حرب أفريقية إضافية في الأفق بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

15 يونيو 2022
بوناغانا في نوفمبر الماضي (بادرو كاتومبا/ فرانس برس)
+ الخط -

تدهور الوضع الميداني في المثلث الحدودي بين رواندا والكونغو الديمقراطية وأوغندا، تحديداً في بلدة بوناغانا، مع سيطرة "حركة 23 مارس" (المعروفة باسم حركة أم23) المتمردة عليها، وتراجع القوات الكونغولية عنها.

وكانت المعركة على البلدة قد اندلعت في الأيام الأخيرة، وأعلن الجيش الكونغولي سيطرته عليها يوم الأحد الماضي، قبل سقوطه وانسحابه، أول من أمس الاثنين. وعبّرت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي عن قلقهما بشأن تصاعد العنف.

وذكر جان ـ بابتيس تويزيري، وهو رئيس جماعة مجتمع مدني محلية في بوناغانا، لوكالة رويترز، مساء الاثنين: "نحن بالفعل تحت سيطرة حركة أم23".

وأضاف: "الجنود الكونغوليون الذين وجدوا أنفسهم تحت حصار أعداء في بوناغانا لم يتمكنوا من فعل أي شيء، وغادروا البلدة مساء الأحد".

وأكد إدغار ماتيسو، نائب رئيس جماعة حقوقية في إقليم شمال كيفو، التي تقع البلدة في نطاقه الإداري، استيلاء "أم23" عليها. وذكر نشطاء محليون أن أكثر من 30 ألف مدني فرّوا إلى أوغندا المجاورة.

وقال مسؤولو أمن أوغنديون إنهم يعتقدون أن البلدة الحدودية الكونغولية الآن "تحت سيطرة متمردي أم23"، وفقاً لما ذكر فريد إينانغا، المتحدث باسم شرطة أوغندا.

وأضاف للصحافيين أن أكثر من مائة جندي كونغولي فارين من القتال العنيف مع المتمردين عبروا الحدود "واستسلموا" للمسؤولين الأوغنديين، موضحاً أن الجنود الكونغوليين سينقلون إلى روتشورو، وهي بلدة كونغولية أخرى، شرقي البلاد، بالقرب من الحدود مع أوغندا.

الجيش الكونغولي يتهم رواندا

من جهته، اعتبر الجيش الكونغولي في بيان أن القوات الرواندية احتلت بوناغانا. واتهم: "إرهابيي حركة 23 مارس المدعومين بمدفعية وقوات الجيش الرواندي" بمهاجمة مواقع له قرب بوناغانا "بما لا يقلّ عن الغزو"، وفق تعبيره.

وتعهّد الجيش بدفاع القوات الكونغولية عن وطنها، مما يمثل تصعيداً دراماتيكياً في التوترات بين البلدين الجارين في وسط أفريقيا. وقال المتحدث باسم الحاكم العسكري لشمال كيفو إن "الهدف الذي تسعى رواندا لتحقيقه هو احتلال بوناغانا ليس من أجل تطويق مدينة غوما (عاصمة شمال كيفو) ولكن أيضاً للضغط على الحكومة الكونغولية".

واتهمت الكونغو الديمقراطية مراراً رواندا بدعم متمردي حركة "أم23"، التي تتحدر قيادتها من مجموعة التوتسي العرقية، التي ينتمي إليها الرئيس الرواندي بول كاغامي. ولم يرد الجيش والحكومة الرواندية بعد على طلبات للتعليق. ونفت رواندا في السابق القيام بأي دور في الهجمات التي نفذتها حركة "أم23".


اتهم الجيش الكونغولي رواندا بدعم اجتياح بوناغانا

من جهته، ذكر المتحدث باسم الحركة ويلي نغوما في بيان: "سيطرت قواتنا على بلدة بوناغانا منذ صباح الاثنين"، مشيراً إلى أن "الاستيلاء على البلدة" لم يكن هدفهم لكنهم قرروا القيام بذلك "بعد الهجمات المتكررة من قبل الجيش الكونغولي والجماعات المتحالفة معه".

وطلب "مرة أخرى من الرئيس فيليكس تشيسيكيدي اغتنام هذه الفرصة لوضع حد للعنف الذي تسببت فيه هذه الحرب غير المجدية وفتح مفاوضات مباشرة مع حركتنا". وكانت حكومة الكونغو الديمقراطية قد قطعت المفاوضات مع حركة "أم23" التي كانت تجرى في كينيا في إبريل/ نيسان الماضي.

وكانت بوناغانا معقل الحركة المتمردة في عام 2012 قبل أن يسيطر عليها الجيش الكونغولي في عام 2013، وهي من المعابر الرئيسية إلى أوغندا.

وتمكنت الحركة خلال العصيان من اجتياح مدينة غوما الرئيسية قبل أن تطاردها القوات الكونغولية وقوات الأمم المتحدة وتضطر للفرار إلى رواندا وأوغندا في العام التالي.

وتقع البلدة على بعد نحو 55 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من غوما، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة وتشكّل مركزاً لمنظمات الإغاثة الدولية وبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مونوسكو). وتعتبر بوناغانا نقطة عبور مهمة للبضائع التي يتم استيرادها إلى الكونغو الديمقراطية من أماكن بعيدة، مثل الصين.

و"حركة 23 مارس" هي مليشيا كونغولية مكونة من أفراد ينتمون إلى عرقية التوتسي، وهي ضمن أكثر من 120 جماعة مسلحة تنشط في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

واستأنفت الحركة القتال في أواخر عام 2021 متهمة الحكومة الكونغولية بعدم احترام اتفاق وقعه الطرفان في كينيا، بعد هزيمة التمرد، ونصّ على دمج مقاتلي الحركة في صفوف الجيش. وهاجم المتمرّدون مواقع للجيش في المنطقة المحيطة ببوناغانا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ومرة أخرى في مارس/ آذار الماضي.

تمرّد "حركة أم23"

ويعدّ تمرّد "حركة أم23" جزءاً من إفرازات مجازر رواندا بين 7 إبريل/ نيسان 1994 و15 يوليو/ تموز من العام عينه، وحربين أهليتين في الكونغو الديمقراطية: الأولى بين 24 أكتوبر/ تشرين الأول 1996 و16 مايو/ أيار 1997، والثانية بين 2 أغسطس/ آب 1998 و18 يوليو/ تموز 2003.

في رواندا، أدت المجازر التي ارتكبتها عرقية الهوتو إلى مقتل ما بين 491 ألفاً و800 ألفاً من عرقية التوتسي. لكن التوتسي، المنضوين تحت "الجبهة الرواندية الوطنية" عادوا وشنّوا هجوماً على الهوتو، وسيطروا على العاصمة كيغالي، بقيادة الرئيس بول كاغامي.

وخلال المذابح فرّ أكثر من مليون ونصف مليون رواندي إلى شرق الكونغو الديمقراطية المجاورة، والتي كانت تُدعى في حينه "زائير". وكان الفارّون من التوتسي والهوتو.

وعمد الهوتو إلى نقل المعركة إلى شرق الكونغو الديمقراطية، وباشروا استعداداتهم للعودة إلى رواندا وخلع كاغامي، بدعم من الرئيس موبوتو سيسي سيكو.

وأدى ذلك إلى توحيد رواندا وأوغندا قواهما ودعم المعارض الرئيسي لسيسي سيكو، لوران ديزيريه ـ كابيلا، وباشروا هجوماً عسكرياً، أدى إلى سقوط كينشاسا وخلع سيسي سيكو، الذي حكم بين عامي 1965 و1997.

لكن ديزيريه ـ كابيلا انقلب على حليفيه متحالفاً مع الهوتو في الشرق الكونغولي، لتندلع حرب أهلية أخرى، ويُغتال في 16 يناير/ كانون الثاني 2001.

وبعد اغتياله تسلّم ابنه، جوزيف، رئاسة البلاد، حتى عام 2019، وبدء عهد تشيسكيدي. وخلال هذه المرحلة، أدت الحربان الأهليتان إلى نشوء بؤرتي توتر في شرق الكونغو الديمقراطية، أي في شمال إقليم كيفو وجنوبه. وتقاتلت عرقيتا الهوتو والتوتسي ودعم الجيش الكونغولي الهوتو، قبل توقيع اتفاق سلام في 23 مارس 2009.


النزاع في الشرق الكونغولي من إفرازات مجازر رواندا

لكن في عام 2012، انتفضت حركة "أم29"، على واقع مفاده أن الجيش الكونغولي لا يطبّق اتفاق السلام، بل يضغط على التوتسي، ليندلع النزاع مجدداً، ويستمرّ بشكل متقطع، مع تدخل نحو 21 ألف جندي من الأمم المتحدة لوقفه، فضلاً عن نزوح ولجوء الملايين من الكونغوليين. وبدأ الجانبان مباحثات سلام في كينيا، إلا أنها انهارت أخيراً.

غير أن سقوط بوناغانا يمثّل منعطفاً أساسياً في الأحداث الأخيرة، خصوصاً لجهة احتمال حصول "حركة أم23" على دعم جديد من رواندا، ومحاولة إسقاط حكم فيليكس تشيسيكيدي في كينساشا، على خلفية عدم تطبيق بنود اتفاق السلام 2009، وأيضاً بسبب العلاقة السيئة التي تربط الكونغولي مع نظيره الرواندي.

وزادها سوءاً اعتقال الكونغو الديمقراطية جنديين روانديين في أواخر شهر مايو/أيار الماضي، ما دفع إلى تدخل الاتحاد الأفريقي وأوغندا مباشرة من أجل الإفراج عنهما وتهدئة الأوضاع.

وهو ما حصل في مطلع الشهر الحالي، لكن الخلاف الذي حاول الاتحاد القاريّ تذويبه يبدو أنه انتهى في بوناغانا فجر الاثنين، فاسحاً المجال أمام تطورات ميدانية بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، وسط مخاوف من احتمال تمدد تنظيم "داعش" في المنطقة، وفقاً لتقرير لمؤسسة "بريدجواي" الأميركية، بعنوان "إنكار الروابط بين القوات الديمقراطية المتحالفة والمتشددين يعرض المدنيين للخطر"، نُشر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وجاء في التقرير: "تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن أول هجوم له في أوغندا، وذلك عندما هزّ تفجيران انتحاريان متزامنان وسط مدينة كمبالا، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأجبر البرلمان الأوغندي على إيقاف جلساته".

وأضاف التقرير أن "الهجمات نفذتها الجماعة الموالية لتنظيم داعش في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي تسمي نفسها ولاية أفريقيا الوسطى الإسلامية (آي إس سي إيه بي). وتُعرف محلياً باسم القوات الديمقراطية المتحالفة (إيه دي إف)".
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)

المساهمون