مشيرة إلى أن الموقع المستهدف في تل رفعت يقع بالقرب من نقطة لـ"قسد". وسبق لـ"قسد" أن أعلنت، أول من أمس الأحد، مقتل ثلاثة من عناصرها في ريف عين العرب، عقب قصف من قبل مسيّرة تركية، مشيرة إلى أن العناصر كانوا في طريقهم من بلدة صرين إلى عين العرب لتلقي العلاج.

بدأت "قسد" عمليات تجنيد في مناطق سيطرتها أخيراً
 

وكانت "الإدارة الذاتية"، الموالية لـ"قسد"، قد ذكرت، يوم الأربعاء الماضي، أن مدنيين قُتلوا بقصف مسيّرة تركية وسط عين العرب. وأتت هذه التطورات الميدانية، عقب توعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "قسد" في منتصف الشهر الحالي بالهجوم عليها، إثر وقوع عمليات عدة ضد القوات التركية في شمال سورية أدت إلى مقتل عسكريين أتراك. وعلى الرغم من نفي "قسد" مسؤوليتها عن هذه العمليات، إلا أن مصادر النيران كانت من منطقة تل رفعت، الخاضعة لها منذ عام 2016. وتدل المؤشرات الميدانية على أن الجيش التركي حسم أمره في المضي في عمل عسكري واسع النطاق في غربي الفرات أو في شرقه لردع قوات "قسد"، لكنه ينتظر ما ستسفر عنه مباحثات من المفترض أن يجريها أردوغان مع نظيره الأميركي جو بايدن، خلال قمة مجموعة العشرين، المقررة في العاصمة الإيطالية روما في 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن "قيادات الفصائل الموالية للقوات التركية استدعت جميع عناصرها المتواجدين في منطقة عفرين"، مشيراً إلى "أن القوات التركية تجهّز لنقل مئات العناصر إلى تل أبيض في منطقة شرقي نهر الفرات، وذلك للقيام بعمل عسكري". وكشف أن الجيش التركي استقدم منذ أيام تعزيزات عسكرية إلى تل أبيض، مكوّنة من دبابات ومدفعية وأسلحة ثقيلة ومواد لوجستية، مشيراً إلى أن قوات النظام السوري استقدمت بدورها تعزيزات إلى محاور عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، بالتوازي مع تعزيزات عسكرية لـ "قسد" إلى نقاط التماس مع الفصائل الموالية لتركيا قرب قرية التراوزية، شرقي عين عيسى. مع العلم أن "قسد" اضطرت في أكتوبر 2019 إلى توقيع اتفاق عسكري مع الجانب الروسي، للسماح له وللنظام السوري بنشر قوات في منطقة شرقي الفرات، لإيقاف عملية عسكرية تركية في ذلك الحين. حول هذه التطورات، أشار الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "قسد بدأت في الآونة الأخيرة في حفر أنفاق في شمال شرقي سورية"، معتبراً أن ذلك يندرج في إطار استعداداتها تحسباً لأي هجوم من الجيش التركي وفصائل "الجيش الوطني السوري". ورأى أن "قسد تهدف إلى إثارة الفوضى والبلبلة في شمال وشمال شرقي سورية"، كاشفاً أن "قوات سورية الديمقراطية" أقدمت على سياسة حفر الأنفاق منذ سنوات، تحديداً منذ ما قبل العملية التركية في أكتوبر 2019، التي سيطر بموجبها الجيش التركي على مساحة واسعة، تمتد من تل أبيض بريف الرقة الشمالي حتى رأس العين بريف الحسكة. واعتبر عودة أوغلو أن القيادة التركية تدرك التحركات الأخيرة من قبل "قسد"، المدعومة من جهات خارجية، للضغط على الجانب التركي في المناطق المحررة وإحراجها من خلال العمليات التي قامت بها أخيراً. وشدّد على أن "الجيش التركي نجح في إحباط العديد من هذه العمليات عبر الاستخبارات، من خلال المسيّرات التركية التي أدت دوراً كبيراً في إفشال خطط هذه المنظمات". وتعتبر أنقرة "قسد"، التي تسيطر على مجمل الشمال الشرقي من سورية ومناطق في غرب الفرات، تحديداً منبج وتل رفعت، نسخة سورية من حزب "العمال الكردستاني"، الذي تنظر إليه بصفته "التهديد الأكبر للأمن القومي التركي".

الجيش التركي حسم أمره في المضي في عمل عسكري واسع النطاق

 

وسبق للجيش التركي أن شنّ عمليتين عسكريتين ضد "قسد"، الأولى في غرب الفرات في مطلع عام 2018، دافعاً "قسد" إلى مغادرة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، باتجاه تل رفعت. أما العملية الثانية، فشنّها في أواخر عام 2019 في شرق الفرات، مُبعداً "قسد" عن تل أبيض ورأس العين. وتشير المعطيات إلى أن لدى الجيش ثلاثة أهداف في شمال سورية: الأول منطقة تل رفعت في ريف حلب، لإبعاد أي خطر عن منطقتي "غصن الزيتون" في عفرين و"درع الفرات" في ريف حلب الشمالي. والثاني منطقة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، للقضاء على وجود "قسد" في غرب الفرات. والثالث في عين العرب، الواقعة شرقي نهر الفرات، وتعني السيطرة على المنطقة الأخيرة بالغة الأهمية استراتيجياً، لوصلها مع منطقة "نبع السلام" (أي تل أبيض ورأس العين)، ما يضيّق الخناق بشدّة على "قسد" في الشمال الشرقي من سورية ويفقدها أهم معاقلها. وتؤدي الظروف السياسية في تحديد الهدف التركي العتيد، مع وقوع تل رفعت وعين العرب في نطاق النفوذ الروسي، بينما تعد منبج منطقة نفوذ أميركية، حيث سبق أن حالت واشنطن أكثر من مرة خلال السنوات الماضية دون تقدم الجيش التركي نحوها. وأفادت مصادر محلية بأن "قسد" وسّعت حملات المداهمة والاعتقال في المناطق الخاضعة لها، وكثفت من الحواجز المتنقلة على الطرقات ومداخل ومخارج المدن، واعتقلت أكثر من 100 شخص في مناطق متفرقة من الرقة وحلب ودير الزور والحسكة. وكان مكتب الدفاع الذاتي التابع لـ"قسد" و"الإدارة الذاتية" قد أصدر تعميماً أخيراً، للقوات التابعة له، بهدف توسيع حملة التجنيد الإجباري التي تطاول الذكور في مناطق سيطرة "قسد".