تحت عنوان عريض يتلخص بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحرب على أوكرانيا، وتوعُّد نظيره الأميركي جو بايدن بأقسى العقوبات على روسيا، أفردت الصحف الأميركية، اليوم الخميس، مساحة واسعة على صفحاتها الورقية، ومواقعها الإلكترونية، للحرب التي بدأت تدور رحاها في القارة الأوروبية، على وقع الحملة العسكرية الروسية، التي انطلقت صافرتها، مع صعوبة في تحديد أفقها، وإلى ماذا ستقود القارة والعالم.
وإذ اعتبر عدد كبير من المحللين، ومنهم باحثون في مراكز تفكير أميركية، أو سياسيون وعسكريون سابقون، أن حجم المغامرة الروسية صاعق، شدّد معظمهم، من وجهة نظر أميركية، على ضرورة تكبيد بوتين ألماً قوياً جرّاء فعلته، مع ضرورة دعم "مقاومة" أوكرانية، لنقل الجنود الروس "جثثاً في أكياس" إلى روسيا.
فيما كان لافتاً أيضاً حجم التقارير التي تشرح التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب، التي قد تكون الأكبر في القارة العجوز منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وجاء ذلك من دون إغفال ضرورة إحداث شرخ "قد يكون صعباً" بين الصين وروسيا.
شدّد معظم الصحف الأميركية على ضرورة تكبيد بوتين ألماً قوياً جرّاء فعلته
وفي افتتاحيتها التي تجيب فيها عن "المعنى الحقيقي لضربة بوتين العسكرية"، رأت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن أي أمل بحل سلمي للأزمة يبدو أنه قد تبخر، مع ضغط بوتين على الزناد وتعهده بنزع سلاح أوكرانيا.
واعتبرت الصحيفة أنه وراء كل ذلك "يقدم فلاديمير بوتين عرضاً كبيراً للقيادة المدمرة والخطرة، ويجعل من المهم أن يقف الرئيس بايدن والدول الأخرى موحدين بعزم سوياً لمواجهة التهديدات والخدع والتضليل، ويظلّوا منضبطين من دون أن تخفت طاقتهم لمواجهة بوتين".
ورأت "نيويورك تايمز"، أنه من الواضح أن الرئيس الروسي "يلعب لعبة طويلة"، إذ إن "مدى طموحه المتقن مثير للقلق والحيرة لدى معظم العالم". كما اعتبرت أن هجوم بوتين لا يتعلق بشكل أساسي بحلف شمال الأطلسي أو الأمن، بل بـ"سرديته المعادية للآخر، والإمبريالية والمضللة حول أوكرانيا"، والتي لا تبرر مع كل أفكار بوتين عن هذا البلد، حجم "مغامرته"، واجتياحه من دون أن يجري استفزازه، لدولة أوروبية ذات سيادة، وعلى قارة، وفي قرن، كان يعتقد أنه من سابع المستحيلات فيه اندلاع مثل هذه الحروب.
وتوجهت الصحيفة إلى التنبيه لتداعيات ذلك على الشعب الروسي نفسه، "والذي سيستقبل جثث جنوده، والعزلة الاقتصادية، والنبذ العالمي لهذا الشعب الذي عانى كثيراً خلال القرن الماضي من الحروب والحكم التوتاليتاري".
من جهته، كتب ريتشارد هاس، وهو رئيس "مجلس العلاقات الخارجية" البحثي في واشنطن، في "نيويورك تايمز"، أن الساعة صفر حانت، حيث أطلق بوتين "حرباً اختيارية"، لأنه لم يكن هناك أي توافق بعد حول ضمّ أوكرانيا إلى "الناتو"، أقلّه خلال العقد المقبل، واختار بوتين طريق الحرب، ما يستدعي رداً شاملاً وحازماً من الغرب لـ"معاقبة روسيا وردعها عن المزيد من العدوان".
واعتبر هاس أن تعليق "سيل الشمال 2"، خط الغاز مع ألمانيا، هو "بداية قوية"، كما العقوبات المالية، لكن "القدرات العسكرية لأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، وخصوصاً في الدول القريبة من روسيا يجب أن يتواصل تعزيزها". وشدّد هاس، على أن العقوبات يجب أن تأخذ بعداً أقوى، إذا ما كان هدف الروس السيطرة على كل أوكرانيا، ومن ذلك دعم كييف لتكون الكلفة كبيرة على موسكو.
أما على الصعيد الإستراتيجي، فإن على الولايات المتحدة أن تحاول، بحسب هاس، "إحداث بعض المسافة بين الصين وروسيا"، وهو أمر برأيه "لن يحصل بين ليلة وضحاها"، لكن "على إدارة بايدن تسريع دبلوماسيتها الخاصة مع بكين"، خاتماً بالقول إن "تاريخ الحروب الاختيارية يبدأ جيداً، لكنها بمعظمها تنتهي بشكل سيئ".
بدورها، رأت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين أولبرايت، في الصحيفة ذاتها، أن بوتين يرتكب خطأ تاريخياً، محذرة أيضاً من عواقب هذا الخطأ على الشعب الروسي. كما اعتبرت بدورها، أن الاجتياح الروسي سيقود حتماً إلى تعزيز الناتو في الخاصرة الشرقية الأوروبية، وبحث التموضع الدائم في دول البلطيق، وفي بولندا ورومانيا.
ريتشارد هاس: على الولايات المتحدة أن تحاول إحداث بعض المسافة بين الصين وروسيا
لكنها اعتبرت أن بوتين "الذي لا يعترف أبداً بأخطائه، براغماتي أيضاً، ومدرك أن المواجهة الحالية ستتركه أكثر اعتماداً على الصين، وأنه لا مجال للازدهار من دون الغرب".
على هذا المنوال، اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" أن الأحداث في أوكرانيا تكشف عن حرب "مميتة، وشيطانية، وحرب استخبارات"، على اعتبار أن "روسيا تلعب لعبة استخبارات طويلة ومخادعة". وجادلت الصحيفة في مقال مطول لديفيد أيغناسيوس، حول الكيفية التي ستدعم بها إدارة بايدن حركة مقاومة أوكرانية، وهي نقطة ظلّت قليلة البحث داخل إدارة بايدن.
وفي مقال آخر، رأى إي جي ديون جونيور، كاتب الرأي في الصحيفة، أن بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، قد وحدا المدافعين عن الديمقراطية حول العالم، وأن بوتين قد يفوز بالنهاية بـ"بعض الانتصارات قصيرة المدى، لكنه خلق ظروفاً قد تقود إلى نهايته".
أما صحيفة "وول ستريت جورنال"، فرأت أن الخطأ هو في حرمان أوكرانيا من السلاح النووي، فيما اعتبرت "فوريس بوليسي"، أنه من المغري أن نقول إن تداعيات الحرب ستقع على روسيا وحدها، معيدة التذكير بإمكانية الإخفاق في دعم حركة مقاومة أوكرانية، وهو أمر قد يكون بوتين فكّر به.