حرب غزة تهدّد بقلب موازين الانتخابات الأميركية ضد بايدن

مضت أربعة أشهر على "طوفان الأقصى"، وقائع وفظائع الحرب على غزة غيّرت الصورة وبلورت تحركات ومواقف واعتراضات بشكل غير معهود في الساحة الأميركية. والأهم فيها أنها تنطوي على توجه لمحاسبة الرئيس جو بايدن في الانتخابات على توفير الغطاء والسلاح بدون حدود لهذه الحرب وانتهاكاتها، التي وافقت محكمة العدل الدولية على النظر في دعوى جنوب أفريقيا بخصوصها، لناحية ما إذا كانت تتوفر فيها عناصر جريمة الإبادة. ولا يقل أهمية أن القطاعات والفئات التي تمثل هذا التوجه، منتمية إلى أو محسوبة على الحزب الديمقراطي وتمثل شرائح وازنة وناشطة في قاعدته الانتخابية.

وإذا كانت مشاهد المجزرة وحجمها والنزوح والتجويع قد أدت إلى انقلاب في التعاطف لمصلحة الشعب الفلسطيني، فإن تهاون الإدارة الأميركية مع العدوان أثار نقمة هذه الأوساط، التي بدأت الأرقام تبيّن مدى جديتها في المحاسبة، وبالتالي مدى تأثيرها المحتمل في الميزان الانتخابي.

في استطلاع قبل 3 أيام لشبكة "إن بي سي" جاء الإنذار المبكر لبايدن، الذي هبط تأييده إلى 42% مقابل 47% لخصمه دونالد ترامب. خسر حوالي 3 نقاط في الشهرين الأخيرين. وبالتحديد في صفوف الطلاب الجامعيين والناخبين الشباب في المدن وضواحيها، كما في صفوف السود والملونين عموما الذين اعترضوا على احتضانه المفتوح حتى اللحظة لاجتياح القطاع. وهذه واحدة من المرات النادرة التي تلاقت فيها هذه القوى وبقوة لنصرة الشعب الفلسطيني ولإدانة البيت الأبيض لتهاونه مع جرائم إسرائيل واستباحاتها الفاضحة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.

في استطلاع قبل 3 أيام لشبكة إن بي سي جاء الإنذار المبكر لبايدن، الذي هبط تأييده إلى 42% مقابل 47% لخصمه دونالد ترامب

الجسم الطلابي الذي كان أول المنتفضين ضدّ الحرب، والذي أثار خضّة كبيرة تسببت في الإطاحة برئيس جامعتين مهمتين هما هارفارد وبنسلفانيا، أعطى بايدن في 2020 نسبة 60% من أصواته، علما بأن 41% من عموم الناخبين في الانتخابات الأخيرة كانوا من حملة الشهادات الجامعية. كذلك هو الحال لدى الجيل الطالع الذي يشكل 44% من سكان المدن والضواحي، والذي ينتمي أو يميل 48% منه إلى الحزب الديمقراطي والذي يشكل عادة الجزء الأهم من الرافعة الانتخابية للحزب. لكن لا يبدو أنه كذلك هذه المرة. فحسب جامعة هارفارد، نصف الطلاب لا ينوي التصويت في الانتخابات القادمة. والحال أشد وطأة على بايدن في أوساط الجاليات العربية والفلسطينية التي قاطعت معظم اللقاءات مع حملة الرئيس وأعلنت الامتناع عن التصويت لبايدن.

وانضمت أخيرا مجموعات وهيئات من الأميركيين السود والملونين إلى التكتل الصاعد ضد إسرائيل وبايدن، والذي أثار حساسيات وعدم ارتياح في صفوف اليهود الأميركيين، الذين أعربوا عن "عدم ارتياحهم للنفور المتنامي في صفوف هؤلاء من إسرائيل وممارساتها في غزة". ولم يعد ذلك خافيا بعدما سارع البعض إلى التحذير من انعكاسات هذا التنافر على "علاقات التعاون التاريخي بين اليهود والملونين".

رصد

التحديثات الحية

جلسة محاكمة حاسمة لدونالد ترامب اليوم: هل يبقى في السباق الرئاسي؟

البيت الأبيض شعر بجدية المناخ السياسي الجديد ومخاطره المحتملة في الانتخابات، وبما دفع أركان حملته إلى تنشيط التحرك لاحتواء الرفض الذي يهدد بالامتناع عن التصويت. لكن فريق بايدن يعوّل في مخاطبة هذه الفئات على تخويفها من فوز ترامب لو قاطعت التصويت. فليس لديه ما يقدمه حتى الآن إلا الوعود والزيارات إلى المنطقة، التي لا يبدو أنها انتهت إلى شيء خارج المعزوفة المعروفة عن "حماية المدنيين" وضرورة تسهيل مرور المعونات الإنسانية "التي ما زالت غير كافية" وبقية السردة التي عاد وزير الخارجية أنتوني بلينكن وكررها أمس في مؤتمره الصحافي في إسرائيل بعد اجتماعاته مع المسؤولين.

وكان واضحاً من ردود بلينكن الضبابية على الأسئلة أنه لم يسمع من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما كان يريد أن يسمعه بخصوص جواب حركة حماس بشأن صفقة الرهائن. ففيما كان رئيس الليكود حازما ومتهكما في رده على الجواب، اكتفى بلينكن بالعموميات وأهمية العمل في الفترة القادمة لجهة "مواصلة الدبلوماسية والتحاور وتكثيف التركيز على الأمور الضرورية .." وبما يعني أنه ليس في وارد مغالطة نتنياهو علنا ومن ودون حتى إيحاء بمغالطته، في حين ذكر أن نتنياهو فاتح الوزير وبشيء من العتب بخطوة الإدارة لفرض عقوبات على أربعة مستوطنين، مع أنه إجراء شكلي لرفع العتب لا أكثر.

السائد في واشنطن وحتى في صفوف الجهات المقربة تاريخيا من إسرائيل والحريصة على موقعها الأميركي الممتاز، أن الرئيس بايدن عزف منذ البداية وحتى الآن، عن التصدي كفاية لإسرائيل وانفلاتها في غزة. وحتى على صعيد المعونات الإنسانية. يكتفي بطرح خرائط سلام من نوع "اسمع تفرح". لكن إذا كانت الإدارة الأميركية غير قادرة لأنها غير راغبة في انتزاع هدنة من نتنياهو، فكيف لها أن تنتزع منه دولة؟ وأي دولة؟