خاضت القوات الروسية والأوكرانية معارك، أمس الخميس، للسيطرة على موقع تشرنوبيل، الذي لا يزال يطلق إشعاعات نووية منذ وقوع أسوأ حادث نووي في العالم في 26 إبريل/نيسان 1986، والذي ساهم في انهيار الاتحاد السوفييتي، في عام 1991.
وكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على "تويتر": "المدافعون عن أرواحنا يضحون بأنفسهم كي لا تتكرر مأساة 1986". وكتب زيلينسكي هذه التغريدة قبل أن تسيطر القوات الروسية على محطة الطاقة النووية السابقة، التي كانت مسرحاً لحريق وانفجار مدمر في تلك السنة.
موقع تشرنوبيل الجغرافي
لكن السؤال لماذا يرغب أحد في السيطرة على محطة طاقة نووية معطلة محاطة بأرض بها إشعاعات نووية على مدى أميال؟ الجواب هو الجغرافيا. وتقع تشرنوبيل على أقصر طريق من بيلاروسيا إلى العاصمة الأوكرانية كييف، وبالتالي فالمحطة بحسابات المنطق تقع على خط هجوم القوات الروسية الغازية لأوكرانيا.
ويقول محللون عسكريون غربيون إنه بسيطرة روسيا على تشرنوبيل تستخدم ببساطة أسرع طريق للغزو من بيلاروسيا، حليفة موسكو، ونقطة انطلاق للقوات الروسية إلى كييف.
بسيطرة روسيا على تشرنوبيل تستخدم ببساطة أسرع طريق للغزو من بيلاروسيا
ومن جهته، قال جاك كين، القائد السابق في أركان الجيش الأميركي، إن تشرنوبيل "ليس لها أي أهمية عسكرية" لكنها تقع على أقصر طريق من بيلاروسيا إلى كييف الهدف في استراتيجية "قطع الرأس" الروسية الرامية للإطاحة بالحكومة الأوكرانية. ووصف كين الطريق بأنه أحد "المحاور" الأربعة التي استخدمتها القوات الروسية لغزو أوكرانيا، بما في ذلك طريق آخر من بيلاروسيا، وطريق باتجاه مدينة خاركيف الأوكرانية، والاندفاع باتجاه الشمال انطلاقاً من شبه جزيرة القرم الجنوبية، التي تسيطر عليها روسيا إلى مدينة خيرسون.
بدوره، اعتبر جيمس أكتون، من مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، أن الطريق من تشرنوبيل "كان أقصر"، معتبراً أن سيطرة روسيا على تشرنوبيل، أمس الخميس، لم يكن بهدف حمايتها من مزيد من الأضرار. وأضاف أن هناك أربع محطات عاملة للطاقة النووية في أوكرانيا (خميلنيتسكي، وروفنو، والجنوب الأوكراني، وزابوريزيا)، تمثل خطراً أكبر من تشرنوبيل، التي تقع داخل "منطقة حظر" شاسعة بحجم دولة لوكسمبورغ.
وأوضح أن المفاعلات الأوكرانية الأخرى ليست محاطة بمناطق حظر وتحتوي على وقود نووي أكثر إشعاعاً، مشدّداً على أن "مخاطر القتال حولها (المفاعلات العاملة) أعلى بكثير". وقال أكتون: "الواضح أن وقوع حادث داخل تشرنوبيل ستترتب عليه مشاكل كبيرة. لكن من المحتمل ألا يؤثر كثيراً على المدنيين الأوكرانيين، وعلى وجه الدقة بسبب وجود المنطقة المحظورة".
واعتبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، أمس الخميس، نقلاً عن الهيئة المنظمة للطاقة النووية الأوكرانية، أن محطات الطاقة النووية الأربع النشطة في أوكرانيا تعمل بأمان ولم يحدث "تدمير" في النفايات والمنشآت الأخرى في تشرنوبيل.
تأثير انفجار تشرنوبيل في عام 1986
وانفجر المفاعل الرابع في تشرنوبيل الذي يبعد 108 كيلومترات إلى الشمال من العاصمة الأوكرانية كييف في إبريل 1986، خلال اختبار سلامة فاشل، وانطلقت سحب الإشعاع في معظم أنحاء أوروبا ووصلت إلى شرق الولايات المتحدة.
في أوكرانيا 4 محطات نووية تمثّل خطراً أكبر من تشرنوبيل
وأثرت العناصر المشعة من السيزيوم والبلوتونيوم والاسترونتيوم بشكل أساسي على أوكرانيا وبيلاروسيا المجاورة، ومناطق من روسيا وأوروبا. وفي غضون ستة أشهر من الكارثة، تم على عجل بناء غطاء مؤقت، أو "تابوت"، لتغطية المفاعل المتضرر وحماية البيئة من الإشعاع. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تم وضع غطاء آمن جديد فوق التابوت القديم.
وتختلف التقديرات في ما يتعلق بالوفيات المباشرة وغير المباشرة الناجمة عن الكارثة مما يقدر بالألوف إلى نحو 93 ألف وفاة إضافية بالسرطان في جميع أنحاء العالم. وحاولت السلطات السوفييتية في بداية الأمر التستر على الكارثة، ولم تعترف فوراً بالانفجار، وهو ما شوه صورة الزعيم السوفييتي الإصلاحي ميخائيل غورباتشوف وسياساته المعروفة باسم "الغلاسنوست" الرامية إلى زيادة الانفتاح في المجتمع السوفييتي. واعتُبرت الكارثة من وجهة نظر الكثيرين أحد العوامل التي ساهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي بعد سنوات قليلة.
(رويتزر)